أخبار عاجلة

أوراق جامعية أكاديمية بحثية أخلاقية

العميد حميه في جامعة الألزاس

بوابة التربية: كتب العميد البروفسور تيسير حمية:

كانت أول محاضرة أكاديمية ألقيتها في الجامعة اللبنانية لطلاب السنة الجامعية الرابعة كيمياء (جدارة) في كلية العلوم يوم الإثنين بتاريخ 15 كانون الأول 1996 وكنت حينها أستاذاً في جامعة الألزاس في ميلوز بعد أن أمضيت 20 عاماً في فرنسا في التعلُّم والتعليم والعلم والأبحاث العلمية في مختلف ميادين هندسة الكيمياء الصناعية والفيزيائية وعلوم المواد الميكروية والنانوية بالإضافة إلى الرياضيات البحتة والنمذجة الرياضية بعد أن علمني أساتذتي الفرنسيون أخلاقيات العلم والبحث العلمي التي اقترنت في غالب الأحيان بالتواضع.

وإنْ أنسَ لا أنسَ أول حديث دار بيني وبين المجموعة الأولى من طلابي في كلية العلوم في المحاضرة الأولى عام 1996 وأنا القادم من فرنسا متجلبباً بزي التواضع الذي علمتنيه فرنسا، وقد تفاجأ طلابي حينها بطريقة كلامي معهم بأني كنت معهم كأحدهم، ولكني كنت أدلي لهم ببعض ما علمني ربي من علم وأخلاق، وقد زادت مفاجأتهم عندما قلت لهم أني أنا إنسان أخطئ وأصيب وأتمنى عليكم أن تصحِّحوا لي أيَّ خطأ أرتكبه خلال محاضراتي أو في بعض البراهين التي أحلها على اللوح الأسود… وزادت دهشتهم عندما قلت أنه يمكن لهم طرح أي سؤال عليَّ، فإنْ كنت أعلم أجبتهم وإن كنت لا أعلم قلت لهم إني لا أعلم…

وصعقتُ عندما سمعتُ طلابي يقولون أنَّ أساتذتهم في اللبنانية لا يجيبونهم على أسئلتهم ويحتقرونهم ويتكلمون معهم بفوقية وأنَّ هؤلاء الأساتذة هم خاتمو العلم، وأنَّ غيرهم لا يفقه من العلم شيئاً وأن الطلاب المساكين هم طلاب لا حول لهم ولا قوة…

ومما أثار دهشتي واستغرابي إبان تلك المحاضرة عندما سألني طلابي عن نسبة النجاح السنوية عندي، فلم أفهم ماذا أرادوا بذلك مثلاً، فقالوا لي أن أساتذتنا في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية يقولون في الحصة الأولى أن نسبة النجاح هي مثلاً 20 بالمئة في المادة الفلانية و15 بالمئة في المادة كذا و… فقلت لهم كيف يمكن لأستاذ لم يدرس الطلاب بعد ولم يطرح الأسئلة عليهم أن يقول لهم شيئاً عن نسبة النجاح وأجبتهم أن هذا الأمر لا يناقش عندي وقد تكون نسبة النجاح مئة بالمئة وقد تكون أقل من ذلك وأنني أكون سعيداً جداً إذا كانت علامات طلابي عالية وأكون حزيناً جداً إذا لم يفهم طلابي المادة التي أدرسهم إياها إن الهدف الأسمى لدي هو أن يستطيع جميع طلابي هضم المقرر الذي أدرسه فإن لم أستطع أكون قد فشلتُ في تعليمي وإن رسالتي التعليمية قد فشلت وعليَّ في هذه الحالة مراجعة حساباتي وطرائق تدريسي والأساليب التي أعتمدها. أما أن يتباه بعض أساتذة كلية العلوم بأن نسبة نجاح الطلاب لديه خلال 20 عاماً في بعض المقررات لا يتجاوز 5 بالمئة فهذا يعني أن الأستاذ فاشل في التعليم وأنه لا يعرف كيف يوصل المعلومة لطلابه وفي مثل هذه الحالة فأنه يجب عليه إما تغيير أسلوبه وطريقته في التعليم وإما أن يغير مهنته.

وكم كانت مفاجأتي شبه مميتة ومحزنة، عندما اقترحتُ على طلابي تأمينَ منح دراسية فرنسية لمن يريد أن يتابعَ دراسته في فرنسا بدءً بشهادة الدراسات المعمَّقة (DEA)  وانتهاء بالدكتوراه (PHD) ، وأجابوني أن أساتذتهم يرددون دوماً على مسامعهم أن مستوى الطلاب  هنا لا يخوِّلَهم أن يتابعوا دراسة الدكتوراه في الخارج وخصوصاً في فرنسا.

عندها تذكرتُ بعض ما جاء في كتاب الله وبعض الأحاديث النبوية الشريفة:

قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

وقال كذلك: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: الخلقُ كلُّهم عيالُ الله، فأحبُّ خلقِهِ إليهِ أنفعُهُم لعيالِه.

وقال عليه أفضل الصلاة والسلام الحبيب المصطفى: إنَّ للهِ عِبادًا خَلَقَهُم لحوائجِ النَّاس، يفزعُ النَّاسُ إليهِمْ في حوائِجِهِمْ، أولئكَ هُمُ الآمنونَ منْ عذابِ اللهِ.

وقال الإمام علي بن أبي طالب أمير البلغاء وسيد الحكماء: إعْمَل الخيرَ فإنْ لمْ تجدْ منْ هوَ أهلٌ لهُ، فكُنْ أنتَ مِنْ أهلِهِ.

وقلتُ في نفسي ما يضرُّ لو أنَّ كل إنسانٍ عربيٍ ساعد أهلَه وقومّهُ وشعبَه وأمَّتَه من أجل أن يتفوقوا في كل ميادين العلم حتى نستطيع أن نسطِّرَ تطوراً وتفوقاً في مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا والإقتصاد والصناعة والزراعة؟

ومنذ ذلك التاريخ (15 كانون الأول 1996) وحتَّى اليوم آليت على نفسي أن أخدم طلابي من كافة المناطق والمشارب والمذاهب والطوائف اللبنانية وأن أساعدهم من أجل أن يتخرجوا دكاترة وباحثين من أرقى جامعات فرنسا في مختلف ميادين الهندسة والكيمياء والفيزياء والبيئة والمواد والصناعة والزراعة…

وهكذا سخرني الله عزَّ وجلَّ أن أكون خادماً لهؤلاء الطلاب من الجامعة اللبنانية وساعدني على تأمين أكثر من 180 منحة ماجستير (DEA) ودكتوراه (PHD)  من مختلف المختبرات الفرنسية التي كنت أتعاون معها واستمر تعاوني معها حتى اليوم حتى بعد تفرغي في الجامعة اللبنانية في العام 2000. وتفوق الطلاب اللبنانيون الذين كان يقول عنهم بعض أساتذتهم أنهم فاشلون ولا يمكن أبداً أن يتابعوا دراساتهم العليا في الخارج، لا بل برهن هؤلاء الطلاب أنهم تفوقهم على زملائهم الفرنسيين. وكنت منسِّقاً لاتفاقيتي تعاون بين الجامعة اللبنانية من جهة وجامعة الألزاس الأعلى (Université de Haute-Alsace) في ميلوز (Mulhouse) وجامعة اللورين  (Université de Lorraine) في نانسي   (Nancy)من جهة أخرى. وكان الصديق البروفسور جون لوك بيشوفJean-Luc Bishoff  المنسق الفرنسي عن جامعة الألزاس والصديق فريديريك فيلييراس  Frédéric Villieras عن جامعة اللورين. وقد تطورت علاقاتنا بشكل متسارع مع مختلف جامعات فرنسا الباريسية منها وغير الباريسية مثل ليون Lyon وليل  Lilleونيس  Niceومونبيلييه   Montpellierوستراسبورغ  Strasbourgورين  Rennes وبوردو Bordeaux  ونانت  NantesوبواتييهPoitiers   وغيرها الكثير من الجامعات الفرنسية والأوروبية كذلك. ولما كُلفتُ بعمادة كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية في تشرين الأول 2008 ولغاية كانون الثاني 2014 كان لي شرف خدمة طلابي فيها موقِّعاً أكثر من 30 إتفاقية تعاون بين كلية الزراعة وبعض الجامعات الفرنسية والأوروبية والأميركية مما ساهم في تأمين أكثر من 100 منحة جامعية إضافية لدراسات الماستر والدكتوراه.

والحمد لله رب العالمين

تيسير عبَّاس حميَّة

كفرحتى إقليم التفاح، في 26 تشرين الأول 2020

عن mcg

شاهد أيضاً

ثلاث طاقات متخصصة من الجامعة اللبنانية عمداء في جامعات بريطانية

بوابة التربية: عين رئيس جامعة التايمز البريطانية المفتوحة في لندن، السيناتور البروفسور مخلص الجدة، Thames …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *