أخبار عاجلة

القوى السياسية والدولار الطالبي: تغطية تصفية الجامعة اللبنانية 

طلاب الجامعة اللبنانية                           (أرشيف بوابة التربية)

خاص بوابة التربية: كتب د. *يوسف كلوت:

تشهد الساحة التربوية تحركات مطالبة بالدولار الطالبي سواء خارج لبنان (١٥١٥ ل. ل بدلاً من سعر السوق السوداء) أو داخله (١٥١٥ ل. ل. بدلاً من ٣٩٠٠ ل. ل.)، وهي صرخة ألم وخوف أجيال برمتها على حاضرها ومستقبلها، صرخة ناتجة عن الإنهيار الذي وصلت إليه البلاد مع القوى الحكومية – النيابية وسياساتها على المستويات المختلفة. وهو علاج يبدو أنه سيحصل للطلاب في الخارج، إلا أنه يبقى جزئياً وإستثنائياً لأنه يحصر المسألة بالطلاب الذين تسجلوا قبل العام الجامعي ٢٠٢٠ – ٢٠٢١، وإن حصل في الداخل مع الجامعات الخاصة، فإنه لن يستمر طويلاً مع الأوضاع المتدهورة التي ترتب كلفة تعليم عالية وفقاً لسعر دولار السوق السوداء على موازنات الجامعات الخاصة الإرسالية والحزبية والطائفية.

إن العلاج الجذري لأزمة الكلفة العالية للتعليم الجامعي على الأسر، والذي تحجبة القوى الحكومية- النيابية بمشاريع قوانينها وقوانينها وتحركاتها وبياناتها حول مسألة الدولار الطالبي، لا يمكن أن يتم إلا بالتوقَّف عن تخريب الجامعة اللبنانية بالمحاصصة السياسية وتهشيم المعايير الأكاديمية وخفض موازنتها وضرب السويَّة النقابية فيها، وبالتوقف أيضاً عن تقليص حجمها بالحواجز التصفوية التي تتم تحت عنوان براق هو “رفع المستوى” والاستجابة الدونية لـ “معايير الجودة” التي تمنحها الدول الغربية والمؤسسات الدولية، وهي في الحقيقة والواقع انخراط النخب التي تمثِّل الشرائح الشعبية المهمشة في ديناميات الغلبة على مستوى التعليم، وأيضاً استجابتها لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بمعنى آخر لا يمكن أن يتم هذا العلاج إلا بتوسعة الجامعة اللبنانية جغرافياً وتعظيم قدرتها الإستيعابية بإزالة الحواجز التصفوية في الدخول إلى الكليات والمعاهد (كل الكليات والمعاهد)، وفي الترفيع من مرحلة جامعية إلى أخرى أي في الترفيع من الإجازة إلى الماستر ومن الماستر إلى الدكتوراه.

تلك الحواجز التي تضرب القاعدة البديهية التي تقوم على أن “النجاح يساوي الترفيع”، فتضرب بذلك “كامل حق” الطالب بالترفيع على قاعدة النجاح، تضربه خلافاً للمراسيم النافذة التي تفرض تطبيق نظام الـ LMD الأوروبي في الجامعة اللبنانية، هذا النظام الذي يقوم على زيادة أعداد الطلاب وتوجيههم وتصويب خياراتهم بناء على علاماتهم ضمن جامعتهم وليس على قذفهم خارج أسوارها الأكاديمية إلى أسوار الجامعات الخاصة بحجة رفع المستوى كما حصل ويحصل في الجامعة الوطنية. ونذكر من هذه المراسيم التي تتم مخالفتها أو تاويلها بما يخالف منطقها على سبيل المثال لا الحصر المرسوم ١٤٨٤٠ والمرسوم ٢٢٢٥ لا سيما المادة العاشرة منه التي يتم تأولها تصفوياً خلافاً لمنطقه القانوني والأكاديمي والإداري.

فما معنى رهن الدخول إلى كليات الطب والهندسة والصيدلة بمباريات يتم تحديد المنافسة فيها بأربعين طالب أو أكثر قليلاً في العام لكل كلية من الكليات المذكورة، في ظل دخول المئات إلى هذه الإختصاصات في الجامعات الخاصة؟ وما معنى تحديد عدد طلاب الماستر في كل اختصاص بعشرين طالب، في ظل دخول الآلاف في الجامعات الخاصة؟ وما معنى تحديد عدد طلاب الدكتوراه في كل معهد من معاهد الدكتوراه بالعشرات في ظل دخول المئات إلى الجامعات الخاصة؟

إن تقليص أعداد طلاب الجامعة اللبنانية – والحالة هذه – وبالتالي تقليص الولادات العلمية منها على مستوى المهن الحرة كالطب والصيدلة والهندسة وسواها من الاختصاصات، وعلى مستوى الماستر والدكتوراه، لا يصب البتَّة في خانة “رفع المستوى” الذي لا يتم بالحواجز بل بصيغة الجامعة الباحثة والأستاذ الباحث والطالب الباحث، وبالتأكيد لا يمنع هذا التقليص تخمة سوق العمل بالخريجين، وهي على كل حال ليست مهمة الجامعة، بل يصب مباشرة في مصلحة الجامعات الخاصة بشكل مباشر استجابة لديناميات الغلبة التاريخية ومنطق البنك الدولي، تلك الجامعات التي تملكها القوى الحكومية النيابية أو تملك حصة فيها أو ترعاها مباشرة أو مواربةً. فالحواجز التصفوية إذن لا تقلَّص الولادات العلمية عموماً بل تقلِّصُها من الجامعة اللبنانية، التي باتت تشكل الإطار الوحيد الذي يسمح لأبناء الفئات المهمَّشة المحرومة والمستضعفة وسكان الأطراف بالترقي العلمي والمهني والإجتماعي.

تجارب في إزالة الحواجز التصفوية

ونشير في هذا السياق إلى تحركات عدة حصلت في العقد الأخير لإزالة الحواجز التصفوية اللاقانونية في كلية إدارة الأعمال وكلية العلوم وكلية الحقوق والمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وهي تجارب إما تمت عرقلتها وإما تم الإنقلاب على نجاحها من ممثلي القوى الحكومية النيابية في الجامعة اللبنانية.

سأشير إلى تجربة المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية كوني كنت مشاركاً فيها من موقعي كطالب دكتوراه آنذاك ومنسق لجنة المتابعة لطلاب دكتوراه العلوم الإجتماعية، وهي تجربة شارك فيها أساتذة وطلاب كثر من الفرع الأول في معهد العلوم الإجتماعية. فقد بدأت تحركاتنا التي لم تهدأ على مدار سنوات منذ مقاطعة الإمتحانات التعسفية في ١٩- ١١ – ٢٠١١، وبالفعل تمكنَّا من إزالة الحواجز التصفوية عملياً وقانونياً، وتم فتح معهد الدكتوراه لكل أصحاب الحقوق دون مِنَّة من أحد. تم فتح المعهد قانونياً آنذاك بتجميد القرار ٢٦٥٦ التصفوي وإعادة إحياء المرسوم ٩٠٠ ومن ثم بالقرار ٣٨٥٨ الذي لعب عميد المعهد الأسبق دوراً حاسماً في عملية إقراره. وفي سياق هذه التحركات تم إعادة الماسترات إلى الفروع في المناطق وتحريرها من الحواجز التصفوية ومن عائق الوقت والمسافة بفعل المركزة.

لكن وبعد فترة وبفعل غياب المتابعة والتحركات الطالبية عاد مبضع التقليص للإشتغال مجدداً في الماسترات حيث فُصِل النجاح عن الترفيع بين الإجازة والسنة الأولى ماستر M1 بامتحانات دخول تعسفية، وتم تقلص عدد الطلاب في كل ماستر إلى العشرين طالب وما دون، وأحياناً تم فرض إمتحانات دخول ومعدلات للإنتقال من السنة الأولى ماستر M1 إلى السنة الثانية ماستر M2، وهو ما أدَّى ويؤدي حتى الآن إلى ترحيل آلاف طلاب الماستر في مختلف الإختصاصات من الجامعة اللبنانية إلى الجامعات الخاصة، وغير المستطيع منهم مادياً – وهم كُثُر – تم دفعه قسراً إلى التوقُّف عن الترقي العلمي وبالتالي تدني شروط دخوله إلى سوق العمل.

وفي المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية بادرت القوة السياسية التي استلمت المعهد بشكل مباشر مع العميد الحالي (محمد محسن) وعبره وبالشراكة مع رئيس الجامعة الجديد آنذاك بالإنقلاب عملياً على منطق القرار ٣٨٥٨ الذي نظَّم المعهد على دينامية البحث كما في نظام LMD الأوروبي وحرَّره من الذهنية التصفوية وذهنية الاتصالات والـ ٦ و٦ مكرر طائفي والـ ٦ و٦ مكرر سياسي داخل كل طائفة، وذلك بعد أن كانت هذه القوة قد أسهمت بشكل إيجابي في بدايات تحرك الطلاب في المعهد في العام ٢٠١١، لكن “شربت حنجولة”!. وبسبب غياب المتابعة والتحركات الطالبية تم تقليص عدد الطلاب سنوياً إلى ما دون المئة طالب من الكليات الخمس التي يتشكَّل منها المعهد، وعادت الحواجز التصفوية بصورة معدلات وإجراءات وشروط مبالغ فيها تحت عنوان “رفع المستوى” و”منع تخمة سوق العمل”، وتم منع طلاب الماستر المهني من الدخول إلى الدكتوراه خلافاً للمادة ١٥ من القرار ٣٨٥٨، وانتظم المعهد مجدداً على توازنات تصفوية جزء منها نفسي قائم على قاعدة “شربت حجنولة”! عند بعض النخب الجهازية المتحكمة، إلا أن الأساسي في هذه التوازنات التصفوية هو الاستجابة لمنطق الغلبة التاريخية الذي قامت عليه الجامعة اللبنانية ومتطق البنك الدولي وخدمة الجامعات الخاصة واستخدام المعهد كآداة للإستزلام على قاعدة ٦ و٦ مكرر طائفي  وسياسي داخل كل طائفة.

عود علي بدء، فإن علاج مشكلة عدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط الجامعية وفقاً لسعر دولار المنصة ٣٩٠٠ ل. ل. أو لسعر السوق السوداء لا يتم إلا باستعادة الجامعة اللبنانية كإطار يسمح لكل المواطنين بالترقي العلمي والمهني والإجتماعي دون مِنَّة من أحد. وهو أمر تستطيع القوى الحكومية النيابية القيام به بشكل فوري، بدل التلطي بالدولار الطالبي والتحركات والبيانات المطالبة به، لتسكين وجع الناس مؤقتاً منعاً للإنفجار في وجهها، أو لمآرب سياسية أخرى.

لكن “إنما تُؤخذ الدنيا غلابا”…

* – دكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة اللبنانية.

– أستاذ في ملاك التعليم الثانوي الرسمي.

عن mcg

شاهد أيضاً

ثلاث طاقات متخصصة من الجامعة اللبنانية عمداء في جامعات بريطانية

بوابة التربية: عين رئيس جامعة التايمز البريطانية المفتوحة في لندن، السيناتور البروفسور مخلص الجدة، Thames …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *