أخبار عاجلة

نموذج الاقتصاد المعرفي في ظل تحديات المملكة العربية السعودية

البروفسيرة: ماغي حسن عبيد\ لبنانية*

بوابة التربية- خاص:       يواصل الإنسان المعاصر نظام نجاحه وإخفاقه في صيرورة غير متوازنة، وغير مضمونة النتائج، ساعياً بذلك إلى فتح آفاق لواقعه المادي كموضوع للوجود، ولالتزامه في المجتمع والتاريخ من زاوية الوعي، وتجدده للوصول إلى الماهية التي تحقق وجوده المشروع، ولعل الهدف من ذلك اختيار معنى وجودي أصيل للبقاء فيه، محاولاً القضاء على القلق والجهل، الإلحاد والإرهاب كرموز لعدمية لا تنتهي. هناك استنتاج يتضمن في ذاته سؤالاً يبدو مجرد تساؤل أي عالم لأي إنسان؟

العالم محكوم بالتغير هذا ما آمن به هيغل Hegel صيرورة التاريخ وحركيته، والتي هي في النهاية تأليه لصنع البشر المتجلي عبر صيرورة التاريخ في مختلف المظاهر الثقافية، وليس كما رأى أفلاطون فيه عالم الجواهر الثابتة، وبالمعنى اللغوي لكلمة تغيّر التي قد تحدث كماً كبيراً، في فترة زمنية صغيرة فتكون سرعتها عالية وكبيرة كما هو الحال في عصرنا الذي يشهد صراعاً بين نموذجين يتواجهان: فاعل بشري يشارك ويشرع العولمة والعلم، وشعوب تخشى وتخاف التغيير، ومواجهة التحديات لكنها لا تشكل عائقاً لأنها لا تساهم في صناعة القرار.

لعل التكنولوجيا وأزمة الإيديولوجيا هما أساس ورأس مال القرن الحادي والعشرين، إذ إن التكنولوجيا تضع المهارات والمعارف في متناول الجميع، وهي قابلة للإضافة والنمو مما يؤمن لها تفوقها الاستراتيجي المستدام، في حين أن الإيديولوجيا تتحرك مدفوعة بالوسائط الإلكترونية لتدعم المناحي السياسية، الاجتماعية والحقوقية التي لا غنى عنها لقيام الدول واضمحلالها، وعندما تفترق التكنولوجيا عن الإيديولوجيا، وتتخذ كل منهما اتجاهاً معارضاً يصبح كيان الدولة مهدداً بالانهيار. فالتكنولوجيا وسيلة وليست فكراً أو عقيدة والتزاماً يلغي الهوية والانتماء، والايديولوجيا فكر يسعى لأن يتحقق ويحكم باستخدام التكنولوجيا، فتكتمل الأدوار عند التلاقي بينهما، الفكر والعقيدة، الوسيلة والآداء، فتتحقق الأهداف وإلا إن حصل الطلاق بينهما فالإرهاب والقتل والدمار هو سيد الموقف.

إنه الزمن التصاعدي لا الدائري الأزلي، زمن يسير بسرعة الضوء، ويركز على عيش اللحظة وإغفال الماضي وصناعة المستقبل، وها نحن ندخل مع تقنية المعلومات في عصر جديد: عصر الحاسوب بلغة توفلرTovler (وهو ممن صاغوا اقتصاد الصين الحديثة)، والعصر السمعي والبصري بلغة دوبريهDoprey( وهو من أطلق لفظ الميديولجيا)، والعصر العددي بلغة بيل غيتسBill Gates (مهندس طرقات الإعلام السريع). هذا المشهد المرئي يحاول أن يضع جانباً المرجعيات الغيبية الثلاث : الله_العقل_التاريخ، وكأن التاريخ البشري يكتب نهاية إنسان المثل العليا والأفكار المجردة، إنه ” عصر الوصول” كما يسميه جيريمي ريفكين Jeremy Rifkin(1) الذي سيفتقد إلى التنوع الثقافي الثرّ، وسيدمر ما تبقى من التنوع البيولوجي لدينا، إذ إنه ليس من السهل جمع الثقافة والتجارة في بيئة متوازنة، وسيكون الجيل المعاصر مدعواً لإقامة توازن صحيح بين اقتصاد الطبيعة واقتصاد الإنسان.

وبما أن التغيير حتمي في المجتمعات الانسانية، وبما أن كيفيته تثبت بأنه لا يمكن السيطرة عليه، لا بحكومة عالمية في المستقبل تمتلك القوة المطلقة والهيمنة على العالم، إذ إن جورج أورويلGeorges Orwell كان قد أكد في كتابه المعنون ” 1984″ عجز الولايات المتحدة عن السيطرة على التغيير، فهي قد تسيطر على سلوك وأفعال، وربما طريقة تفكير البشر، لكنها ستعجز عن السيطرة على الطبيعة بشموليتها وعمقها وتأثيراتها على الحياة الإنسانية. ولعل ناتانيال هاوثورن Nathaniel Hawthorne كان قد تنبأ منذ العام 1851 بشكل العالم الذي ستوجده الكهرباء قائلاً :” هل هي حقيقة… أن الكرة الأرضية المدورة هي رأس واسع جداً أو دماغ أو حاسة مع ذكاء! أو لنقل إنها ذاتها فكرة وليست إلا فكرة ولم تعد الجوهر الذي اعتبرناه سابقاً.”(2). والسؤال الذي يُطرح هل نحن اليوم في عصر العولمة حيث يزدهر ” حديث النهايات “(3)، الذي يتشكل بتأثير من قوى فكرية وسياسية ومجتمعية تتجاوز عصر الحداثة، إلى ما بعد الحداثة، أي عصر قطف ثمار الحداثة إن من حيث إدارة العالم أو الأشياء. وهو في ذلك يقارب موسى نعيمMoises Naim الذي يؤكد على نهاية عصر القوة(4)The End Of Power حيث موازين القوى تحولت عما كانت عليه في السابق، ففي حين أنها كانت محصورة في السلطة ومؤسساتها التي انتشرت بسبب البنوك والشركات الضخمة، مع ما رافق ذلك من مؤسسات إعلامية وشبكات تواصل اجتماعي، مرجعاً السبب إلى تغيّر في القوة، وبالتالي إلى وجه جديد للعالم، وإلى تزايد الطلب على كل شيء ووفرته، من أسلحة وأدوية، هواتف وسلع، كذلك سهولة انتشار الأفكار والأخبار والناس، ومن ثم التسارع في التغييرات الجذرية لعقليات الناس التي أصبحت تفضل التغيير. والقوة يسهل الحصول عليها، يصعب استخدامها بشكل جيد، ويسهل خسارتها، ويبدو بأن مفهوم القوة في هذا العالم الجديد لا أحد يملك مفاتيحه، وكأنه نهاية عصر القوة، وبداية عصر يخلق من الضعف قوة، راسماً إنجازات قد تكون أكثر من متوقعة. ومع بداية الألفية الجديدة بدأ بالتشكل ما يُعرف بنمط جديد من الاقتصاد القائم على المعرفة في الدول المتقدمة، والدول النامية الصاعدة على المستوى العالمي، مع العلم بأن المعرفة ليست بطارئة أو مستجدة على الحياة الإقتصادية، لكن الجديد يكمن في تأثيرها المتعاظم على الحياة الانسانية بشكل عام، وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي بشكل خاص، وهذا ما حصل بناء على الخطط الوطنية المتكاملة، والتي تنضوي على برامج زمنية معينة، وأهداف محددة كانت قد وضعتها تلك الدول بغية ردم الفجوة المعرفية منذ الربع الأخير من القرن الماضي.

تواجه العديد من المجتمعات وبخاصة العربية تحديات كبيرة في جهودها التنموية المؤسسة على نماذج الحوكمة الفعالة والمتكاملة بهدف ترجمة جميع الرؤى إلى برامج تنفيذية متعددة، تحقق الأهداف الاستراتيجية والتوجهات العامة للرؤى، حيث تعتمد تلك البرامج على آليات عمل تتسق ومتطلبات الأهداف الوطنية المشتركة، وتتمثل أهم التحديات في كيفية استثمار الإمكانات والطاقات البشرية الهائلة المتواجدة في الدول العربية، وعلى مختلف الصعد والمستويات، على أن يكون هذا الإستثمار رشيداً يزيد من المردود الاقتصادي والاجتماعي لهذا الإستثمار عبر توظيف الموارد الإقتصادية بكفاءة عالية، بخاصة في عصر العولمة والسرعة، حيث تتطور وتتغير ملامح الموارد الاقتصادية التي انحصرت في الأرض ورأس المال والعمل، إذ إن التغير وإن كان في شكل وصورة هذه الموارد إلا أن ظهور مزايا وآفاق جديدة لقوة العمل ورأس المال بسبب بروز العولمة وتطور مفاهيمها وصولاً إلى اقتصاد المعرفة، ففي نهاية القرن العشرين، ونتيجة للتطورات المتسارعة في العلم والتكنولوجيا، تحقق نوع من التراكم المعرفي حصلت عليه أغلبية الدول المتقدمة، وكان قد واكب وارتبط بهذا التراكم أو تولد وانبثق عنه تطوران مهمان: تمثل الأول في التراكم الرأسمالي، والثاني في تسارع التقدم العلمي والتكنولوجي وتجسد في ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وعن هذا الواقع المتداخل والمتشابك بين مجموعة من العمليات والظواهر، تولدت مفاهيم للتعبير عنها منها: اقتصاد المعرفة، الإقتصاد المبني على المعرفة، الإقتصاد الجديد، رأس المال البشري، الإقتصاد ما بعد الصناعي، الإقتصاد الرمزي، اقتصاد المعلومات، التكنولوجيا الرقمية، الفجوة الرقمية، ثقافة المعلومات أو الثقافة المعلوماتية، التجارة الرقمية والذكاء الاصطناعي. ولعل المقصود من اقتصاد المعرفة هو الكفيل بتوضيح وشرح معناه على اعتبار أنه الاقتصاد الذي تحقق فيه المعرفة الجزء الأكبر من القيمة المعرفية المضافة، حيث أن المعرفة تشكل مكوناً أساسياً من مكونات العملية الانتاجية، كذلك في التسويق الذي يزداد طردياً بزيادة هذا المكون، كما أنه لا يمكن إغفال تكنولوجيا المعلومات والاتصال باعتبارها منصة الانطلاق لاقتصاد المعرفة. ولعل التوجه العام المعاصر للعلماء والباحثين ينحو باتجاه اعتبار المعرفة ذات قيمة، على اعتبار أنها العنصر الرئيسي من بين عناصر الانتاج الذي يسلط الضوء على جانب آخر من المعرفة يتعلق بكيفية إدارتها، وتحاول هذه الورقة البحثية سبر أغوار واقع الاقتصاد المعرفي في المملكة العربية السعودية من خلال تحليل طبيعة البناء المعرفي في ضوء البحوث النظرية والعملية، والرؤى لتحديد الاستراتيجيات الملائمة لاكتساب المعرفة وتراكمها بما يفضي إلى تحقيق التقدم المرتجى، وستتمحور هذه الورقة البحثية حول مباحث ثلاثة :

          أولاً_أزمة مصطلح وأفهوم: ويتضمن شرحاً لأفهوم الاقتصاد المعرفي، وأهميته، وركائزه (الابتكار، خارج المربع أو الصندوق، البنية التحتية والحاكمية الرشيدة).

         ثانياً: الاقتصاد المعرفي في ظل التخطيط السعودي: وفيه عرض للخطط التي اعتمدتها المملكة (الخطة الثامنة 2005_2008)، التاسعة (2010_2014) الإصلاحية (2016-2030).

        ثالثاً: التعليم العالي السعودي في ظل الاقتصاد المعرفي وتحديات المستقبل ومعوقاته: (التوسع في إنشاء الجامعات، العملية التعليمية، أعضاء هيئة التدريس، الطلاب، البحث العلمي، تنويع مصادر التمويل، برنامج تقنية النانو، برنامج تقاسم المعرفة)، أما تحديات المستقبل فتتمثل : 1_(كيف السبيل إلى اقتصاد عصري متنوع للهيكل الاقتصادي، يتمتع بقوة دفع ذاتية، ويتميز بعلاقات تجارية متبادلة مع العالم الخارجي؟)، 2_ البطالة ومتوسط معدلات النمو في الانتاجية الكلية في المملكة أثبتت سلبيتها، في ظل تدني الانتاجية وعجز سياسات التوطين.

الخاتمة: وتتضمن خلاصات معرفية واستنتاجات عامة وتوصيات تفتح الآفاق على الرهانات المستقبلية.

ويمكن صياغة الإشكالية على النحو الآتي: هل بإمكان الاقتصاد المعرفي من أن يساهم في تكوين المحتوى المعرفي المناسب لتحقيق التنمية الشاملة الإقتصادية والإجتماعية التي تمكِّن المملكة من أن تلعب دوراً بارزاً في المساهمة العلمية وبالتالي اللحاق بالمسيرة التكنولوجية المعاصرة؟ كيف لها أن تواجه التحديات في مواجهة القضايا التنموية من جهة ومشاركتها الإقليمية والدولية من جهة أخرى؟ وكيف لها أن تساهم في تحقيق المواءَمة والتوافق في ما بين التكنولوجيا والإيديولوجيا السائدة في المملكة؟ وهل من الممكن الوصول إلى اقتصاد معرفي بصناعة عربية فنتخلص من وهم التحدث بلغة الآخر، ونساهم عبر تواصلنا الأكاديمي الفاعل من أن ننهض بالنظم التربوية والسياسية التي تحكم بلادنا العربية، وتحولها من ضعف إلى إمكانية، فنكون نحن كما نريد اقتصادنا لا كما يريدنا الآخر باقتصاده هو، منطلقين مما نحن عليه اليوم، وساعين إلى حل لأزماتنا الراهنة والمستقبلية؟.

         مسوغات البحث: تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على التحديات والمعوقات والصعوبات التي تواجهها المملكة على صعيد الانتاج المعرفي في ظل التطورات التكنولوجية العالمية المتسارعة جداً، ساعيةً بذلك إلى تحديد التصورات التي يمكن أن تكون عليها متطلبات التحول نحو الاقتصاد المعرفي في المملكة، والتي تُعتبر ذات اقتصاد لم يبلغ بعد مرحلة الكفاية في بناء المعرفة، وما هي الكيفية التي يتمكن من خلالها اقتصاد المملكة من تكوين المحتوى المعرفي المناسب لاستيعاب التطور التكنولوجي؟

لجأت في هذه الورقة البحثية إلى المنهج الوصفي في تصوير واقع الإقتصاد العربي المعاصر، وبخاصة ما تعانيه المملكة من تحديات ومعوقات، ومن ثم استندت إلى المنهج المقارن لإظهار التطورات الحاصلة في الاستراتيجات التعليمية والتربوية في المملكة، لا سيما بعد اطلاعها على التجربة الكورية، ويبقى للمنهج التحليلي البرهاني الأثر الكبير في معالجة الفرضيات التي سأنطلق منها للإجابة على الإشكالية التي يطرحها هذا الموضوع، ولعل أهم ما في هذه الورقة البحثية أنها محاولة أولية في قراءة الاقتصاد المعرفي وكيفية صناعته في المملكة في ظل تحديات التطور التكنولوجي المتسارع؟ وهل يمكن الوصول فعلياً إلى صناعة اقتصاد معرفي عربي الهوية والانتماء بعيداً عن تأثيرات الخارج، وتبعات العولمة والقطب الوحيد في العالم؟. وما هي مندرجات الآليات التي تؤهل المملكة والعالم العربي للقيام بصناعة عربية بحتة؟.

أولاً: أزمة مصطلح وأفهوم: يشير أفهوم المعرفة إلى الفهم والوعي وحسن الإطلاع المستحصل عليه نتيجة الدراسة والبحث، ومن خلال الملاحظة والخبرة عبر الزمن، وكانت المعرفة ولم تزل ثروة دائمة الأثر والتطوير، ثروة لا تنضب طالما أن العقل البشري قادر على التطوير والإبتكار، وهذا ما يجعلها عاملاً فعالاً في بناء اقتصاد الدول لما تضفيه من قيم للمنتجات الاقتصادية التي تخضع للتطوير، وبالتالي فإنتاج الثروة يتمركز حول قدرة العقول في ابتكارها وتجديدها، تحسينها واستثمارها، وهذا ما يترتب عليه ظهور مصطلح اقتصاد المعرفة الذي يستند إلى المعرفة كمحرك أساسي للنمو الإقتصادي لذا :” إن مفهوم المعرفة ليس بالأمر الجديد بالطبع، فقد رافقت المعرفة الإنسان منذ أن تفتح وعيه، وارتقت معه من مستوياته البدائية مرافقة لاتساع مداركه وتعمقها حتى وصلت إلى ذراها الحالية، حيث تمكن بفضل الحواس التي وُهبت له من إدراكها، غير أن الجديد اليوم هو حجم تأثير المعرفة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية وفي نمط حياة الإنسان عموماً، وذلك بفضل الثورة العلمية التكنولوجية، فقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين أعظم تغير في حياة البشرية هو التحول الثالث بعد ظهور الزراعة والصناعة، وتمثل بثورة العلوم الفائقة التطور في المجالات الإلكترونية والنووية والفيزيائية والبيولوجية والفضائية.”(5)

إنما بالنسبة لمنظمات الأعمال فتتخذ المعرفة بعداً آخر يتمثل في ما يعرفه أعضاء التنظيم عن العملاء، والمنافسين، والموردين، والعمليات، والمنتجات، والنجاح والفشل. وتراكم المعرفة المنظمية يمكّن المنظمات من بلوغ مستويات عميقة من الفهم والإدراك، بما يؤهلها إلى الذكاء والفطنة في الأعمال، وذهب الإقتصاديون والبحاثة في الإدارة الاستراتيجية، وعلماء السلوك التنظيمي إلى أن المعرفة في إطارها العام تعتمد على التعلم الضمني والصريح، والتفكير المتكامل القائم على أساس المعلومات المستنتجة من بيانات تمّ الحصول عليها من مصادر متعددة لهذا، يمكن النظر إليها كسلسلة مترابطة ومتكاملة من المراحل، تبدأ بالبيانات، ومن ثم بالمعلومات، يليها التحقق، فالتأمل، فالتفكر، وصولاً إلى الحكمة التي يُنظر إليها على أنها قمة المعرفة. وهي على أنواع: ويمكن أن تنقسم المعرفة إلى نوعين وبحسب الفيلسوف الألماني كنط Emmanuel Kant هي: إما نظرية: قائمة على جمع وتفسير الحقائق بغية الوصول إلى مبادئ ونظريات علمية يمكن التثبت من صحتها ببراهين عقلية وفلسفية. أوعملية تطبيقية: وهي تتطور بفعل التجارب العلمية والحقائق المطلقة، والخبرات العملية الممارسة، بغية الوصول إلى حقائق يتم التثبت من صحتها بشكل دقيق.

ومع تطور علم الإدارة، وبالإعتماد على الأساليب الإحصائية والكمية كأدوات لتحليل الكثير من الظواهر التي نتج عنها بيانات بغية خدمة منظمات الأعمال، وتراكمت لدى هذه المنظمات معرفة تطبيقية من نوع آخر جعلتها تتبارى في تجسيدها في خدماتها ومنتجاتها تمثل إبداعات في بيئة تنافسية مفتوحة.

أ_مفهوم الإقتصاد المعرفي:Knowledge-economyقبل تعريف أفهوم الاقتصاد المعرفي لا بد بداية من أن نميز بينه وبين عدة مصطلحات أخرى قد تتشابك معه وتتداخل من قبيل “إقتصاد المعلومات”، والذي ينشغل بطبيعة القرارات المبنية على المعلومات(6) حيث أن الناحية الاقتصادية في المعلومات تتمثل في الكشف عنها وحمايتها، في حين أن الناحية الاقتصادية في المعرفة فتتمثل في إنتاجها، وفي أنشطة التعليم والتدريس والتعلم الملحقة بها، وإنتاج المعرفة يُعد نشاطاً تلقائياً يتبع نشاطاً آخر، وبالتالي هو لا يتصف بصفة التعمد إلا عندما يصبح نتيجة للبحث العلمي، والذي هو في أساسه نشاط متعمد، يهدف إلى زيادة المخزون المعرفي، على عكس النشاط الاقتصادي الذي لا يمكن أن يحصل إلا بطريقة متعمدة ومقصودة(7). وبحسب هابرماس يحدد العقلانية بالقول:” لا تهتم كثيراً بامتلاك المعرفة بقدر ما تهتم بالطريقة التي تستخدم بها الذوات القادرة على الكلام والفعل هذه المعرفة وكيف تعمل على تطبيقها.”(8)

يوجد العديد من الآداب في الاقتصاد المعرفي، في الحقل المعرفي، في الإدارة والتنظيم، وفي المعلومات لهذا يعرفه بعض المفكرين بالقول :” نحن نعرف الإقتصاد المعرفي بالإنتاج والخدمات المؤسسة على النشاطات المدعمة بالمعارف، والتي تساهم في تسريع وتيرة إيقاع التقدم التقني والعلمي، فضلاً عن الغائها السريع، فالعامل المفتاح لاقتصاد المعرفة، والاستخدام الأكثر أهمية يكمن في القدرات العقلية، وفي المدخلات الفيزيائية وفي المصادر الطبيعية.”(9). من هنا، نرى بأن الاقتصاد المعرفي يتأسس ليس فقط على التبادل المجرد، وشبكات التواصل، إنما أيضاً، على مجموعة عمليات الإنتاج والتحول الذي يتداخل مع المعلومات والمعارف، إضافة إلى أن الحقل المعرفي الذي يبحر فيه من يكشف عن أبعاد واسعة، وآفاق النشاطات الإنسانية الحالية ( أتمتة الإنتاج وتدفق شبكات المعلوماتية…)، ويبقى السؤال ما هو الإقتصاد المعرفي؟ ومن هم المشتغلون به؟ إنه الإقتصاد الذي يلامس النشاطات الإنتاجية، ويذهب البعض الآخر من المفكرين إلى أن فكرته تتمحور حول النظر إليه على أنه المعرفة كعامل إنتاج، وهي مدعوة لأن تلعب دوراً تنموياً في الإقتصاد، وبالتالي التأثير على المؤهلات التعليمية، التنظيم والإبتكار(10). والصيغة لهذه الطريقة التي لا تتأثر لا بقطاع خاص من الأنشطة الإقتصادية، ولا بمرحلة من مراحل نموه، الإقتصاد المعرفي هو باختصار طريقة لتصميم النشاط الإنتاجي، المحفز بأمر تعظيم المزايا النسبية.

ويرى فريق ثالث فيه نوعاً من الخصخصة الإنتاجية التي تمارس في السلم العالمي، لأن التبادل الحالي معولم، إذ إنه وقبل كل شيء، هو هدف سياسي، اقتصادي وطني، وما فوق الوطني في البلدان الغربية، يهدف من جملة ما يهدف إلى تطبيق النظرية الإقتصادية بحسناتها المقارنة، في نظام التبادل الحر، حيث كل دولة لها المصلحة التخصص في الأنشطة الإنتاجية، والتي من خلالها تحصل على فوائد أفضل  الأنشطة التي بها يتم الحصول على القيمة المضافة، لهذا تجدهم يذهبون إلى تعريفه بطريقة مختصرة باعتباره نشاط معالجة المعلومات، والمشتغلين به، على أنهم في الأساس، أولئك المعلوماتيين واستشاريي المعلومات، والبعض من المعارضين يعرفونه في تحليل تطوري بكونه اقتصاد صناعي(11). في الواقع، وفي ظل الإنتشار التكنولوجي والمعلوماتي، وفي كل المشاريع التي تلامس هذا الموضوع، وهي إما إنتاجية، وإما استخداماتية، وبالتالي فاقتصاد المعرفة هو بحده الأدنى يسمح في سياق نمذجة التنظيم المرن، إضافة إلى ذلك، فإن العاملين به هم المفاتيح الذين إما ينتمون إلى قلب الأنشطة في الإقتصاد المعرفي، أو بكونهم مشاريع أدوات نمذجة تنظيم مسموح بها في تكنولوجيا المعلومات.

وبالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للإقتصاد المعرفي هو نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاية في جميع مجالات النشاط المجتمعي الإقتصادي، والمجتمع المدني، والسياسة، والحياة الخاصة، وصولاً لرقي الحياة الإنسانية باطراد.

ب_ الإقتصاد المبني على المعرفة:  Knowledge-based economy و يعدّ  أبرز سمات القرن الحادي والعشرين حيث التعليم يُعد بمثابة المفتاح للدخول لعصر المعرفة لما يحدثه من تنمية في رأس المال البشري، وهو يُعتبر مرحلة متقدمة من مراحل الاقتصاد المعرفي، ينبثق من إدراك مكانة المعرفة والتكنولوجية وبالتالي العمل على تطبيقها في الأنشطة الإنتاجية، ويعتمد على تطبيق الإقتصاد المعرفي في “المجتمع المعلوماتي” (12)، بمعنى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة والمتنوعة.

        ج_ أهمية الاقتصاد المعرفي: وتكمن في ارتفاع نسبة مساهمة عناصره في القيمة المضافة للمشروع أو المنظمة والدولة، ويمكن عرض أهميته على النحو الآتي:

1-القدرة على تحقيق النمو المتسارع في الاقتصاد. 2-ارتفاع قيمة الأصول غير الملموسة

3-تكوين أسواق مالية تتاجر في الأصول المعرفية. 4-تقليل التكلفة وزيادة العائد

5-خفض الأسعار. 6-زيادة مساهمة عناصر العمل في تحقيق الدخل

         د-ركائز الاقتصاد المعرفي: يقوم الاقتصاد المعرفي على ركائز أربع: 1-الإبتكار:خاصية ذهنية تمكّن الفرد من التفكير بطرق غير تقليدية. 2-خارج المربع أو الصندوق: وتؤدي هذه الخاصية إلى ابتكار أو استخدام أساليب غير عادية، ومغايرة أثناء التعامل مع مهمة أو قضية. وينتج عنها إذا ما استخدمت بفعالية القضايا الآتية: أ-توليد شيء جديد غير مسبوق على الإطلاق، إذ قد يكون هذا المنتج نادر الحدوث إلا في حالات الإبداع العالي. ب-توحيد أو ربط ودمج مجموعة أفكار متباعدة أو غير متباعدة بطريقة جديدة وغير مألوفة.ج- إظهار أو إيجاد استخدامات جديدة غير متداولة أو متعارف عليها لفكرة أو لمنتج ما. د-نقل الأفكار المتداولة أو الموجودة إلى مستفيدين أو أشخاص جدد. ه-التعليم: وينظر إليه على أنه من الاحتياجات الأساسية الإنتاجية والتنافسية الإقتصادية لما يقدمه للمجتمع من الأيدي العاملة الماهرة والمبدعة(رأس المال البشري القادر على دمج التكنولوجيا الحديثة في العمل)، إضافة إلى المهارات الإبداعية التي تتيحها برامج التعليم.

3-بنية تحتية قائمة على تكنولوجيا المعلومات والإتصالات: بغية تسهيل ونشر المعلومات والمعارف وتكييفها مع الإحتياجات المحلية، ودعم النشاط الاقتصادي وتحفيز المشاريع على إنتاج قيم مضافة عالية.

4_الحاكمية الرشيدة: وهي تقوم على أسس اقتصادية قوية، وتوفر كل الأطر التشريعية والسياسية الهادفة إلى زيادة النمو والإنتاجية بما يجعل تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات أكثر يسراً وإتاحة، ساعية إلى تخفيض  التعريفات الجمركية على منتجات التكنولوجيا بهدف زيادة القدرة التنافسية للمؤسسات.

         ثانياً: الإقتصاد المعرفي في ظل التخطيط السعودي: لعله من الأهمية بمكان التعرف على تجربة  المملكة العربية السعودية، وتحولها نحو الاقتصاد المعرفي، بغية تفهمها والعمل في ضوئها ووضعها في الإعتبار وتبيان إن كانت تصلح لأن تشكل نموذجاً يمكن الإقتداء به.

تُشكل المملكة العربية السعودية القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية، لما تشغله من مساحة تُقدر بأكثر من مليوني 2000000 كلم2، وهو ما يمثل قرابة 70% من مساحة شبه الجزيرة العربية، ويبلغ عدد سكانها الأصليين حوالي33,413,660 مليون (الهيئة العامة للإحصاء، إبريل 2019).ومعدل نموها السكاني ينمو بمعدل 2.62% سنوياً، ويُعد هذا المعدل من المعدلات المرتفعة في العالم(13)” الكتاب الإحصائي2010″.

وتبلغ نسبة من هم أقل من 20 عاماً من الذكور والإناث حوالي 50% من مجمل عدد السكان، وترى فيهم المملكة المستقبل لذا، تخطط لتأهيلهم علميا بغية إدخالهم إلى سوق العمل.

يتميز الإقتصاد السعودي بكونه أقوى اقتصاد في المنطقة، حيث أن المملكة تُعد أكبر دولة مصدرة للنفط على مستوى العالم، وتساهم الحصيلة البترولية للصادرات السعودية بنحو 58,01% من جملة الإيراد الحكومي، والبترول يشكل ما نسبته 86,03% من مجمل الصادرات السعودية. ومن المعلوم بأن الإقتصاد السعودي في تخطيطه كان قد استند وبشكل كبير على الإيرادات البترولية لفترة قاربت الأربعين عاماً (1970-2010) وفقاً لإحصائيات 2010. لهذا عمد قياديوها إلى توظيف هذه الظروف المؤاتية، وتنويع مصادر اقتصادها، والنزوع نحو الإقتصاد المعرفي ودعمه، بقصد بناء مجتمع قادر على إنتاج المعرفة، ونشرها، وتوظيفها بكفاءة عالية في كافة قطاعات المجتمع وبخاصة في ظل النمو المتزايد للسكان، مع ما يتطلبه من توفير للخدمات المناسبة له.

بدأت المملكة العربية السعودية بالتحول نحو اقتصاد المعرفة منذ بداية خطتها الثامنة (2005-2008)، وسرّعت خطواتها العملانية، وجهودها لتحقيق الاستثمار المعرفي بكونه خياراً استراتيجياً نحو التنمية المستدامة التي تعتمد على التكنولوجيا والإبداع.

  وأتت خطة التنمية التاسعة (2010-2014)، وتم التركيز فيها على قطاع التعليم بشكل خاص مؤكدة في بيانها التوجه نحو الإقتصاد المبني على المعرفة وتعزيز مقومات مجتمع المعرفة.

         وعملت على تحقيق أهداف خطتها التنموية من خلال: الإستفادة من خبرات الدول التي حققت نجاحاً في الاقتصاد المعرفي، ومن أهم هذه كوريا الجنوبية التي عقدت معها شراكة تعاون.والتنسيق بين قطاعات وزارة التعليم العالي وقطاعات المجتمع الأخرى بهدف الحصول على معلومات ملائمة حول مخرجات العملية التعليمية لمتطلبات سوق العمل.

 برنامج 2016-2030 الإصلاحي: وهنا بدا التساؤل واضحاً هل هو إصلاح أم فوضى اقتصادية؟ حيث أن المملكة أطلقت برنامجاً إصلاحياً وطموحاً يسمح للسعودية بتنويع اقتصادها والخروج من تبعيتها للبترول، والقيام بقفزة نوعية في اقتصاد القرن الواحد والعشرين. على اعتبار أن العولمة الاقتصادية، والقدرة التنافسية للأسواق، والاقتصاد المعرفي، وانتشار التكنولوجيات الحديثة في التواصل والمعلومات كلها عوامل تدفع باتجاه التغيير في المملكة العربية السعودية، والتي استقر اقتصادها على مصدر واحد منذ اكتشاف البترول في العام 1938، والنقاش حول تنوع المصادر ليس حديثاً، بل يرجع إلى العام 1970 مع المخطط الأول للنمو التطوري للتنمية المتقدمة من قبل الحكومة السعودية في ذلك الوقت، وتشمل مشاريع عشرة موجهة لوضع نهاية للتبعية المفرطة للبترول في الرياض، وشهدت المملكة بعد هذا التاريخ مخططات عدة كانت قد أطلقتها، لكنها في الوقت عينه هي تعاني من ضرائب كلية، باستثناء بعض البنى التحتية الصناعية، والمرافق في القطاعات البتروكيميائية، من البلاستيك ومن تجهيز الأغذية.

إن رؤية 2030 برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل القوي في المملكة، والمؤيد بالعديد من السلطات والمسؤوليات، والذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس مجلس الإدارة التنمية الإقتصادية، وهي تهدف إلى البحث عن تنوع في الإقتصاد السعودي المؤسس على النفط، والمنتج لأكثر من 7 ملايين برميل في اليوم، وترتكز رؤية ولي العهد بن سلمان على دعائم ثلاث: 1_: خلق صندوق سيادي بحوالي 2000مليار دولار للتغلب على المشاكل والأزمات الموجودة، إذ إن الدولة تبيع 5% من أسهم أرامكو أكبر شركة بترولية. 2_: خصخصة المؤسسات العامة، والتوظيف المفضل يتطلب طرد العمال الأجانب، وتخفيضات الوظائف في القطاعات.  3_: تعزيز قطاع التعليم من خلال السياحة، وخلق مشاريع ضخمة مثل المدينة المستقبلية نيومNeom والتي تتضمن السياحة، الزراعة، الصناعات الرقمية والتكنولوجيات الحديثة بتكلفة 500 مليون دولار. يبحث هذا البرنامج عن إمكانية استيعاب وبفترة أقل من 30 سنة معدل البطالة المرتفعة بما يقرب من 70% من السكان، وذلك من خلال تشجيع المنافسة في القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية والمباشرة، وبالنظر إلى أن القطاع الخاص سيزيد مساهمته في PIB حتى 65% بحلول 2030(14).

يتوقع صندوق النقد الدولي  FMIمعدل النمو سيزداد وسيسجل مستواه الأكثر انخفاضاً في العام 2017 بفضل انخفاض أسعار البترول في المملكة العربية السعودية، حسب تقرير FMIسيكون النمو الافتصادي ضعيفاً، عند هذه النقطة سيضعف الاقتصاد بسبب انخفاض الأسعار، وفي الوقت الحالي، إن رؤية 2030 ستصادف صعوبات عدة:

ستكون المملكة العربية السعودية في حالة ركود اقتصادي في العام 2017 بسبب العجز في الميزانية المتجاوز 53 مليار دولار، إذا ما كانت الشيكات المستردة من الأمراء المسجونين، بالتأكيد ستحمل هذه الشيكات دعماً لا يستهان به لميزانية السعودية. هذا التطهير المتمثل في توقيف الأمير الوليد بن طلال وهو الأكثر غنى في العالم العربي بثروته التي تتجاوز 18 مليار دولار، هذا الحدث لم يعد يطمئن المستثمرين والمشاريع الأجنبية الغربية.

أعلنت المملكة أن هذا النوع من القرارات يقع في خانة مكافحة الفساد وتواطؤ الرأسمالية، وسيجعل تصنيفها في المرتبة 62 من حيث الشفافية، والمرتبة 94 في تصنيف القائم بتحرير الأعمال في البنك المركزي. أضف إلى ذلك، إن في توقيف الأمراء ورجال الأعمال أبعاد وأهداف أخرى، كتحضير الأمير ولي العهد، وسيطرته على أموال رجال الأعمال الموقوفين والموضوعين تحت الإقامة الجبرية في فندقRitz الفخم في الرياض بقصد التغلب والسيطرة على الأزمة المالية في المملكة، هذه النظرة تغفل أو تهمل البعد أو الوجه المؤسساتي الذي يؤمن أولية الحق والعمل من ناحية احترام قواعد الحكم، تبعاً للتدقيق والشفافية. تطبيقاً لهذه النظرة التي تتطلب وجود مصادر مالية ضخمة تفتقد لها المملكة حالياً، في ضوء النفقات المتنامية والمتعاظمة في حروب إقليمية، كحالة الصراع في اليمن، وفي غياب المشاركة السياسية، هذا النقص في التمويل يقود إلى تطبيق السياسات غير الشعبية، كتزايد الإعانات المالية والضرائب.

تحت هذا العنوان تؤسس المملكة لتطبيقTVA إنطلاقاً من كانون الثاني 2018 مثيرة حفل استقبال غير مؤاتٍ للمجتمع السعودي الذي يتفاجأ من ضرورة فرض ضريبة من أول بلد مصدر للنفط الأسود. إن الأداء الإقتصادي في المملكة يسجل نكوصاً أو تراجعاً ملحوظاً وهاماً بين 2012 و2017 إذ من الملاحظ انخفاضاً قوياً في أغلبية المؤشرات الاقتصادية: معدل النمو يتجاوز حوالي 5,4 حسب توقعاتFMI .        . وانخفاض الإنتاج الخام من 736 مليار دولار، وتجاوزت الصادرات السعودية 388,4 مليار دولار من 2012 إلى 208,2 مليار دولار في 2017 دون أن ننسى الانخفاض الكبير في احتياطات النقد الأجنبي كونها حوالي 80 مليار دولار في 2017، والعجز المالي 53مليار دولار. ولم تستفد المملكة من ازدهار أسعار البترول بين 2012 و2014 على الرغم من كونها مصدراً عالمياً للبترول، فإنها لم تحقق نمواً، أضف إلى ذلك، هي تعاني من خلل فادح في سياستها الإنفاقية بسبب الأولوية الممنوحة للميزانيات الأمنية، وللدفاع على حساب النمو الاجتماعي، والتوسع في الطبقة الوسطى. باختصار، إن الاصلاحات الاقتصادية التي نُفذَّت في المملكة تبقى تجميلية، وتسمح بتحرير مشاريع سياسية في المعالجة والتأثير، وعلى هذا، كل عملية إصلاح تتطلب إرادة سياسية صادقة بتخطيط دقيق، وإدارة متكاملة.

         ثالثاً: التعليم العالي السعودي في ظل الاقتصاد المعرفي: عمدت المملكة للقيام بعدة مبادرات بقصد تحقيق هذا التوجه، وبهدف تطوير العملية التعليمية.

1-التوسع في إنشاء الجامعات والكليات الجامعية الحكومية والأهلية. وأضحت 25 جامعة حكومية بعد أن كان عددها لا يتجاوز (7) جامعات، وبلغ عدد الكليات (447) كلية بعد أن كان عددها يقتصر على (75) كلية، إضافة إلى ثمان جامعات أهلية، وإحدى وعشرون كلية أهلية. منها كلية بريدة الأهلية والتي أُنشأت عام(1426ه-2006م)، وتضم كليات: العلوم الإدارية، والإنسانية، وكليات علوم الحاسوب، والهندسة، والعلوم الطبية، والتطبيقية، والصيدلة، وطب الأسنان، وتُعد من أكبر الكليات في المملكة وأكثرها سعة طلابية إذ تضم 2795 طالباً وطالبة، وهي تحتل المرتبة الثانية في المملكة من حيث عدد طلابها، بعد كليات الغد التي يصل عدد طلابها إلى (3602) طالب وطالبة.

أ_العملية التعليمية: عمدت المملكة إلى تحقيق الأهداف الآتية:1-استحداث برامج تعليمية ذات علاقة بالعلوم والتقنية.2-تحديث الخطط والبرامج التعليمية لمواءمة مخرجاتها مع سوق العمل.3-إعادة هيكلة الكليات، والتوسع في برامج الدراسات العليا ذات العلاقة بالعلوم والتكنولوجيا، واستحداث برامج متعددة التخصصات مثل تقنية الناتو، والتقنية الحيوية والبتروكيميائية والمعلوماتية الحيوية وغيرها.

ب_أعضاء هيئة التدريس: 1-تطبيق برنامج تنمية الإبداع والتميز لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات.2-تطبيق نظام البدلات والحوافز المادية المرتبط بنوعية العمل ومستواه.3-إنشاء عمادات لتطوير المهارات والتطوير الأكاديمي للطلاب.

ج_الطلاب:1-برامج تعزيز المهارات الطلابية، مثل ( برنامج السنة التحضيرية، مراكز تنمية وصقل المهارات الشخصية، مهارات الإتصال والبحث والتعلم الذاتي للطلبة).2_برنامج ريادة الأعمال وتتمحور أنشطته حول مجالات خمسة رئيسية هي: التعليم، التدريب، الإستشارة، البحث العلمي، الإتصال.

3-برنامج وزارة التعليم العالي لرعاية الطلاب المتميزين حيث يتم استقطابهم من خلال تنظيم برامج متخصصة لهم خارج المملكة من خلال بيوت خبرة وجامعات عالمية.4-برنامج تطوير الإرشاد الطلابي في الجامعات السعودية.

د_البحث العلمي: بدا واضحاً وجلياً مدى اهتمام المملكة بالبحث العلمي، وتوفير مقوماته، حيث عمدت إلى تخصيص نسبة من الناتج المحلي الإجمالي للبحث العلمي، ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها الوزارة للتشجيع على البحث العلمي تكمن في ما يأتي:1-تنويع مصادر التمويل لدعم البحث العلمي.2-إنشاء مراكز التميز البحثي في الجامعات، ولعل الهدف من ذلك الحصول على التميز في مجالات محددة من مجالات البحث العلمي، وبلغ عدد هذه المراكز أربعة عشر مركز تميز موزعة بين الجامعات بميزانية إجمالية، قدرها (600) مليون ريال.3-مركز الأبحاث الواعدة:4-برنامج تقنية الناتو: مدعم من خادم الحرمين.

5-الحدائق العلمية وحضانات التقنية.6-كراسي البحث العلمي.7_استقطاب أساتذة وعلماء متميزين.8-تشجيع الأبحاث المتميزة.9-أدت هذه الجهود أن حقق التعليم العالي في المملكة تحسناً كبيراً في أغلب مؤشراته خلال الفترة الماضية، تمثلت في:  أ-زيادة معدلات الإلتحاق بالتعليم العالي.  ب_ارتفعت أعداد الجامعات بأكثر من الضعف.  ج_ارتفعت أعداد أعضاء هيئة التدريس بمعدلات أعلى من الزيادة في أعداد الطلاب، ترتب عليها تحسن تقنية التأطير طالب\مدرس.  د-النمو غير المسبوق في أعداد الطلاب السعوديين الدارسين في الخارج نتيجة للدعم الرسمي الكبير الذي يحظى به التعليم العالي. وكنتيجة حتمية للتوسع الكبير في مؤسسات التعليم العالي، وإنشاء المزيد منها، وزيادة أعضاء هيئة التدريس فيها، بمعدلات تجاوزت الارتفاع في عدد الطلاب المسجلين، ما أدى إلى ارتفاع معدل الإنفاق على الطالب في التعليم العالي. وهو مؤشر على الإرتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للطلاب، وتحسين البيئة التعليمية بشكل عام.

ه-برنامج تقاسم المعرفة: إيماناً بأن مخرجات العملية التعليمية والتدريبية من أهم أسس ومرتكزات نجاح الإقتصاد القائم على المعرفة، فقد خطت وزارة التعليم العالي خطوات سريعة، تتمثل في الإستعانة بخبرات كوريا الجنوبية عن طريق ” برنامج تقاسم المعرفة” والذي يشرف عليه المعهد التقني الكوري الذي قاد كوريا إلى واحد من أكبر الإقتصادات في العالم في وقت قياسي، والإستفادة من التجربة الكورية في المجالات التي وقع عليها الاختيار بشأن التعاون الفني والتنموي المثمر بين الوزارات والجهات المختصة في البلدين.

ويغطي برنامج تقاسم المعرفة في عامه الثاني أربعة موضوعات حيوية:

الأول: وهو بعنوان: كوريا كاقتصاد قائم على المعرفة: عملية التطور والدروس المستفادة. الثاني: وهو بعنوان: دور حدائق العلوم والتقنية في التنمية الإقتصادية الوطنية، الدروس المستفادة من التجربة الكورية. الثالث: وهو بعنوان: السياسات المساندة للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقوم على تطوير التقنية الصناعية. الرابع: وهو بعنوان: التعليم العام والتعليم المستمر في المملكة، تطبيق نموذج شبكة الإذاعة التعليمية الكورية.

ويشارك في تنفيذ البرنامج الجهات الحكومية المعنية في المملكة وهي:1-وزارة التربية والتعليم.2-وزارة التعليم العالي.3-وزارة الثقافة والإعلام.4-وزارة التجارة والصناعة.5-مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.6-جامعة الملك سعود.7-البرنامج الوطني للتجمعات الصناعية.

تحديات المستقبل ومعوقاته: لعل الحديث عن التحديات المتوقعة على المنطقة عام 2016 تظهر تحديات عديدة ومتنوعة، تواجه المملكة بعضها متواصل، وبعضها طارئ يتأثر بالمتغيرات العالمية والإقليمية إذ تتعدد المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تواجه المملكة، ولعل من أهمها تقلّب أسعار الطاقة، على اعتبار أنها المصدر الرئيسي للثروة والدخل، إضافة إلى المتغيرات المناخية التي تؤدي إلى قيود على النمو والتنمية، وعلى المستوى المحلي تتجلى التحديات ويتصدرها اعتماد البنيان الاقتصادي للاقتصادات الوطنية على النفط والغاز، ومشكلة البطالة خاصة بين الشباب، ولعل من أهم هذه التحديات الداخلية وسبل مواجهتها يتجلى في :  التحدي الأول: ويتمثل في الوضع الاقتصادي، وما أورثته الحقبة البترولية التي جعلت قطاع النفط والغاز من الركائز الأساسية في اقتصاد المملكة إذ يشغل الناتج المحلي الإجمالي حالياً 50% في السعودية، مع العلم بأنه ساهم في تحول المملكة من اقتصاد رعائي إلى اقتصاد عالي الدخل ومعتمد على قطاع أولي، مما ساعد في تصنيفها ضمن الدول عالية الجودة، وساهم في تحسين جودة الحياة، وبناء المرافق الأساسية والبنية التحتية، ومكّن من إدخال نظم التعليم الحديثة، والرعاية الصحية وسبل الرفاه الإجتماعي(14). لكن يبقى السؤال الذي يشكل تحدياً وهو كيف السبيل إلى اقتصاد عصري متنوع للهيكل الاقتصادي، متعدد مصادر الدخل والثروة، بحيث يتحول فيه الاقتصاد إلى اقتصاد عصري يتمتع بقوة دفع ذاتية، ويتميز بعلاقات تجارية متبادلة مع العالم الخارجي؟.

التحدي الثاني: ويتمثل في ارتفاع نسبة البطالة بين أجيال الحقبة البترولية من الشباب، والذين حصلوا قسطاً من التعليم الجامعي الحديث، والذي يعطيهم الحق في الحصول على مدخول عالٍ أسوة بمن كانوا طليعة من انطبق عليهم سياسة توطين الوظائف من قبل الحكومة من الأجيال السابقة إذا ما حصلوا على أعمال حكومية مع مستويات مرتفعة من الدخل(15) . وبما أن الحكومة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من قوة العمل، في مواجهة الأجيال الزاحفة، والداخلين إلى قوة العمل بقوة إلا أن تدفع بهم نحو قطاعات الأعمال الخاصة والعامة، أو العمل لحسابهم الخاص بغية توطين تلك الوظائف، وساعية للتخلص من مشكلة البطالة. لهذا يمكن القول :” إن النمو في دول إقليمنا ارتبط برأس المال والعمل لا بالتقدم التقني وزيادة الكفاءة الفنية، حيث أن النتائج أشارت إلى أن متوسط معدلات النمو في الإنتاجية الكلية للعناصر في بعض دول المجلس ( المملكة العربية السعودية ) كانت سلبية.”(16). وبما أن القطاع الخاص حديث العهد في الأنشطة الاقتصادية الجديدة، تركزت الأعمال في قطاعات البناء والتشييد، والقطاعات الخدماتية الخاصة في المال والأعمال والمصارف، الإتصالات والنقل، التوزيع، المطاعم والخدمات الشخصية والمنزلية، بمعنى المجالات التي تتصف أنشطتها بالتقليدية وصغر حجم منشآتها، وضعف إنتاجيتها، وانخفاض الأجور، وتواضع بيئة العمل فيها، عدا عن الإعتماد على العمالة الوافرة من دول الجوار، وبخاصة العربية ذات الكثافة السكانية، ومن الدول الآسيوية الفقيرة، وهذه العمالة بشكل عام متعلمة ومدربة بكفاءة عالية كمهارة منخفضة الأجور في جانب كبير منها. ولعل تلك الفجوة القائمة بين طموحات هذه الفئة من الشباب الطامح لمستويات أعلى من الأجور، وأمام عجز القطاع الخاص التقليدي، وغير المنظم من تحمل فاتورة الأجور المرتفعة لمواطنيها، لا سيما في ظل تدني الإنتاجية وعجز سياسات التوطين في المملكة عن استيعاب الأعداد الكافية من الداخليين الجدد في سوق العمل بالقطاع الخاص، على الرغم من استيعاب الأعداد الكافية من الداخليين الجدد في سوق العمل بالقطاع الخاص، على الرغم من ارتفاع الفاتورة الداعمة التي تقدمها الحكومات.

التحدي الثالث: الأمية وعدم مشاركة المرأة: حيث أن الغالبية العظمى من عمال خط الإنتاج هم من المغتربين، وتواجه المملكة بطالة خطيرة، لاسيما بين الشباب 6% من الذكور، و35% من الإناث، كما أن معدل الأمية هي الأعلى عالمياً، حوالي 2.9% سنوياً(17)، الأمر الذي يتطلب مستويات أعلى بكثير من مجرد خلق فرص عمل، ولعل من أخطر التحديات التي تواجه المملكة في جهودها لتحفيز عملية الإبتكار، وعلى الرغم من المكاسب الهائلة في عملية التعليم، فإن نقص الأفراد والمؤهلين في العلوم والتكنولوجيا، والهندسة، يشكل عقبة رئيسية أمام القدرة على الإبتكار والتنافس(18).

الخاتمة:  لعل الرابح الحقيقي في هذا القرن تلك الشعوب التي تستثمر استراتيجياً العلم والتكنولوجيا بما يخدم الإنسان، وليس الدول ودوام ثرواتها الدفينة إذ إنه بعد الحرب العالمية الثانية استطاعت كل من ألمانيا واليابان إتمام أعظم عمليات النهوض نجاحاً في التاريخ، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أن هذه الدول لم تعمل حينها على القنبلة الهيدروجينية، ولكن على تقنيات صناعية وزراعية أفضل: سيارات أفضل، راديو، ترانزستر، تكنولوجيا حياتية، وغير ذلك، بمعنى أنها استثمرت وراهنت على الإنسان لا الحجر، أما الولايات المتحدة فتعمد إلى استقطاب العقول العلمية، وتسابق الزمن، وهدفها تطوير التكنولوجيا وتفعيلها لإنتاج جيل جديد أو نماذج مستحدثة من الأسلحة واستكشاف الفضاء وسبر غوره، وفك شيفرة الحياة بالرغم مما يتطلبه ذلك من ميزانيات وأموال تتخطى قدرة الفرد_المواطن على التحمل، وما الأزمات الاقتصادية إلا مؤشراً على السياسات الاقتصادية التبعية التي تعتمد أولويات لا تأخذ بالاعتبار ضمان الاستقرار والسلامة الشخصية والعقلية للمواطن، بل إعادة صناعة العالم على قياس مصالحها وأهدافها. من هنا، وكسباً للرهان وللاستمرارية في البقاء لا مفر من اعتماد التكنولوجيا، حيث أنه يخسر كثيراً من يعتقد أن الكمبيوتر عدواً له، إذ قد تمتلك الآلات ذكاءً يتفوق على ذكائنا في أمور عديدة، فهي مسلحة بقدرات عقلية وفيزيائية جبارة تتفوق على قدراتنا. والمفارقة الأهم هنا أنه باستطاعة التكنولوجيا على اختلاف أشكالها وأنواعها تطوير أواصر البشرية عبر تقديمها استراتيجيات لم تخطر على بال مخترعيها من البشر، ويمكن أن تفتح حقولاً جديدة لكافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، هذه الميادين هي رؤى مستقبلية، هي صنيعة الهوية والايديولوجيا والتكنولوجيا ومورثتها، أما الفعل الإنساني، فلم يعد يفلح إلا إذا تمَّ على نحو كوكبي أو على مستوى العالم كقرية كونية. وبالتالي فالانتظام في هذا العالم والنظام بحسب وايتهد(19)Whithead لا يتحقق إلا بأمرين: أولاً_ الفكرة السحرية لفيثاغوراس Pythagore ومفادها أن الأعداد تشكل واقعاً نهائياً، وثانياً_ الفكرة الدينية الحاضرة لدى ديكارت Descatres ونيوتنNewton والتي تجد في المعقولية الإلهية أساس النظام في العالم، والفكر المتجدد ينظر إلى العالم بحد ذاته، ويتفتح معه كما فينومينولوجيا هوسرل Husserl لهذا لم يعد الفكر مبدأ خارج جوهر العالم، بل أن الفكر والعلم تطورا معاً في صراعٍ وتصارعٍ تكاملي بين أعمدة أربعة مستقلة ومترابطة وهي: النزعة العقلانية_ التجريبية_ النزعة التجريبية_الخيال التحقق.

التوصيات : إن التحديات التأسيسية لصناعة النمو في المعرفة التكاملية تنطلق من المؤطرات الموضوعية لحجم المشكلات المتطورة والمستجدة، ورهانات الخصوصيات المأزومة، وهذا مسار تسعى المملكة إلى تأمينه رغم قصورها في ذلك.

لعل الاستفادة من تجارب الآخرين، والبناء عليها من دون دراسة الأثر المجتمعي الإنساني للذاتية والخصوصية السعودية يشكل عائقاً مركزياً لمعايير النجاح.

إن الحديث عن تجربة حديثة من الصعوبة تقييمها، تبقى آليات بحاجة إلى تنميط لتنفيذها. وإدارة التحديات بحاجة إلى التفاعل مع المتغيرات في فعالية القرارات وأسبابها بالزمان والمكان.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بشدة وهو أين نحن كمجتمعات عربية من هذا التطور العاصف للعلوم والتكنولوجيا؟ من اتساع نطاق المعرفة ودورها؟ من الواضح للعيان أن مجتمعاتنا ماتزال في موقع المتلقي السلبي لا المنتج لثمار وانجازات الثورة العلمية التكنولوجية، وبالتالي فنحن لم ندخل بعد اقتصاد المعرفة، وقد نحتاج لسنوات عدة للوصول إلى المرحلة الأخيرة المتمثلة بثورة الإتصالات والمعلومات، مع العلم بأننا ليس بمنأى عن آثارها السلبية، لاسيما وأن مجتمعاتنا العربية ماتزال في بدايات دخول حقبة المرحلة الصناعية، في حين أن الدول المتطورة أصبحت في قلب ما يسمى بمرحلة ما بعد الصناعة، وهذا ما يجعل الهوة عميقة وواسعة بيننا وبينهم، وعلى هذا، فثقافة التغيير والتأقلم مع متطلبات التطور المعرفي والتقدم التكنولوجي لم تصل مجتمعاتنا بعد، ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مقارباتنا لمفهوم المعرفة، وفي إدراكنا ووعينا لحقيقة أن دخولنا اقتصاد المعرفة هو السبيل الأنجع لنجاحنا في مواجهة التحديات المعاصرة، والعمل على أن نشغل موقعاً لائقاً بين الأمم. ولن يكون ذلك إلا بتضافر جميع الدول العربية على:

أظهرت الدراسات انخفاضاً في مستوى التعليم، وتدنياً في مستوى التطوير والبحث، وبروز الطابع البيروقراطي على ما هو مستخدم منها، أضف إلى ذلك، غياب التبادل الأفقي في مجال المعلومات بين البلدان العربية، ولا يمكن أن نغفل طرد الموارد البشرية، وعلى وجه الخصوص الكفاءات العلمية التي تشكل لب الاقتصاد المعرفي، لهذا لا بد من المحافظة على هذه الكفاءات العلمية من الإبعاد والتهجير، والعمل على عودة هذه العقول بهجرة معاكسة إلى الوطن العربي، والعمل على بناء استراتيجية صناعة محتوى المعلومات التي تُعتبر من أهم مقومات مجتمع المعلومات وبلغة عربية، وإيلاء الأهمية لإعادة هيكلة التعليم بكافة مراحله، والسعي لخلق البيئة العربية المناسبة لبناء صناعة عربية للمحتوى المعرفي يشترك في إنجازها القطاعين العام والخاص، متناسقة ومتماشية مع صناعة المحتوى المعرفي في الدول المتطورة والمتقدمة. كما أن لا بد من إرساء البنية التحتية الأساسية العربية لمجتمع معلوماتي قادر، عارف بصناعتها، ومدرك لكيفية إدارتها. وعلى الإنسان أن يكون منزهاً عن عبادة السلع المعولمة للقيم الروحية التي تعمد إلى تصنيف الحضارات بغية الإتجار بالمحتوى الثقافي الذي تحمله تلك القيم، ولعل الهدف من ذلك تعميم لغة الصدام داخل المجتمعات، وفي ما بينها، على اعتبار أن المقولة الأنثربولوجية التي تنظر إلى مدنيات الشرق على أنها ثقافات بدائية، ساعية بذلك إلى تحويل الإنسان كأداة مستهلكة لشتى ضروب الانتاج التي عمل الغرب على تنويعها وتعميمها، ويذهب نيغل دويرNigel Dower(20) إلى أن الأمن والعدالة والديمقراطية، قيم إنسانية ضرورية لوجود المواطن العالمي، لكن هناك صعوبات عدة تقف عقبات أمام المواطنة، تتمثل في تدمير البيئة الطبيعية، إضافة إلى الفقر، العجز، المخدرات، الإيدز، الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، مؤكداً على أن النخبة العالمية هي التي تصنع المواطنين العالميين لا المهمشين اجتماعياً. وهذا ما سعت إليه إبريل كارترApril Carter معلنةً بأن الاتحاد الأوروبي والمواطنة الأوروبية خطوة على طريق المواطنة العالمية(21). على اعتبار أنه بقدر ما يطبق الاتحاد قواعده واتفاقياته، بقدر ما يدعم الأساس العالمي، هذا مع العلم بأنها عمدت إلى الحد من الفقر، وأسهمت في الاهتمام بالبيئة الطبيعية. ويبقى السؤال أين المواطن العربي من المواطنة العالمية؟

المصادر والمراجع العربية والأجنبية:

(1)Jeremy Rifkin, The Age Of Access, Published March, 2001 by Tracher, First Published January 1st 2000.

(2)Nathaniel Hawthorne, The House Of The Seven Gables,( Cambridge, MA : Riverside Press, 1932), P313.

(3) علي حرب، حديث النهايات، ط2، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2004م.

(4)Naim Moises, The End Of Power, Basic Books, March, 2013, P35.

(5) عبدالرحمن الهاشمي وفائزة محمد العزاوي، المنهج والإقتصاد المعرفي، عمان_الأردن، دار المسيرة للنشر، 2007م، ص30.

(6)Wafa Mohammed Own, National Transformation In Saudi Arabia Towards a Knowledge Economy, American International Journal Of Contemporary Research, Vol 6, No1, February, 2016, P77.

(7)معراج هواري وآخرون، اقتصاد المعرفة والتعليم عن بعد: الواقع والأسس، ص10.

(8) J. Habermas, The Theory Of Communicative Action, Trns By Thomes Mccray, Boston Beacon Press, V!, 1984, P8.

(9) Powel WW& Snellman K,” The Knowledge economy” 2004, Annuel Review Of Sociology, Vol 30, 199-220.

(10) Houghton J & Sheeban P, “ A Primer On The Knowledge, Economy” CSES Working Paper n018, February, 2000.

Fabienne Berton, Quelles Compétences Valorise L’économie du savoir”,Canda          ,(11) Halifax,Saint Mary’s university,2010, octobre,P 15.

(12)محمد عواد الزيادات، إتجاهات معاصرة في إدارة المعرفة، ط1، عمان، دار الصفاء للنشر والتوزيع، 2001م، ص238_239.

(13)Henri J. Chaoul, Arab Youth Unemployment, Al Khabeer Capital, 20 Novembre 2013.

(14)Op Cit, Loc Cit,

(15)Younes Belfellah, Arabie-Saudite- reforme- Chaos- économique, Contrepoints. Org,29\01\2018.

(16) Op Cit, Loc Cit,

(17)Mohammad Skhorshed, Saudi Arabia From Oil Kingdom To Knowledge-Based Economy, Volume xx!!, N0 3, Middle East Policy Council, 2017, P3.

(18)Op Cit, Loc Cit, P3.

(19) إدغار موران، الفكر والمستقبل، مدخل إلى الفكر المركب، ترجمة أحمد ومنير الحجوجي، المغرب، دار توبقال للنشر، 2004م، ص8.

(20) Nkgel Dower, An Introduction To Global Citizenship, Edinburgh University Press, 2003. (21) April Carter, The Political Theory Of Global Citizenship, London Routelage,2001

*أستاذة وباحثة جامعية\ كلية الاداب والعلوم الإنسانية-الفرع الرابع.

عن mcg

شاهد أيضاً

عميد المعهد العالي للدكتوراه يفتتح حفل أسبوع المطالعة في ثانوية الرحمة

بوابة التربية: نظمت ثانوية الرحمة (كفرجوز-الجنوب) التابعة لمدارس المبرّات، الأسبوع الثقافي التاسع عشر ومعرض الكتاب  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *