بقلم البرفسور تيسير جمية*
إن مسألة البحث العلمي والإعتناء بتطوير إقتصاد المجتمعات من الأهمية بمكان ما يجعل منها ذات صلة رئيسة باستقلال وسيادة وحرية الأمم التي توليها كامل العناية والإهتمام. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقدم دولة من دول العالم وتلحق بركب الحضارة والأمم المتقدمة والمتطورة علمياً وتقنياً وتكنولوجياً ما لم يكن موجوداً فيها وزارة تعنى بشؤون البحث العلمي الذي به تتطور المجتمعات وتنتج وتستقل.
منذ عقدين ونحن ما برحنا نتحدث عن أهمية البحث العلمي في وطننا وكونه العامل الأساس لتحقيق التطوير، والإصلاح الحقيقي والتصنيع والإنتاج، وعندما ننظر إلى الواقع الحالي المعيش للبحث العلمي عندنا، يتبين لنا مدى الهوة السحيقة بينه وبين المستوى البحثي والأكاديمي في باقي دول العالم.ومهما كانت أسباب هذا التخلف فإن البقاء خارج دائرة التطور العلمي هو أمر غير مقبول، خصوصاً في ظل التقدم التقني للكثير من دول العالم والبحث الدائم الدؤوب، والتطوير المستمر، وصرف مليارات الدولارات على البحث العلمي، بينما لا ينفق لبنان شيئاً مذكوراً في هذا المجال.
كما أنه لا مكان فعلياً في وطننا لشيء اسمه البحث العلمي والذي ينبغي أن يتم الإنفاق عليه بسخاء ليتمكن الباحثون من اكتشاف الطريق الصحيح إلى التطور القائم على المعرفة، والتخطيط والمنهجية وليس على الإدعاءات والعشوائية.
إن المجتمعات في الدول المتقدمة تدعم المؤسسات البحثية ماديًا ومعنويًا، ولا تبخل عليها بالمال أو الإمكانات، حتى إنه في كثير من الأحيان تنظم المسيرات والتجمعات مطالبة الحكومة بالإنفاق بسخاء لإجراء المزيد من البحوث العلمية في مجالات التنمية التي ينشدها الوطن. بينما ينظر مجتمعنا نظرة سلبية إلى البحث العلمي، وربما يرجع ذلك للتنشئة الاجتماعية السيئة والناقصة غير المدركة لخطورة تدهور البحث العلمي عندنا، وتأخرنا عن ركب الحضارة.
إن البحث العلمي من أشق وأرقى وأجمل النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، وهو نوع من الإجتهاد أو الجهاد المقدس، من أجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنهوض، وهذا الجهد المنظَّم لا يمكن أن يجري في فراغ، لأنَّه ينبغي توفير الحرية والدعم و الأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية من تقنيين ومهندسين وباحثين، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل. إذ بالإنتاج الفكري وربطه بالتطبيقات العملية يمكن تحقيق الإنتاجية الكافية لتأمين استقلالنا الفعلي والإكتفاء الذاتي إن لم نقل التصدير وتحقيق الفائض من الأرباح.
إن وجود وزارة للبحث العلمي في لبنان أصبح من الضرورات التي لا يمكن التغاضي عنها بعد اليوم وخصوصاً بعد المناداة المستمرة بالإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد. وهي أشبه بضرورات المأكل والملبس والمشرب، ولا يمكن لأية وزارة أو مؤسسة في الدولة أن تحل مكان وزارة البحث العلمي أو مكان وزارة البحث العلمي والتعليم العالي.
وتكاد لا تخلو دولة من دول العالم من وجود وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي في حكوماتها ومستقلة بذاتها نذكر منها بعض الدول مثل مصر، الأردن، السودان، الجزائر، موريتانيا، الإمارات، العراق، تونس، اليمن، تشاد، روسيا، السويد، فنلندا، السنغال، الكونغو، أثيوبيا،الغابون، ماليزيا، بوروندي، غينيا، التوغو، بنين وجيبوتي. وقد نجدأحياناً هذه الوزارة مقسومة إلى وزارتين أساسيتين واحدة تعنى بالتعليم العالي كما في كل من سلطنة عمان، بلجيكا، إيران، أفغانستان وسوريا، وأخرى تهتم بشؤون البحث العلمي. والمتتبع لتكوين الحكومات ووزاراتها في العالم يجد في بعض الدول وزارة مستقلة للبحث العلمي والإبتكار. كما يوجد دول أخرى لديها وزارة للبحث العلمي والتكنولوجيا مثل الولايات المتحدة الأميركية وإيران،ونلاحظ وجودوزارة للبحث العلمي والإبتكار في الكاميرون والكونغو برازافيل واليونان ووزارة للبحث العلمي والإبتكار والعلوم في كندا، ووزارة للبحث العلمي والتكنولوجيا والتعليم العالي في إندونيسيا، ووزارة للإبتكار والعلوم والتكنولوجيا في المكسيك، ووزارة للتربية والبحث العلمي والثقافة في أيسلندا، ووزارة للعلوم والبحث العلمي في النمسا،ووزارة للتعليم العالي والتعليم الثانوي والبحث العلمي والتكنولوجيا في النيجر، ووزارة للتعليم العالي والتعليم الثانوي والبحث العلمي في بوركينا فاسو، ووزارة للتربية والبحث العلمي في كل من إستونيا، النروج،رومانيا، البرازيل، مدغشقر، رومانيا وليتونيا،ووزارة للتعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا في بوتسوانا،ووزارة للتكنولوجيا والبحث العلمي في سري لانكا، ووزارة للتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر في المغرب، ووزارة للتربية والتأطير والبحث العلمي في إلمانيا، ووزارة للتربية والبحث العلمي والثقافة في أيسلندا، ووزارة للبحث العلمي والتعليم العالي في تايلندا، ووزارة التربية والبحث العلمي والعلوم في غينيا الجديدة، ووزارة للعلوم والبحث العلمي في النمسا، ووزارة للتدريب والمواهب والإبتكار والبحث العلمي في ايرلندا، ووزارة للتربية والجامعات والبحث العلمي في إيطاليا، ووزارة للعلوم والبحث العلمي في قبرص.
كما يوجد دول كثيرة في العالم لها وزارات للتعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا والإبتكار مع وجود وزارة التربية قاسماً مشتركاً بين جميع الدول. فيما يلي نذكر بعض الوزارات والدول الموجودة فيها:
وزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا: تنزانيا، غامبيا، الدومينيك
وزارة التعليم العالي: سلطنة عمان، بلجيكا، إيران، أفغانستان، سوريا
وزارة العلوم والتعليم العالي: بولندا
وزارة الابتكار والعلوم والتنمية الاقتصادية: كندا
وزارة التعليم العالي والمهني: إلمانيا
وزارة العلوم والتكنولوجيا والإبتكار: أوغندا، ماليزيا، البرازيل، سري لانكا، الدانمارك، باناما
وزارة العلوم والتكنولوجيا: الصين، الهند، الباكستان، الفيليبين، فينزويلا، نيجيريا، جنوب أفريقيا، أنغولا، أوغندا، الهندوراس
وزارة التعليم العالي والعلوم: الدانمارك
وزارة التربية والعلوم: بلغاريا، أرمينيا، كازخستان
وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا: تركيا
وزارة الإبتكار والعلوم والتكنولوجيا: المكسيك
وزارة الصناعة والإبتكار والعلوم: أستراليا
وزارة العلوم والتكنولوجيا والبيئة: كوبا
وزارة التربية والثقافة: الباراغواي، الأوروغواي
وزارةالتربية والتدريب: فيتنام
وزارة التربية والتعليم العالي: فلسطين، لبنان
وزارة التربية والعلوم والثقافة: غانا، كرواتيا
وزارة التربية والعلوم والثقافة: اليابان
وزارة التربية والعلوم والتكنولوجيا: النيبال، تنزانيا، سيراليون
وزارة التربية والعلوم: طاجكستان، جورجيا، أرمينيا، أكرانيا، بلغاريا، البوسنه، جاميكا
وزارة التربية والعمل، مكلفة بالبحث العلمي والإبتكار: مالطا
وزارة التربية والعلوم والرياضة: سلوفانيا
وزارة التربية والعلوم والبحث العلمي والرياضة: سلوفاكيا
وزارة التربية والثقافة: قبرص
وزارة التربية: جميع دول العالم
ولبنان منذ الإستقلال حتى يومنا هذا لم يولِ مطلقاً أي اهتمام يذكر للبحث العلمي ما خلا نتفاً صغيرة هناك أو هناك في بعض المختبرات الصغيرة الموجودة في بعض الجامعات والتي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولا بد من التنويه هنا بدور المجلس الوطني للبحوث العلمية الذي تأسس في لبنان عام 1962 والذي ينحصر دوره حتى اليوم في الأمور التالية:
- حث وتشجيع البحث العلمي في العلوم الأساسية النظرية والتطبيقية.
- تنسيق البحوث العلمية التي تهم تطور البلاد الاقتصادي والاجتماعي وتوجيه هذه البحوث وتنظيمها في إطار برامج عمل وفقاً. ولتحقيق هذه الأغراض، يقوم المجلس على وجه التخصيص بما يلي:
- تقديم منح لنيل الدكتوراه او لمتابعة التخصص العالي.
- منح مساعدات لأمد محدود لباحثين ذوي أهلية معتبرة، ممن يتفرغون للبحث العلمي أو ممن يؤلف البحث العلمي قسماً من نشاطهم.
- تقديم مساعدات لبعض المختبرات او هيئات البحوث.
- مَنح اعتمادات لمؤسسات علمية على أساس تقديمها مشاريع بحوث علمية ذات فائدة إقتصادية أو إجتماعية ضمن خطة المجلس.
- إجراء بعض البحوث العلمية المعتبرة ذات اولوية لإنماء موارد البلاد، وذلك عن طريق التعاقد.
- إجراء بحوث بواسطة مستخدمي المجلس العلميين والفنيين المتعاقدين معه، وذلك عن طريق انتدابهم للعمل داخل المؤسسات العلمية التي تقبل بإيوائهم.
- تأمين نشر أعمال علمية في لبنان.
غير أن ذلك لم يمكِّن ويستحيل أن يمكن لبنان ضمن الوضع الحالي من أن يكون له بنى تحتية وتجهيزات بحثية وموازنة تساهم في رفع مستوى البحث العلمي في لبنان والذي لم يحظَ أساساً بأي دعم يذكر من قبل الحكومة اللبنانية منذ الإستقلال وحتى اليوم.
أما الجامعة اللبنانية والتي أنشئت عام 1951 فقد بقيت الأبحاث العلمية محصورة فيها ببعض النخب والمبادرات الفردية في بعض فروع كليات العلوم والآداب والعلوم الإنسانية وبقي الأمر كذلك حتى العام 2003 الذي أنشئت فيه الهيئة المركزية لإدارة البحث العلمي بقرار من رئيس الجامعة اللبنانية حينذاك البروفسور إبراهيم قبيسي والذي استطاع أن يقتطع مبلغاً مالياً (تجاوز ملياري ليرة لبنانية) من رواتب الأساتذة التي كانت تعطى بدل أتعاب على الأبحاث التي من الواجب القيام بها وحوَّل هذا المال لدعم مشاريع الأبحاث العلمية في الجامعة اللبنانية. لكن هذا الدعم المبارك وإن حرَّك عجلة البحث العلمي في الجامعة اللبنانية إلا أنه لم يرقَ إلى مستوى البحث العلمي المستدام بسبب النقص الشديد في البنى التحتية للبحوث وخصوصاً التجهيزات المخبرية التي تمكن الباحثين من القيام بأبحاثهم والتي من شأنها أن تساهم في تطوير الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والإقتصاد اللبناني. ناهيك عن عدم وجود أي خطة مدروسة لدى كل المسؤولين تهدف لتطوير الأبحاث والإبتكار والإبداع للنهوض بالإقتصاد في لبنان.
وإن الأبحاث الموجودة حالياً في لبنان أكانت فردية أو جماعية تسير خبط عشواء في وطن كل يغني على ليلاه. وأن كل باحث قدم إليه من جامعة أجنبية مختلفة تعلَّم فيها ونفَّذ بعض الأبحاث خلال دراسته القصيرة أمليت عليه من قبل أساتذته الأجانب، يريد في الواقع إسقاط حالته الخارجية والقيام باستكمال تلك الأبحاث في لبنان.
ولم يستطع الباحثون اللبنانيون من الخروج من دوامات أطروحاتهم التي حصَّلوها خلال دراستهم ولنقل إنهم ليس فقط لم يستطيعوا بل لم يريدوا أبداً القيام بخطوات إلى الأمام ولم يستخدموا ما تعلموه خلال دراساتهم من أجل تطوير وطنهم ليرقى إلى أعلى مستوى علمي وبحثي وتقني وتكنولوجي. وتركز جل اهتمامهم على نشر خمسة أبحاث ليترقوا إلى رتبة أستاذ ويحسنوا وضعهم المعيشي وكفى الله المؤمنين شر القتال.
وإن كان وجد بعض الباحثين المتميزين في وطننا حاولوا جاهدين العمل على تطوير أبحاثهم لخدمة المصلحة العامة، فإن المسؤولين في لبنان قد حطَموا عند هؤلاء المتميزين كل طموح وقتلوا كل إبداع لديهم وحاربوهم ومنعوا بعضهم من الإستمرار في تدريسهم وأبحاثهم وانهالوا عليهم بفأس جهلهم الطائفي والمذهبي والمناطقي ليتركوا المجال أمام حفنة من الوصوليين كي يتبوأوا مراكز ليسوا أهلاً لها ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون تطوير الوطن على أيديهم مما ساهم ويساهم في تجهيل مجتمعنا وضرب اقتصادنا واستشراء الفساد فيه في كامل جسده وشرايينه.
من هنا تأتي الأهمية القصوى لإنشاء وزارة للبحث العلمي أو على الأقل وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا كما هو الحال في معظم دول العالم ليس فقط المتقدمة منه بل وحتى التي هي في طور النمو أو التي هي الأكثر فقراً في العالم.
يأتي لبنان في المرتبة الأخيرة في مجال إنتاج البحوث العلمية الأصيلة ذات الصلة بالإبداع والإبتكار والتطوير والتكنولوجيا وهو حتماً آخر دولة في العالم بالنسبة للموازنة المخصصة فيه للبحث العلمي إذ لا يوجد أصلاً في موازنة الدولة اللبنانية بند يتعلقبالبحث العلمي وإن وجد فهو لا يتعدى فتاتاً ربما يكفي الباحث شرب الماء في حين أنه بأمس الحاجة للمأكل والملبس وسد الجوع.
أما فيما يتعلق بوزارة التربية والتعليم العالي في لبنان ومع كثرة الأعباء التي تثقل كاهلها، فإنه يستحيل أصلاً أن تقوم الوزارة بهذا الدور، علماً أنه لا يوجد في هيكليتها أساساً شيء مخصَّص للبحث العلمي ولا يمكن لأية وزارة لبنانية حالية أن تلعب هذا الدور وتقوم بوضع الخطط والأهداف للبحث العلمي التطبيقي. ووزارة التربية اللبنانية فيها ما فيها من الأمور والمسائل والمشاكل ما يجعلها أحياناً مشلولة عاجزة خلال فترة وجود الوزير على رأسها مهما كان هذا الوزير يتمتع بكفاءة عالية وإدارة حكيمة ونزاهة كف. فكيف إذاً أذا أنطنا بمعالي وزير التربية أمور التعليم العالي بكل تشعباتها وشؤونها وهمومها؟ ومعلوم أن لبنان يوجد فيه أكبر عدد جامعات في العالم منسوباً لعدد الطلاب إذ يبلغ عدد الطلاب في لبنان 150 ألف طالباً في حين أن عدد الجامعات فيه قد تخطى الخمسين جامعة ومعهد خاص، هذا ناهيك عن المعاهد الجامعية الفنية والتقنية التابعة لمديرية التعليم المهني. فهل يمكن بعد ذلك القول بأن وزارة التربية والتعليم العالي ينبغي أن تهتم بالبحث العلمي؟
لذلك لابد من أجل النهوض بهذا الوطن والترقي إلى مستوى تكنولوجي وتقني إنتاجي إبتكاراً وإبداعاً من وزارة للبحث العلمي مع موازنة عالية لا تقل عن 3 يالمئة من موازنة الدولة، تكون إحدى مهامها الأساسية رسم الخطط والأهداف للتقدّم العلمي الذي بدونه لن تستقل بلادنا ولن يرفرف فيها علم الأرز خفاقاً عالياً في سماء الحرية والسيادة والإبداع. ولا بد من تخصيص موازنة هامة لإنشاء مراكز أبحاث فاعلة وفعالة ترعاها هذه الوزارة وتقوم كذلك بتوظيف باحثين مستقلين في هذه المراكز كما هو الحال في معظم دول العالم إذ أن الأستاذ الجامعي الحالي قد أرهق إرهاقاً غير موصوف في تاريخ الجامعة اللبنانية بساعات التدريس والأعمال التطبيقية بشكل لا يسمح له بتخصيص وقت كافٍ للبحث العلمي ناهيك عن إلغاء ساعات الإشراف إضافة إلى النقص الشديد في التجهيزات المخبرية الأساسية وعدم تخصيص نفقات تشغيلية للمختبرات البحثية وعدم وجود مهندسين تقنيين يقومون عند الضرورة بتصليح الأعطال الناجمة خلال القيام بالأعمال البحثية والمخبرية.
ومن المعلوم أن المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان قد قام بعدة مبادرات سابقة من أجل إعفاء الأستاذ الجامعي من نصف نصابه التعليمي شرط قيامه بأبحاث علمية مدعومة من كل من المجلس الوطني للبحوث العلمية والجامعة اللبنانية. غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل.
أما سائر الأبحاث التي يقوم بها الباحثون في لبنان فهي بمعظمها بحوث نظرية وإن ارتقت هذه البحوث أحياناً لتكون تطبيقية عملية فإنها تُحفظ دائماً في أدراج جامعاتنا ولا تستفيد منها حكوماتنا لعدم وجود وزارة تعنى بشؤون البحث العلمي. ونحن في هذا المجال لا نفتري على أحد لأننا متيقنون بعدم مساعدة الباحثين الذين يحاولون أن يقوموا بأبحاث تطبيقية تساهم في حل مشاكل تعرض بها لبنان في السنوات القليلة الماضية وخير دليل على ذلك المختبر البحثي الذي نديره في كلية العلوم والذي نفَّذ دراسات بحثية نشرت في مجلات عالمية محكمة تعنى بمعالجة نهري الغدير والليطاني عبر تركيب مواد نانوية جديدة تقوم بالتقاط الملوثات الموجودة في المياه عامة ومعالجة مياه الصرف الصحي كما قمنا بدراسات تتعلق بمعالجة النفايات المنزلية الصلبة بعد القيام بالفرز من المصدر وإعادة تدوير المواد القابلة للتدوير ثم استخدام المواد العضوية المتبقية لتوليد الطاقة عبر التفكك الميكروحراري بصفر تلوث. ولكن كل تلك الدراسات بقيت طي الكتب وطي النسيان في وطن لا يوجد فيه أي اعتبار لا للأبحاث العلمية ولا للباحثين المتميزين.
إن وجود وزارة للبحث العلمي في لبنانمن شأنه إحداث نقلة نوعية لوطننا من مجتمع مستهلك مستعمَر مستعبَد إلى وطن مستقل متحرر ومنتج.
لذلك قام عدد كبير من دول العالم أرادت أن تستقل، بإنشاء مراكز أبحاث في مختلف حقول العلم والمعرفة وفي مختلف التقنيات الميكروية منها والنانوية وتقدَّمت بشكل تصاعدي جعلها مصدر إعجاب العدو قبل الصديق أذكر منها هنا أندونيسيا، كوريا، ماليزيا وإيران والتي أصبحت من كبرى الدول في العالم التي أحرزت تقدماً هائلاً في المجالات الصناعية والنانوتكنولوجية.كل ذلك حدث بسبب وجود وزارات للبحث العلمي وبتخصيص موازنة للبحث العلمي قد تصل أحياناً ل 10 بالمئة من الناتج القومي لتلك البلدان.
ويجب أن تكون وزارة البحث العلمي مسؤولة عن تطوير وتنفيذ سياسة الحكومة اللبنانية بشأن البحوث العلميةوتقع على عاتقها المسؤوليات التالية:
- إعداد خطة متكاملة لأولويات البحث العلمي في لبنان من شأنها تطوير لبنان وجعله دولة منتجة في المجالات التكنولوجية بما فيها الميكرو والنانوتكنولوجيا
- إنشاء مراكز جديدة للأبحاث العلمية وتجهيزها بكل المعدات والأدوات التقنية للقيام بالأبحاث العلمية المتميزة والتطبيقية وتدعيم المختبرات والمراكز البحثية الحالية وتوظيف العدد الضروري من الباحثين والمهندسين والتقنيين بما يسمح بالقيام بالأبحاث العلمية التطبيقية بشكل مستدام وتطبيقي وإنتاجي.
- تنشيط وتحريك وتنسيق ومراقبة أنشطة البحث العلمي في لبنان من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
- تثمين ونشر نتائج البحوث واستغلالها عملانياً، عبر الإتصال مع جميع قطاعات الاقتصاد الوطني والإدارات والهيئات الوزارية المعنية
- تنشيط التعاون الدولي وتوقيع الإتفاقيات في مجال البحث العلمي والإبتكار، بالتنسيق مع وزارة العلاقات الخارجية ووزارة التربيةوالتعليم العالي والإدارات المعنية؛
- متابعة البحوث العلمية في تصنيع الأدوية التقليدية والجديدة ، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة والوزارات المعنية.
- تكون الوزارة مسؤولة ولها حق الوصاية على كل المعاهد والمراكز البحثية الحالية والمستقبلية بما فيها الصناعية والزراعية والطبية والنفطية والجيولوجية على كامل التراب اللبناني
* العميد السابق لكلية الزراعة في الجامعة اللبنانية ومدير مختبر الأبحاث للمواد والتحفيز والبيئة والطرائق التحليلية