أخبار عاجلة

الرد على إهانة التعليم الرسمي بإيقاف تخريبه

 

بوابة التربية ـ كتب د. *يوسف كلوت:

ليس غريباً أن تتم مهاجمة التعليم الرسمي على محطة إعلامية بالشكل المهين الذي تم فيه البارحة على تلفزيون الـ MTV، فهو أمر لطالما حصل بدوافع متعددة سياسية وغير سياسية، لكن الغريب والمُستهجن هو أن يتم ذلك في حضور وزير التربية وصمته وعدم مبادرته إلى ردة فعل أقلها الإنسحاب من الحلقة وطلب الإعتذار من مقدِّم برنامج “صار الوقت” مارسيل غانم ومن إدارة محطة الـ MTV.

لكن بعد الذي حصل فإن الرد على الإهانة لا يكون إلا بإيقاف تخريب التعليم الرسمي، وليس باستنكارات على وسائل التواصل الإجتماعي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

إن التعليم الرسمي لا يحتاج إلى دعم إعلامي بقدر ما يحتاج إلى التوقُّف عن تخريبه، وهذا التخريب هو صناعة سياسية بامتياز.

لكن السؤال الفعلي في هذا السياق هو كيف يتم تخريب التعليم الرسمي؟

سأشرح باختصار كيف يتم تخريب الثانويات الرسمية كوني أنتمي مهنياً لهذا القطاع منذ العام 2001 وإلى الآن. فبالمعايشة اليومية ومن موقع التدريس بنصاب كامل في سبع ثانويات رسمية خلال الفترة المذكورة، ومن موقع الناشط النقابي، أستطيع أن أجزم بأن في الثانويات الرسمية من الإمكانات (حتى المادية منها) والقدرات والطاقات التعليمية ما لا يقل عن أي مؤسسة تعليم خاصة، هذا إن لم يتفوّق عليها. غاية الأمر أنه لا يُسمح – من خلال التخريب – لهذه الإمكانات والقدرات والطاقات بالانتظام بما يُفضي إلى تقديم خدمة تعليم ذات جودة عالية.

يتم هذا التخريب عبر مسارات عدَّة، نفصِّل فيها تباعاً:

أولاً، يتم هذا التخريب من خلال ضرب القواعد القانونية والمهنية للترقي الإداري وذلك بفرض رأس المؤسسة التعليمية على قاعدة الولاء السياسي (كل القوى الحكومية-النيابية تشترك في هذه الميزة المُدمِّرة). وعادة ما يكون هذا الرأس غير جدير بمركز المدير أو ليس لديه نية عمل ومتابعة باستمرار أو متسلِّط لا يعمل أو متسلِّط يعمل أو خليط من كل، وذلك كي يسهل التحكم به وبقراراته. ويبقى هذا الرأس مدى الحياة المهنية أي حتى سن الـ 64، فلنتخيَّل وضع مؤسسة يبقى المدير فيها بالصفات التي ذكرناها مديراً لمدة 34 عاماً إذا ما تم تعينه مثلاً في عمر الثلاثين!

إن الوظيفة الفعلية لهذا الفرض هو تمكُّن القوة السياسية التي مارسته من استخدام موقع المدير  للتوزيع على اختلاف أشكاله وأنواعه بغية اجتذاب الولاءات السياسية أو تثبيت القائم منها. توزيع من خلال تخفيض أنصبة التدريس للمحظيّين، توزيع من خلال حصص التعاقد الداخلي والخارجي، توزيع النظارات، والأدهى هو التوزيع بإعفاء المحظيين جداً من التعليم بعناوين شتى ما أنزل القانون بها من سلطان، إنما سلطانها يأتي من التحايل على القانون بقوة النفوذ والسياسة! وأيضاً توزيع بمراعاة بعض التلامذة المحظيين … وكل ذلك يؤدِّي إلى ضرب البيئة التعليمية واستقرارها في المدارس والثانويات عموماً وداخل الصفوف بشكل خاص، وهو ما يمنع بدوره انتظام العملية التعليمية وفقاً لقواعد سليمة تُفضي إلى تعليم بجودة عالية أو حتى متوسطة.

ثانياً، ويتم هذا التخريب من خلال ضرب الحصانة الوظيفية والموقع الوظيفي والمعنوي للأساتذة تماماً كما حصل مع قانون السلسلة (46/2017) الذي أقر بتوافق كل القوى الحكومية – النيابية، وفي هذا السياق يندرج ما حصل مع زملائنا المتمرنين من محاولات إذلال وإهانة وتدمير مادي ومعنوي من بعض المدراء والمعنيين، وقد أصبح هؤلاء الزملاء الآن كما جميع الأساتذة بعد أن انتزعوا بنضالهم حقوقهم وحقوق التعليم الثانوي الرسمي.

ثالثاً، ويتم هذا التخريب أيضاً من خلال ضرب واستتباع قرار الأطر النقابية الحامية لقطاعات التعليم الرسمي والعاملين فيها من معلمين وأساتذة، وتفريغها من مضمونها بجعلها أطر للعلاقات العامة وتعقيب المعاملات وصولاً إلى منع تبلور أي دينامية ضاغطة في قواعد الأساتذة. وهو ما تم أيضاً بتوافق كل القوى الحكومية – النيابية.

فلا ينفــــع – والحالة هذه – استنكار إهانة التعليم الرسمي والكلام عن دعمه وتعزيزه ما لم يُطرح عملياً في رأس الأولوية ما يلــــي:

– مواجهة تسرُّب طابع اللاإنتاج والتوزيع الريعي السياسي إلى مهنة التعليم الرسمي، وأيضاً مواجهة تعطيل الآليات المهنية القانونية في اختيار المدراء (لا بد من تبديلهم دورياً كل 3 سنوات) والنظار وسواهم. مواجهة تبغي إحياء دور كلية التربية في إنتاج الأساتذة، وإعادة أخلاقيات المهنة وعاداتها وتقاليدها بفرض الترقي الإداري فيها وانتظام مؤسساتها على قاعدة الكفاءة وتكافوء الفرص، وإعادة نموذج الأستاذ الرصين الساعي لتدريس نصابه كاملاً.

– إنتزاع الحصانة الوظيفية والموقع الوظيفي والمعنوي للأساتذة.

– إنتزاع القرار النقابي وإعادته لدوره الحقيقي أي حماية القطاع والأساتذة وحصانتهم وحقوقهم ومكتسباتهم.

_________

* يوسف كلوت (أستاذ في ملاك التعليم الثانوي الرسمي ومندوب سابق في مجلس مندوبي الرابطة)

عن mcg

شاهد أيضاً

ثلاث طاقات متخصصة من الجامعة اللبنانية عمداء في جامعات بريطانية

بوابة التربية: عين رئيس جامعة التايمز البريطانية المفتوحة في لندن، السيناتور البروفسور مخلص الجدة، Thames …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *