أطلق المركز التربوي للبحوث والإنماء كتيب: “المدرسة في لبنان: أرقام ومؤشرات” بالتعاون مع مكتب التعاون التربوي التابع للسفارة الفرنسية في لبنان، برعاية وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده ممثلا برئيسة المركز الدكتورة ندى عويجان في مبنى مطبعة المركز في سن الفيل، في حضور المدير العام للتربية فادي يرق وممثلين عن السفارات والمؤسسات التربوية والمكاتب التربوية والجامعات والمنظمات الدولية ونقابات وروابط المعلمين والخبراء والتربويين والمتخصصين والعائلة التربوية في وزارة التربية والمركز التربوي. .
بعد النشيدين الوطنيين اللبناني والفرنسي وتقديم من منسقة المشروع إليان شمشوم . تحدثة رئيسة المركز الدكتورة ندى عويجان فرحبت بالحضور والشركاء وقالت :
التطوير التربوي هو نتيجة قرارات وسياسات تربوية، تُبنى على المؤشرات والتحليلات للواقع التربوي، وتنتج عن أرقام وأبحاث مقننة، يقوم بها باحثون وخبراء وفنيون ومعلوماتيون وإحصائيون. ويسعدني أن نطلق اليوم برعاية كريمة من معالي وزير التربية والتعليم العالي الأستاذ مروان حماده، وبالشراكة مع مكتب التعاون التربوي التابع للسفارة الفرنسية في لبنان، كتيب: المدرسة في لبنان: أرقام ومؤشرات، الذي يتضمن عرضاً لواقع المدرسة في السنوات الست الماضية. فيعرض تحليلاً للأرقام وتفصيلاً للمؤشرات ويشير إلى نقاط القوة ونقاط الضعف في التعليم العام ما قبل الجامعي.
شملت جداول الكتيّب ومؤشراته جميع التلامذة اللبنانيين وغير اللبنانيين إضافة للتلامذة السوريين الذين يتابعون المنهج اللبناني.
لقد تناول الباحثون وفاقاً لقطاع التعليم حجم المدرسة ولغة التدريس وتطور عدد الصفوف واستخدام التكنولوجيا. ورصدت الدراسة اعداد المعلمين وتوزعهم وفئاتهم العمرية ومعدل تطور نتائج الإمتحانات الرسمية ونتائج مشاركة التلامذة اللبنانيين في الإختبارات الدولية.
واضافت عويجان : إنني أقدّر عاليًا الجهود المبذولة لانجاز هذا الكتيّب وأقدر التعاون مع الجانب الفرنسي وأشكر الجانب اللبناني في مكتب البحوث ممثلاً برئيسته الدكتورة كيتا حنا وكل من رؤوساء الوحدات والدوائر بريجيت القدوم وكارول أبو ناصيف وجاك قاصوف وعصام المصري، وعلي زعيتر. كما أخص بالشكر الدكتورة سوزان أبو رجيلي لمواكبتها العمل، خطوة خطوة ومساهمتها العلمية في كل مراحله. وأشكر أيضًا منسقة المشروع الآنسة اليان شمشوم على متابعتها للمشروع وسهرها حتى اللحظة الأخيرة على انجازه. كما أشكر السيدة ربيكا حداد على الاخراج الفني المتميّز الذي أعطته لهذا الاصدار.
يرق :
وتحدث المدير العام للتربية فادي يرق فشكر رئيسة المركز التربوي والجانب الفرنسي على جمع العائلة التربوية من مسؤولين وموظفين وباحثين ونقابات وسفارات ومنظمات دولية وجمعيات ، واكد ان فرنسا ساعدت لبنان في هذا المشروع المهم والإحصائي الذي ننتظره كل عام من المركز التربوي والذي يتضمن إحصاءات ومؤشرات مهمة لكل باحث وصاحب قرار تربوي .
واعتبر يرق اننا نتعاون مع الجانب الفرنسي منذ سنوات طويلة في العديد من المواضيع التربوية المهمة ، وأشار إلى ان مثل هذا المنشور الدوري يصدر سنويا في فرنسا ويعتمد عليه ، وأكد ان هذا الكتيب الذي نطلقه اليوم سوف يكون احد المراجع التي سنستعملها في يومياتنا إن كان في وزارة التربية أو في القطاع التعليمي بمجمله على اعتبار انه يتضمن أرقاما واقعية وواضحة ويضعها بين أيدينا وسوف يشكل منصة ومجالا مفتوحا للخطوات العملية التي سنقوم بها غن كان ذلك في مديريات وزارة التربية أو في القطاع الخاص ، او مع المعنيين مباشرة بقضايا التربية مثل نقابة المعلمين وروابط التعليم .لأنه يعطينا نظرة علمية وواقعية عن واقع المدرسة في مرحلة معينة ويترك لأصحاب القرار إمكان اتخاذ التوصيات والخطوات العملية كل بحسب واجباته وصلاحياته . إن موضوع الحصول على المعلومات وتحليل النتائج المتوخاة من التعليم باتت تشكل موضوعا أساسيا ، وإن كل التقارير التي تصدر في العالم إن كان من البنك الدولي أو من منظمة التعاون الإقتصادي او حتى من الدول المانحة ووكالات التنمية العالمية ، تتحدث عن مخرجات التعليم وعن البنى التحتية في المدارس وواقع المعلمين ونواتج التعلم لدى التلامذة ، وأعتقد أن هذه الدراسة التحليلية هي أداة سوف تساعدنا على بناء خطوات عملانية لتحسين نواتج التعليم في القطاعين الرسمي والخاص ، مما يتيح لنا ان نطلع على ما تحقق لدينا في داخل وطننا وان نتمكن من قياس التطور الذي احرزناه نسبة إلى التطور العالمي إن كان ذلك في بلدان قريبة أو بعيدة ، تتمتع بأنظمة تعليم مشابهة لنظامنا التربوي .
رشيدة دومان :
ثم تحدثت المفتشة العامة التربوية والخبيرة الفرنسية رشيدة دومان التي اعتبرت ان هذه الأرقام والمؤشرات قد عمل عليها الجانبان اللبناني والفرنسي من خلال المركز التربوي و مكتب التعاون التربوي التابع للسفارة الفرنسية في لبنان ، ولفتت إلى أن التعاون اللبناني الفرنسي مع وزارة التربية يتم بكل ثقة ومثابرة ، واكدت ان التلامذة يجب ان يكتسبوا كل المهارات والقدرات التي تحقق لهم التطور والتقدم والإبداع ، ورات ان المدرسة هي ركيزة كل سياسة تربوية ، وبالتالي فإن الدراسات والمقاييس هي الوسيلة الناجحة لتغذية الإهتمام العام في المجتمع ولترشيد السياسة التربوية . وغنني أشكر رئيسة المركز وفريق العمل في مكتب البحوث التربوية الذين عملوا على المشروع بكل حماس والتزام . ورأت ان هذه بداية الدراسة ونحن نتابع التحليل واستخراج المؤشرات لنضعها بين أيدي من يتولى القرار التربوي من اجل مصلحة التلامذة في لبنان .
جان كلود إمان :
وعرض الخبير والمستشار التربوي الفرنسي جان كلود إمان إحصاءات ودراسات استقصائية وأسئلة تتعلق بالسياسة التعليمية وسلوك نهج الجودة في المركز التربوي ، واكد أن المركز يقدم معلومات وتحليلات إحصائية ومؤشرات دقيقة ومفيدة مع مقاربات دولية . وتحدث عن تصميم تقييمات وطنية ، والإفادة من البيانات من خلال بناء المؤشرات . واشار إلى علاقة السياسة التربوية بتطور التعليم . ولفت إلى ان وجود النازحين في لبنان رفع أعداد التلامذة بصورة ملحوظة في مدارس القطاعين العام والخاص ، واشار إلى ان التسرب المدرسي يبدأ في مرحلة التعليم الأساسي ، وكشف أن عددا كبيرا من التلامذة يغادر المدرسة في مرحلة التعليم الثانوي إما إى سوق العمل او إلى التعليم المهني والتقني .وتحدث عن توزع التلامذة على اختصاصات التعليم الجامعي ولفت إلى اختبار TIMSSفي الرياضيات ولفت إلى ان التلامذة الذين اختاروا الرياضيات حققوا نتائج مهمة جدا وقد انتقل عدد منهم إلى الفيزياء.
سوزان أبو رجيلي:
وعرضت الباحثة والخبيرة التربوية في كلية التربية الدكتورة سوزان أبو رجيلي الدراسة بتفاصيل ارقامها وجداولها ومؤشراتها وشكرت رئيسة المركز التربوي ورئيسة مكتب البحوث التربوية الدكتورة كيتا حنا التي اضطرت غلى لتغيب لأسباب خاصة كما شكرت فريق العمل المشارك وخصوصا الخبراء الفرنسيين وقالت في خلاصة العرض :
تساهم هذه المؤشرات في تبيان بعض الاتجاهات العامّة في تطوّر نظام التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان منذ العام 2011-2012 ولغاية 2016-2017، من أبرزها:
– يتزايد عدد تلامذة لبنان بشكل مطرّد، مع ثبات نسبي في حصّة التعليم الرسمي (30.8% من إجمالي تلامذة لبنان)، نظراً لازدياد عدد التلامذة السوريين الذين يتابعون المناهج اللبنانية من جهة، ولتمديد المرحلة ما قبل الابتدائية من سنتين إلى ثلاث سنوات، مع قبول التلامذة إبتداءً من عمر 3 سنوات،
– يستقبل القطاع الخاص حوالي ثلثي تلامذة لبنان،
– تبلغ نسبة التلامذة السوريين الذين يتابعون المنهج اللبناني حوالي 7،4% من مجموع تلامذة لبنان، ويتوزّعون بين القطاعين الرسمي والخاص،
– رغم ارتفاع أعداد التلامذة، بقي العدد الإجمالي لمدارس لبنان ثابتاً نسبياً، مع تفوّق حصّة المدارس الرسميّة على المدارس الخاصّة، وارتفاع عدد الصفوف،
– إن 27،6% من مجموع مدارس لبنان لا يتجاوز عدد تلامذتها 100 تلميذ،
– تشكّل الصفوف التي تضمّ أكثر من 30 تلميذ ثلث الصفوف في المدارس اللبنانيّة، غير أن عدد هذه الصفوف بقي ثابتاً مقابل تزايد عدد الصفوف الصغيرة، التي تضم أقل من 20 تلميذ، وبين 11 و20 تلميذ،
– يبلغ المعدّل الوسطي لأجهزة الكمبيوتر لكل 100 تلميذ 4،5 أجهزة،
– رغم تفوّق عدد التلامذة في الصفوف الفرنكفونية، تتراجع أعدادهم باستمرار، وذلك لمصلحة الصفوف الانكلفونية. تنطبق هذه الحال على القطاعين الرسمي والخاص، مع تسجيل نسب أعلى للتلامذة الفرنكفونيين في القطاع الرسمي، مقارنةً بالقطاع الخاص،
– يتدنى معدل التلامذة للمعلم الفعلي الواحد في القطاع الرسمي (9) مقابل ارتفاعه في القطاع الخاص غير المجاني (21)،
– بلغ عدد أفراد الهيئتين الإدارية والتعليمية حوالي 103000 عام 2016-2017، مع ارتفاع عدد الأساتذة المتعاقدين بنسبة 33%. أكثر من 4/5 منهم هم أساتذة فعليّون.
– يحمل حوالي ثلثي الأساتذة شهادة جامعية غير تربوية، مقابل 1 على 10 ممن يحملون شهادة تربوية. أما أغلبية الباقين فهم من حملة البكالوريا أو ما يعادلها،
– عام 2016-2017، يعتبر أساتذة لبنان بعمر الشباب، إذ أن أكثر من ثلاثة أرباعهم بعمر 41 سنة وما دون، وأكثر من 1/10 أصغر من 31 سنة، بينما 1/20 منهم فقط بعمر 60 سنة وما فوق،
– يتمتع التلامذة بفرص أفضل لإنهاء المدرسة الابتدائية ضمن القطاع الرسمي منه في القطاع الخاص. ويبدو أن هذا الأخير يستغني عن تلامذة يعود القطاع الرسمي ليستقبلهم،
– أما في المرحلة المتوسطة، فإن التلامذة الذين يلتحقون بالقطاع الخاص يحصلون على فرص أفضل لإنهائها، ربما لأن هذا القطاع يكون قد وجّه بعض التلامذة الذين يعانون من صعوبات نحو القطاع الرسمي خلال المرحلة الابتدائية وفي نهايتها،
– بالنسبة للمرحلة الثانوية، يتمتع التلامذة بفرص أفضل بقليل في القطاع الرسمي منه في القطاع الخاص لبلوغ الصف الثالث ثانوي،
– ترتفع نسب النجاح في الشهادتين المتوسطة والثانويّة، مع تفوّق نسب نجاح الإناث، وتسجيل ارتفاع ملحوظ لنسب النجاح في القطاع الرسمي تفوق الارتفاع في القطاع الخاص،
– تبرز فوارق كبيرة في مستوى تحصيل المواد التعليميّة بين الفروع الأربعة لشهادة الثانوية العامة، مع تسجيل مستويات تحصيل متدنيّة في كافة الفروع ضمن مواد اللغة العربيّة والتربية المدنيّة وعلوم الحياة،
– يسجّل لبنان معدّلات متدنية في الفهم الكتابي للغتين الفرنسيّة والانكليزيّة وفي الرياضيّات والعلوم نسبةً لمتوسّط PISA،
– إحتل لبنان المرتبة الثالثة في الرياضيّات والمرتبة السابعة بين الدول العربيّة المشاركة في TIMSS للصف الثامن أساسي عام 2015، لكنّ متوسطاته كانت أدنى من المتوسّطات العالمية،
– إحتل لبنان المرتبة الأولى عالمياً في مادة الرياضيّات في الصف الثالث ثانوي فرع العلوم العامة ضمن اختبار TIMSS 2015، والمرتبة السابعة عالمياً في الفيزياء.
إنطلاقاً من هذا الواقع، كيف يمكن مقاربة نظام التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان على أربعة معايير أساسيّة للجودة: الفعاليّة، الجدوى، العدالة، والتزام التلامذة واندفاعهم؟
إلى أي مدى يمكن اعتبار نظام التعليم في لبنان فعالاً؟ بشكل عام، تعكس مستويات التحصيل في الشهادتين المتوسطة والثانوية أداءً جيّداً لتلامذة لبنان، بينما تأتي نتائج PISA و TIMSS لمن هم في نهاية المرحلة المتوسطة لتدقّ ناقوس الخطر على صعيد الفهم الكتابي باللغة الأجنبيّة، وفي مجال الرياضيّات والعلوم، ما يشير إلى خلل في الفعاليّة الداخليّة للنظام التعليمي ضمن هذه الميادين، يحتاج إلى تشخيص دقيق. من جهة أخرى، إن تفوق تلامذة العلوم العامة في الرياضيّات ضمن اختبار TIMSS Advanced لهو دليل على جودة تعليم هذه المادّة، غير أنّ التلامذة المعنيين لا يمثّلون سوى شريحة محدودة جداً من تلامذة لبنان، أي أن النظام التعليمي تبدو فعاليّته إصطفائيّة ومحصورة بفئات معيّنة من التلامذة الذين قرر استبقاءهم. أضف إلى ذلك أن متوسّط هؤلاء التلامذة أنفسهم يعتبر متدنياً في مادّة الفيزياء، أي أن الفعاليّة تختلف بين مادّة وأخرى. بالمقابل، تبرز فعاليّة عاليّة في مستوى تحصيل الفتيات على صعيد الامتحانات الرسميّة.
هل يعتبر نظام التعليم في لبنان ذا جدوى عالية؟ يبيّن هذا الإصدار توافر الموارد البشريّة من هيئات إداريّة وتعليميّة، وتوافر المدارس التي يبدو أنّها فائضة نوعاً ما نظراً لارتفاع نسب المدارس الصغيرة (أقل من 100 تلميذ). غير أن نقص الإعداد التربوي الأساسي لأكثر من 90% من المعلمين، ونقص أجهزة الكمبيوتر في المدارس تشير إلى قصور ما في نوعيّة الموارد البشريّة والماديّة، ما يمكن أن يضعف نوعيّة التعليم. وتحتاج الصورة لتكتمل في هذا المجال إلى مؤشّرات إضافيّة حول الإنفاق على التعليم وحول التطوير المهني للمعلمين أثناء الخدمة.
هل نظام التعليم في لبنان عادل؟ رغم عدم توافر معطيات حول نسب الالتحاق والتسرّب، تفيد المؤشّرات حول وفرة المدارس وارتفاع أعداد أفراد الهيئتين الإداريّة والتعليميّة إلى أن نظام التعليم في لبنان يتجّه نحو تأمين مقعد دراسي لكل مواطن لبناني بعمر الدراسة، مع التركيز على التحاق الفتيات، ولكل لاجئ سوري بعمر الدراسة، مع تأمين برنامج تعليمي مختصّ للتلامذة السوريين في فترة بعد الظهر. كما أن إتاحة فرص تعليم مجاني مفتوح ضمن أي صف وأية مرحلة من شأنها تسهيل التحاق التلامذة وعدم تسّربهم لأسباب ماديّة. غير أن عدم تطبيق قانون إلزاميّة التعليم وتراجع أعداد التلامذة مع تقدّم الصف ومرحلة التعليم، وبنسب أكبر في التعليم الخاص، تشير إلى أن نظام التعليم لا يزال يسمح بتسرّب التلامذة، وإلى أنه يصطفي التلامذة ذات مستويات الأداء الأفضل، وخاصةً في القطاع الخاص. وعليه، فإن عدالة النظام التعليمي في لبنان لا تزال بحاجة إلى تطوير جدّي بفضل تعاون حثيث بين الدولة والمجتمع الأهلي، وبين مختلف القطاعات التعليميّة.
وماذا بالنسبة لدافعيّة المتعلّمين والتزامهم؟ يحتاج النظام التعليمي في لبنان إلى المزيد من الدراسات والتقصّي حول تصوّرات التلامذة وخبراتهم في المدرسة، وحول المناخ المدرسي السائد بغية الحكم على هذا المعيار.
خلاصة القول أن نظام التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان يسلك درب التطوير المستمر، الذي يظهر تدريجياً وببطء، ولكنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الجهود لتحقيق نقلة نوعيّة تضمن انتقال المجتمع اللبناني إلى عصر جديد من النمو والكفاءة.