أخبار عاجلة

نتائج لبنان في اختبار PISA بين الشكّ واليقين

بوابة التربية: كتبت رشا حالات*: في ظلّ هذه الأجواء الاقتصاديّة والسياسيّة المتردّية في لبنان، تطالعنا العديد من عناوين المقالات عبر المنصات الألكترونيّة ناعيةً نظامَنا التعليميّ من خلال تسليط الضوء على سوء أداء لبنان في اختبار (PISA) العالمي (Program for International Student Assessment)، وآخرها كان مقالاً نُشر نهار السبت 14/12/2019  في جريدة الأخبار تحت عنوان “التعليم في لبنان الأسوأ عربيّاً”، ويُظهر المقال تردّي مستوى لبنان عربياً وعالمياً وفقاً لأداء طلّابنا المشاركين في هذا الاختبار في المجالات الثلاثة المعتمَدة: القراءة، والرياضيات، والعلوم.

ولكن، قبل أن نتهافت على مشاركة هذه النتائج واستخدامها ورقةَ نعوةٍ لنظامنا التربوي، علينا النظر مليّاً في حقيقة اختبار (PISA) من حيث مضمونه، وأهدافه، وآلية التقييم المتّبعة من قِبل القيّمين عليه. فبالرغم من وجود الكثير من المآخذ على مناهجنا وسياستنا التربوية، إلا أنّ قبول نتائج هذا الاختبار دون طرح أي تساؤلاتٍ فيه الكثير من التجنّي والإجحاف بحقّ طلّابنا اللبنانيين ومستواهم، وذلك يخلق لديهم ولدى التربويين والأساتذة الكثير من الإحباط.

ومن هنا لا بد لنا من الوقوف على أمور عدة قبل الوصول إلى الخلاصة المرجوّة:

أولا: خلفيّة اختبار (PISA):

لقد وضع الباحثون اختبار (PISA) العام 1997 على أنه معيار عالمي لتقييم أداء الدول المشاركة، ومقارنة أداء الدول المشاركة والتي بلغ عددها 79 دولة، ومنها لبنان. وقد تم وضع معايير الاختبار من قبل جمعية OCED – Organization for Economic Cooperation and Development في فرنسا، ويتم إجراء الاختبار كل ثلاث سنوات لعدد يتراوح بين خمسمئة طالب وألف طالب حسب حجم الدولة، ولطلابٍ من  فئة عمرية محدّدة (خمس عشرة سنة)، يتم اختيارهم عشوائيّاً من حوالي خمسمئة مدرسة من البلدان المشاركة. ويركّز الاختبار على ثلاثة ميادين أساسيّة وهي: القراءة، والرياضيات، والعلوم، لمعرفة قدرة الطلاب على استخدام المهارات الأساسية في هذه المجالات.

ثانيا: أهداف اختبار (PISA) المزعومة من قبل الجمعيّة:

تمثّلت أهداف هذا الاختبار بالآتي:

– الإتفاق على وضع مفاهيم ومعايير موحدة بين الدول المشاركة، وصياغة أهداف تربويّة واضحة، والعمل على تطبيقها.

– إعداد الجيل الصاعد لمواجهة مصاعب المستقبل من خلال تعزيز قدراتهم على التحليل، والتعليل، وتنمية مهارات التذواصل لديهم.

– إعداد هذا الجيل للانخراط والمشاركة في المجتمعات الحديثة.

ومن خلال التركيز على هذه الأهداف، تم التسويق لاختبار(PISA) على أنه حاجة ماسة للدول التي تسعى إلى تحسين أدائها التعليمي، وإعادة النظر في سياستها التربوية.

ثالثاً: المآخذ على اختبار (PISA):

بعد البحث والتدقيق في حقيقة الاختبار، وفلسفته، وآليته، لا بد من التنبّه إلى المآخذ التالية، ومدى تأثير هذه المآخذ على تقبّلنا للنتائج:

– يعتبر هذا الاختبار وسيلة اقتصادية، ويتمّ استغلاله بالتواطؤ مع وسائل الإعلام لإلقاء اللوم على بعض الأنظمة التعليمية وإحباطها، حيث تضطرّ حينئذٍ للجوء إلى الجمعية المعنية (OCED) طلباً للمساعدة على النهوض بالنظام التعليمي في البلد الذي يعاني من مشاكل تربوية.

– إعداد الاختبار من قبل خبراء الغرب، وتحديداً أوروبا، من دون الأخذ بعين الاعتبار ثقافة البلدان المشاركة، وهذا يؤثر بشكل كبير على مضمون الاختبار ومدى ملاءمته لخلفيّة الطلاب الممتَحَنين الثقافيّة وخبراتهم وتجاربهم في الحياة. أضف إلى ذلك، فإن إعداد الاختبار من جهة واحدة يثير الكثير من التساؤلات حول المبدأ الذي بُنيَ عليه الاختبار، ومدى موضوعيته. ولا ننسى علامات الاستفهام الكثيرة حول فكرة كيفية تحديد قياس مهارات الطلاب بغضّ النظر عن أنظمة التعليم المعتَمدة في هذه البلدان، وأنظمة العيش فيها، والاختلافات الثقافيّة والسياسيّة والدينيّة والاقتصاديّة بين البلدان المشاركة، فعلى سبيل المثال معظم الطلاب اللبنانيين من الفئة العمريّة الممتَحَنة غالباً ما تنقصهم الخبرة المهنيّة مقارنةً بالطّلّاب الغربيين، وهذا يمكن أن يكون له تأثيرٌ كبيرٌ على أداء هؤلاء الطلاب، وفي هذا الأمر مظلوميةٌ في استخدام الاختبار أداةً موحدةً لتقييم مهارات هؤلاء الطلاب.

– إن إعداد اختبار (PISA) يجري بالتعاون مع  (Pearson) الناشر العالمي الفاعل في أكثر من سبعين بلداً لتسويق كتبه المدرسية في هذه البلدان، وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول تضارب المصالح  (Conflict of interest) والأهداف التجارية الكامنة وراء الاختبار.

– الكثير من مهارات القرن الواحد والعشرين التي تُعَدّ أساسيةً للنجاح في المستقبل غير مشمولة في الاختبار، مثل الإبداعيّة، وروح التعاون، وفنون التواصل، وفن تقصّي الحقائق …

– إعتراض أكثر من مئة من الخبراء الأكاديميين في وثيقة ”PISA Moratorium”، كون الاختبار يركّز على مهارات محدّدة، وقد تمّ تسليط الضوء من قبل هؤلاء الخبراء على الشوائب العديدة في هذا الاختبار من حيث المضمون والآلية.

– استخدام نوع أسئلة محدَّد في الاختبار، وهي “Multiple Choice” أي اختر الإجابة الصحيحة، وهذا النوع من التقييم يركز على الإجابة الصحيحة فقط مهملّاً طريقة التفكير المتّبعة من قبل الطالب للوصول إلى الإجابة، بالإضافة إلى ذلك فإن المنهج اللبناني والكثير من مدارسنا لا يعتمد هذا النوع من التقييم، مما يعني أن الطالب قد تتأثّر نتيجته لعدم درايته هذا النوع من التقييم، مما يحتّم النتيجة السلبيّة.

– اعتماد هذا الاختبار كغيره من الاختبارات المقَنَّنة (Standardized Test)  يشكّل ضغطاً على الكثير من المدارس والتربويين لتقليص المناهج وإهمال بعض المواد والمهارات الأساسية غير المُدرَجة في الامتحان، وهذا كلّه قد يشكل أثراً سلبياً على أداء المدارس والطلبة.

أخيراً، في ظل هذه المآخذ جميعها، لا بد لنا أن نتوقّف عند نتائج اختبار PISA حول أداء لبنان للعام 2018 في التقرير الذي تم نشره لاحقاً، والذي يضع لبنان في المرتبة 74 من أصل 77 دولة شاركت في الاختبار، إلا أنّ هذا لا يعني أن نتجاهل هذه النتائج كليّاً، ولكنه يعني أن لا نحكم على نظامنا بالفشل المطلق، بل يجب أن تُعدّ هذه النتائج دعوة للكثير من التربويين في لبنان، والذين لا تنقصهم الكفاءة أن يسعوا جميعاً إلى وضع معايير تربويةٍ تتلاءم وواقعنا وحضارتنا، وتعكس تطلعاتنا لمساعدة أجيالنا على المضيّ قدماً، عوضاً عن استيراد معايير لا تنسجم وواقعنا، فالجميع يعلم تفوّق اللبنانيين في بلاد الاغتراب، وريادتهم في العديد من المؤسسات التربوية في بلدان الخليج العربي وغيرها من البلدان التي حلّت في مراتب أعلى من مرتبة لبنان في هذا الاختبار، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على عدم فقدان الأمل بنظامنا التربوي وقدرات طلّابنا.

*أستاذة جامعية متخصصة باللغة بالانكليزية

عن mcg

شاهد أيضاً

أعمال الصيانة والترميم في ثانوية فضل المقدم الرسمية تبدأ غداً

بوابة التربية: أعلن المكتب الإعلامي في وزارة التربية والتعليم العالي، أن المتعهد المكلف تنفيذ أعمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *