أخبار عاجلة

رسالة الى وزير التربية: للتعامل مع إنهاء العام الدراسي وفق منهج علمي بعيدا عن الشعبوية

بوابة التربية- كتب *مجيد مطر:

رسالة الى وزير التربية المحترم:

تقعُ عملياتُ التربية والتعليم في صلبِ البيئة البشرية التي تتصفُ بالتعقيد والتغير، ما يحعل منها امراً تفاعلياً يحتاج الى إمكانياتٍ ووسائلَ خاصةٍ  تقودنا مباشرةً الى ضرورة وجود إدارةٍ استراتيجيةٍ شاملة لتحقيق الغايات والاهداف من مجملِ العملية التربوية، والتعامل مع المتغيرات التي قد تأتي على شكل أزماتٍ سياسية او اقتصادية او طبيعية، ما يستدعي نمطاً مختلفاً وغير مألوفٍ يصلُ لحدودِ الرد الاستراتيجي على التحديات التي تفرضُها تلك الكوارث والأزمات، فعلى قدْر الحدثِ يجب ان تكون الأفعال.

فمن نافل القول إن وباء “كورونا” يرتقي، وبإعتراف جميع الدول والمؤسسات الدولية المعنية، الى مصاف الازمةِ الكونية الخطيرة التي وصِفَتْ بالحرب الشاملة من قبل عدوٍ خفي يهددُ البشريةَ  ولا يميز بين دولةٍ وأخرى، أو بين قطبٍ واخر. فقد تساوى الجميع امام تداعيات تلك الجائحة الخطيرة التي طرحتْ تحدياً وجودياً لا يمكن التساهل حياله، فالحياة يجب أن تستمرَ، والاستستهال في ايجاد الحلول ضربُ من ضروب الاستسلام.

فنحنُ كما باقي الدول أمام أزمة خطيرةٍ بكل ما للكلمة من المعنى تستدعي التعامل معها وفق منهج علمي، بعيداً عن الضغوطات الانفعالية والارتجالية، لنضعَ تصوراً شاملاً حيال كيفية إدارة الازمة إدارةً سليمة وفعالة تخفيفا للخسائر من خلال تحديد الأولويات.

فالازمة في أبسط معانيها سواء كانت من فعل الانسان أو من فعل الطبيعية كما عرّفها جميع المختصين في إدارة الازمات على أنها : “لحظة حاسمة او وقت حرج” اذن هي حالة غير مألوفة تضع صانع القرار أمام نقطةِ تحولٍ خطيرةٍ تهددُ المصالحَ الوطنية  وتخلُّ بالامن القومي والمجتمع برمته كما تفرض الرد السريع غير المتسرع.

فقد تصيبُ أثارُ وسلبياتُ الازماتِ والكوراث قطاعاً اكثر من أخر، وقد تكون نتائجُها السلبيةُ منصبةً على الموارد البشرية اكثر من المادية والعكس صحيح، ما يضعُ الدولَ والحكومات  أمام وجوب الاختيارِ والمفاضلةِ تحقيقاً للمنفعة العامة وللمجتمع.

وبناءً عليه إن أزمة كورونا في لبنان قد وضعت القطاعات  كلها في خطر ما خلقَ تهديداً مباشراً للدولة اقتصاداً وانتاجاً، تربية وسياحة فضلاً عن الامن الصحي الذي يحتلُ قائمةَ الأولويات في الوقت الراهن والذي تتشارك فيه باقي أجهزة الدولة مع وزارة الصحة في تنفيذ الخطط الموضوعة وتحديداً تقديم المساعدة في الحجر الصحي والتخفيف من الازدحام تكريسا لمقولة التباعد الجسدي والاجتماعي. ولا يجدر أن ننسى الوسائل الإعلامية والمجتمع المدني الذين يساهمون كلُ من موقعه في التصدي لذلك الوباء الخطير ومنع انتشاره السريع.

وبما أن التربيةَ والتعليم من المسائل الأساسية التي لا يمكن التساهل حيالها لإرتباط جميع القطاعات بها إن بشكل مباشر أوغير مباشر، حينها يصبح من الأهمية بمكان وضع الخطط اللازمة لتفادي الاضرار التي لا يمكن تعويضها في حال جاءت الحلول على حساب العملية التربوية برمتها. فالجامعات والمدارس هي التي تصنعُ الطبيب والمهندس والممرض وهي التي ترفدُ سوقَ العمل بيد عاملة متعلمة ومدربة، لذا فالانظار كلّها موجهةً صوب وزارة التربية وعلى رأسها الوزير صاحب الصلاحية في اتخاذ القرارت التي سوف تنهي الجدل المتمحور حول العام الدراسي ومآل الامتحانات الرسمية التي هي مصب اهتمام الاهل والطلاب على حد سواء.

فيا معالي الوزير إن مسؤوليتك اليوم ليست بالقليلة وهي تطرحُ عليك تحدياتٍ خطيرةً تتعلق بمثل وقيم وصحة الطالبات والطلاب، علاوةً على مصلحتهم في أن ينالوا معرفةً جديةً خصوصاً أولئك الذين سوف ينتقلون من الثانويات الى الجامعات التي تتطلب منهم إمكانيات كبيرة لنيل الشهادات العليا. هنا تبرز أهمية مناقشة الموضوع ووضع الأسئلة المنهجية على الوزارة والوزير وعلى الجسم التعليمي وعلى الطلاب انفسهم كذلك على أولياء الأمور. فأيُ قرار يتعلق بمصير العام الدراسي والامتحانات الرسمية يجب أن يصدرَ بعد استمزاج الآراء وتقدير والمعطيات الأساسية ليبنى على الشئ مقتضاه.

فمن سمات التفكير الاستراتيجي السعي لتحقيق الأفضل والحد من الخسائر خصوصاً في الأوقات الحرجة وذلك من خلال تحديد الرؤى المستقبلية والتفكير المنظم لفتح الافاق، وإيجاد حلول إبداعية تكفلُ تحقيقَ الأهداف المطلوب تحقيقها. وهناك الكثير من الأمثلة التي تعطي صورةً واضحةً عما يمكن أن يحدث في حال تم التعامل مع المخاطر برعونة وتسرع الامر الذي يؤدي الى ضياع الفرض المتاحة وفي حال عدم وجودها فقد يؤدي التفكير الاستراتيجي الى خلقها وتكريسها. ونحن في لبنان وفي ظل الإمكانيات المحدودة أصبحنا في حاجة ماسة الى وضع الخطط الشاملة لتحقيق نتائج عظيمة بوسائل قليلة.

ومن غيرُ القطاعِ التربوي يحتاج لرعاية وتضافر الجهود كي نعبرَ هذه الازمة سالمين؟ التي قد تطيح بجهود المعلمين والطلاب وتكبد المدارس والاهل الخسائر المادية والمباشرة وفقدان المبادرة وخسارة الوقت الذي هو العنصر الاثمن في هذه الأوضاع الصعبة.

معالي الوزير لا يختلف اثنان على أنك صاحب خبرة نظرية وتطبيقية، وباعك طويل فأنت مرجعٌ في علم الإدارة العامة، لذا ومن باب المشاركة والتحفيز سنطرح جملة من الأفكار علها تساعد في القاء الضوء دون ادعاء ودون أن تلزم أحدا بها او بمضمونها.

فما يمكن التأكيد عليه هو خطورة الغاء العام الدراسي وإعطاء الافادات لما لهذا القرار من سلبيات واثمان خطيرة سيصعب تعويضها في المستقبل وهذا ما يجب أن تنصب عليه الجهود التنظيمية والابداعية للوصول الى حل علمي وعادل نحفظ من خلاله اجراء الامتحانات بعد تزويد الطلاب بالمعرفة المقررة في المنهج الرسمي، التي تمكنهم من اجتياز الاختبارات اخذين في الاعتبار الظروف التي سبقت الوباء والتي تتزامن معه.

ولا حاجة بنا للتذكير هنا أننا نتعامل مع طالبات وطلاب قد اثبتوا وعيا وطنيا بارزا من خلال مشاركتهم في فعاليات الثورة التي رفعت شعارات سياسية واقتصادية واخلاقية تهدف لبناء دولة الحق والمؤسسات، فهم ليسوا بعيدين عن منطق تكريس مبادئ الكفاءة والعدالة والمساواة، ما يشكل فرصة تساعد في اقناعهم بضرورة اجراء الامتحانات واهميتها في بناء ثقافة الجهد والمثابرة لبناء المستقبل.

واذا كان العام الدراسي يمكن تداركه لناحية المراحل التعليمية التي لا تخضع لامتحانات الشهادة الرسمية من خلال التعاون بين الوزارة والمدارس والاهل والطلاب انفسهم كما يحدث الان من خلال التعليم عن بعد الذي قد يساعد ويُبقي الجميع في أجواء التعلم والتعليم.

فقد ثبت علميا أن تجاهل أهمية الامتحانات كأداةٍ رصينة لتقويم شامل للعملية التربوية بدءاً من المناهج، الى الاسرة التعليمية وصولا الى قياس التحصيل العلمي للتلامذة. قد يؤدي ذلك الى فصل اعتباطي بين التعليم والتربية التي وصفها جون ستورات ميل بقوله: “إن التربية هي كل ما نفعله من اجل انفسنا وكل ما يفعله الاخرون من اجلنا حين تكون الغاية تقريب انفسنا من كمال طبيعتنا”.

من جهة أخرى يعرف لورنس جرونلند التقويم التربوي: بأنه عملية منهجية تحدد مدى ما تحقق من الأهداف التربوية من قبل التلامذة وانه يتضمن وصفا كميا وكيفيا بالإضافة الى الحكم على القيمة”.

فالتقويم اذا هو عملية منظمة لقياس إنجازات التلامذة والتي تضمن درجة مقبولة من الموثوقية، لذا يجب ان لا يغيب عن الواقع عند اتخاذ القرارات الحاسمة فيما يتعلق بمصير الامتحانات الرسمية أن صدق الامتحانات وشفافيتها تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في بناء الانسان المتكامل عقليا ومهاريا ووجدانيا واخلاقيا ما يؤكد على استحالة فصل التربية عن التعليم اذا رغبنا في بناء انسان الغد.

من هنا يمكن التفكير سويا وتقديم الاقتراحات العملية التي تضمنُ للطلاب التحصيل العلمي الكافي، وإمكانية الخضوع للاختبارات المقررة بعد إعادة النظر بالمنهجِ  للتقليل من مواده المقررة تسهيلا لهم وانطلاقا من الظروف التي مروا بها.

فمن ضمن الاقتراحات التي يمكن تقديمها: تمديد العام الدراسي، والتركيز على المواد الأساسية لكل فرع من فروع الشهادة الرسمية بحيث يتم على سبيل المثال للفروع العلمية الغاء المواد الأدبية والاستعاضة عنها بمسابقة ثقافة عامة في اللغتين تحفز الطالب وتشجعه على التركيز على المواد العلمية التي سوف تكون عماد تخصصه الجامعي، والامر نفسه ينطبق على الفروع الأخرى بحيث يصار الى الغاء المواد التي تعتبر ثانوية بالنسبة لهم.

اما بخصوص التباعد الاجتماعي ما بين الطلاب في قاعات الامتحانات، فهذا امر سهل  تحقيقه، كذلك  التعقيم  قبل الدخول والخروج من مراكز الامتحانات مع الزامية وضع الكمامات الطبية.

كذلك يمكن تغيير وقت الامتحانات ليصبح  في العصر بدلا من الصباح ليتيح ذلك استعمال الملاعب  تخفيفا للاكتظاظ داخل الصفوف.

فيا معالي الوزير لا تنصت لمن يطالبك بإلغاء العام الدراسي وإعطاء الافادات فهؤلاء غالباً ما يقولون ذلك من خلفيات انتخابية وغايات شعبية لا تلقي بالاً بالتربية والتعليم كقيمة مثلى وضرورة إنسانية بعيدة كل البعد عن ذلك التفكير المصلحي الآني الذي لا يهمه  شيء الا اهدافه الخاصة، فهؤلاء اول ما يجب أن تستبعدهم من خططك وتتجاهل اقوالهم، فساء ما يقولون.

*مجيد مطر: متخصص في استراتيجيات الإدارة العامة

Majid.matar12@gmail.com

عن mcg

شاهد أيضاً

أعمال الصيانة والترميم في ثانوية فضل المقدم الرسمية تبدأ غداً

بوابة التربية: أعلن المكتب الإعلامي في وزارة التربية والتعليم العالي، أن المتعهد المكلف تنفيذ أعمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *