بوابة التربية- كتبت د. *ليليان ريشا:
يدخل إضراب مجموعة من الأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانيّة شهره السادس، ويختتم إعلان التوقف القسري عن العمل المعلن من رابطة الأساتذة المتفرغين شهره الأول، دون أن يرفّ جفن مسؤول في الحكومة اللبنانيّة.
الجامعة تنوء تحت أثقال الأزمات المتراكمة والاهمال وسوء الادارة وفقر الميزانية، ما يعطّل أعمالها ويثقل كاهل الطلّاب وأهلهم والأساتذة وعائلاتهم والموظفين وذويهم. أساتذة جامعة الوطن وطلّابها يعيشون أسوأ كوابيسهم في ظلّ ضائقة اقتصادية ومادية خانقة وفي حيرة وجودية غير مسبوقة، دون أن يحرّك مسؤول في حكومة “معاً للإنقاذ” أو معنيّ بوضع جامعة الوطن ساكناَ لإنقاذها.
الأغرب من هذا كلّه، أن أي مسؤول، وكلّ منهم يعتبر ذاته غير مسؤول، لم يكلّف نفسه عناء التطلّع إلى ما بعد النكد والعناد، أو إلى أبعد من الاضراب والتوقف القسري عن الأعمال في الجامعة اللبنانيّة !!
لم يكلّف أحد نفسه تدارك التداعيات الخطيرة التي تتهدّد المجتمع الوطني جراء احتضار صرح تربويّ جامعي يحتضن نحو 80000 طالب وآلاف الاساتذة الباحثين والمفكّرين وآلاف الاداريين والموظفين.
كثرٌ تباروا في تعداد الخسائر الماديّة وتراجع المردود التربوي والأكاديمي وأكثر منهم تغنّوا بالأهميّة الوطنيّة لصرح يجمع أبناء الوطن ويؤمّن واحة حوار تجمعهم وجسر عبور يرتقي بهم إلى مستويات أرفع من التنمية والتطور العلمي. لكنّ مسؤولاً أحداً لم يستشرف تفلت الأمن الاجتماعي الذي يهدّد المجتمع الوطني ما لم يستغلّ المعنيّون الفرصة الضئيلة السانحة للافراج عن ملف الجامعة اللبنانيّة في الآجل القريب لانقاذ ما يمكن إنقاذه ومن يمكن إنقاذهم ممن لم يفقدوا بعد إيمانهم بالوطن وجامعتهم المحتضرة.
إلى من يقبضون على خناق الجامعة اللبنانيّة وأساتذتها وطلّابه وموظفيها وموازنتها،
ماذا تنتظرون من جيل يعيش في غرفة الانتظار إلى حين عودة جامعته من غيبوبتها خروجها من غرفة العناية الفائقة كي يستعيد زمام حياته؟
ماذا تتوقعون من أهل ربّوا وكبّروا وعلّموا وحلموا بمستقبل أفضل لأبنائهم، ووضعوا أحلامهم الخاصّة والمتواضعة على رصيف الانتظار إلى حين تخرّج ابنائهم من الجامعة الوطنيّة، وانطلاقهم في الحياة المهنيّة، فيخفّفون أعباء حملها أهل ضاقت بهم مصادر العيش، وأحنت ظهورهم الضائقة الاقتصاديّة؟
ماذا تتوقعون من أهل ينتظرون أن أن يفخروا بأبناء تخرّجوا مؤهّلين لاستكمال مهمّة النهوض بوطن الانسان والمساهمة بحلّ لو جزء بسيط من أرمات تراكمت منذ ما قبل ولادتهم؟
إلى من يتقاذفون المسؤوليّة في البتّ بملفات الجامعة اللبنانيّة،
هل تتخيّلون أساتذة قضوا سنوات في البحث والعلم والتحصيل يطمحون الالتحاق بكادر الجامعة الوطنيّة الأكاديمي وتأمين حياة تليق بجهدهم وجدّهم وبعائلاتهم وتسمح لهم بتأمين مستقبل أولادهم وهم اليوم على قارعة الانتظار، حُجبت عنهم أبسط حقوقهم، وأُذلّوا بعقود مصالحة وباتوا لا يملكون كلفة انتقالهم الى جامعة تحتضر وقد فرغت من ساكنيها وتحولتّ إلى مدينة أشباح بلا روح ؟
صحيح، انتم لا تتنظرون ولا تتوقعون ولا تتخيلون لأنكم بكلّ بساطة تنظرون فلا تبصرون !!
أمّا نحن فنرى الآتي بكل وضوح.
الهيكل يتصدّع وساكنوه يهرولون بهلع صوب المجهول، دربهم يلفه الضباب وعدم إستقرار، طريقهم مزروع بالخوف من غدٍ لا أحلام فيها ولا طموح.
الهيكل يتداعى وقاطنوه يتجهون نحو فراغ لن تكون نتيجته إلّا فوضى وضياع وانحراف وهجرة ومزيد من الفراغ.
فراغ أقلّ تداعياته أميّة مقنّعة، وتسرّب من المؤسسات التربويّة والتعليم على أنواعها، ومزيد من البطالة وارتفاع في معدلات الفقر يرافقها حالات غضب ونقمة تولّد عنفاً اجتماعياً وهروباً الى المخدرات والانحراف والسرقة والجريمة على أنواعها.
فراغ ليس آخر تداعياته لأنه كان أوّلها هجرة الأدمغة والكفاءات الشبابيّة التي تشكّل ثروتنا البشريّة الأهم وقد تكون هذه التروة أملنا الوحيد المتبقي للنهوض بوطن استنزفت كلّ طاقاته واختلّ توازنه الديمغرافي فهرم وشاخ في غفلة من مسؤوليه.
نعم، نحن نرى بوضوح أن أمننا الاجتماعي مهدّد إن لم تعد الجامعة اللبنانيّة إلى العمل الفعّال وإن لم تقرّ ملفاتها على السرعة وبشكل خاصّ ملف أساتذتها المتعاقدين الذين يشكلون حلقتها الأضعف.
شبابنا وطلابنا في خطر إن لم يعودوا إلى مقاعد الجامعة اللبنانيّة ومختبراتها وملاعبها الرياضية ومعاهدها الموسيقيّة والفنيّة والطبيّة والهندسيّة حضوريّاً وبكامل جهوزيتها.
قطاعنا التربويّ برمته في خطر إن لم تستعد الجامعة اللبنانيّة عافيتها وتخرج من غرفة العناية المركّزة على وجه السرعة.
مجتمعنا الوطني في خطر وجودي إن لم تستعد الجامعة الوطنيّة رسالتها التربويّة ومهماتها الأكاديميّة والبحثيّة والعلميّة ودورها في بناء الانسان المواطن.
لمن لم يستشعر خطورة الأزمة بعد، فليبدأ بالنظر حوله وبالعين المجرّدة . العوارض بدأت بالظهور والتشخيص لا يحتاج مزيداً من التمحيص، نحن أمام أزمة اجتماعيّة بدأت تتفاقم وقد تنفجر في أي لحظة.
لم يعد أمننا الاجتماعي مؤمّناً.
أعيدوا للجامعة مكانتها وللأساتذة حقوقهم وأعيدوا الطلاب إلى مقاعد الدراسة قبل انطلاق الشرارة.
– *أستاذة متعاقدة في الجامعة اللبنانيّة.