بوابة التربية- كتبت الباحثة وأستاذة الجغرافيا المربية *ليديا كرم:
منذ البداية خضعت الحركة في المحيطات الى حريّة مطلقة . مما حدّ من الحقوق الوطنية والولاية القضائية على المحيطات ، وفي حزام ضيّق من المياه المطلّة على السواحل .وتمّ الاعلان عن المساحة المتبقية من البحار على انها تمنح الحرّية للجميع ولا تنتمي الى اي بلد ..
لكن اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار جهدت الى ضمان استخدام البحار والمحيطات استخداما تعاونيا وسلميا ومحددا قانونا وذلك لصالح البشرية على المستويين الفردي والجماعي .وقعّت هه الاتفاقية عام (1982) فساهمت في حل عددا كبيرا من القضايا الهامة المتعلقة باستخدام المحيطات ..منها :
– تم تعيين الحدود البحرية الاقليمية (12ميلا)
– تحديد المناطق الاقتصادية الخاصة (200ميلا)
– وتمّ وضع آليات اخرى لحل النزاعات
استنادا الى هذه الاحكام خضع لبنان لاتفاقية الامم المتحدة بحقه من الثروة النفطية داخل مياهه الاقليمية ..فبدأت الدولة اللبنانية بتعيين حدودها البحرية ابتداء من العام (2002).واستكملتها في العام (2006 -2007)عندما رسم حدوده مع قبرص .ولكن الوفد المفاوض برئاسة رئيس الحكومة ” فؤاد السنيورة” حينها وقع بخطأ تقني فادح ادّى الى خسارة لبنان مساحة 2643 كلم2 لصالح اسرائيل عندما قبل بالخط رقم (1) جنوبا .لكن لبنان لم يصدقّ هذه الاتفاقية ولم يسلّمها للامم المتحدة .
بدأت المفاوضات بين اسرائيل وقبرص على الترسيم ..لما قطعت قبرص الامل بتصحيح الخطأ الذي خسّر لبنان مساحة بحرية وازنة،ذهبت على التفاوض مع اسرائيل على اساس الخط رقم (1).
سنة (2010) أودع لبنان الى الامم المتحدة حدوده البحرية الجنوبية أي الخط (23) ، واصدر سنة (2011) المرسوم (6433) الذي ثبّت هذا الخط .لكن الكيان المحتل رفض الاعتراف بالخط (23) واودع للامم المتحدة حدوده البحرية الممتدة من الناقورة حتى الخط رقم (1). نتج عنه خسارة لبنان (860كلم2) من المساحة الاقتصادية الجنوبية الغنية بالنفط والغاز. نشأ بسببها النزاع مع اسرائيل . على أثرها تحركت الادارة الاميركية واوفدت الديبلوماسي “فريدريك هوف” الذي حاول فضّ الخلاف، فاعطى لبنان 55% واسرائيل 45% من مساحة 860 كلم2 المتنازع عليها .وعلى اسمه وضع خط ” هوف “.
أعتبر هوف أن صخرة الخلاف هي جزيرة “تحيليت ” جزيرة يعني انها قابلة للنشاط السكاني والاقتصادي بينما هي لا تتعدى كونها صخرة ازغر من صخرة الروشة وطبعا غير مأهولة .
رفضت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني هذا التقرير، فقامت بمسح دقيق للشاطىء ،بيّنت فيه أن للبنان مساحات مائية اضافية جنوب الخط (23) المعني بموجب المرسوم (6433)تقدّر بحوالي (1400كلم2)وتشمل جزء من حقل “كاريش. واقترح تعديل هذا المرسوم من خلال رسائل بعث بها الى المسؤولين .
في مجال مواز كان الفريق العسكري التقني المفاوض قد اودع الرؤساء الثلاثة كيفية رسم الخط (29)،اضافة الى قانونيته والتشديد عليه .وعلى توقيع التعديلات على المرسوم (6433) كي يتم اعتماده خطا للحدود البحرية اللبنانية الجنوبية .
أحالت حكومة حسان دياب المرسوم بشكل استثنائي الى رئيس الجمهورية كي يوقعه .لكنه رفض . لان المرسوم صدر بموافقة جماعية ، وتوقيعه غير دستوري ويتطلب حكومة ملتئمة.
بدل التوقيع على المرسوم بعث لبنان رسالة الى الامم المتحدة اكّد فيها تمسكّه بحقوقه وفقا للخط (29)،اضافة الى تمسكه بحق الدولة اللبنانية اجراء التراخيص في البلوكات(8-9-10)…
فتوقفت المفاوضات التي انطلقت بين الطرفين عام 2020جرّاء الخلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها .واعتبرت السلطات اللبنانية ان أي عمل استكشاف او تنقيب او استخراج تقوم به اسرائيل في المناطق المتنازع عليه ، يشكّل استفزازا وعملا عدوانيا .
في الاول من تشرين الاول سنة 2020 أعلن رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري عن التوصل الى اتفاق اطار لاطلاق المفاوضات بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البرية والبحرية بينهما .نص الاتفاق وضعته الولابات المتحدة الاميركية.انعقدت الجولة الاولى من المفاوضات بين ممثلي لبنان واسرائيل في مقر الامم المتحدة في الناقورة في 14تشرين الاول .لكن هذا الاتفاق لا يطرح اي بدائل في حال فشلت المفاوضات بين الطرفين . بالمقابل بعثت الدولة اللبنانية الى الامم المتحدة رسالة اكدّت فيها تمسكها بحقوقها وفقا للخط(29). وحقها باجراءالتراخيص في البلوكات (8-9-10).رفضت اسرائيل التقرير وردت عليه بالخط(310)الذي اسمته الخط الاحمر وهو توسيع متطرف لحدودها وغير مبني على اي اسس قانونية وعلمية . مجدداتوقفت المفاوضات ..
لكن دخول الباخرة اليونانية على بعد( 5 اميال)من حقل كاريش للتنقيب عن النفط في المياه الاسرائيلية ادّت الى اعادة استكمال البحث ، فدعت السلطات اللبنانية الوسيط الاميركي “أموس هوكشتاين “للتدخل وتحديد ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل، والعمل على انهائها في اسرع وقت ممكن ،وذلك لمنع تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار التي تعيشها المنطقة .
بدأ الوسيط الاميركي “أموس هوكشتاين” في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود جنويا بين لبنان والجانب الاسرائيلي واجتمع مع المسؤولين اللبنانيين المطّلعين على الملف .ومن بعدها كان لقاؤه مع كل من الرؤوساء الثلاثة.
سمع “هوكشتاين” موقفا موحدا. في لقاء بعبدا كان موقف لبنان التفاوضي اكثر قوة مما كان عليه سابقا .مع الاجماع اللبناني دار الحديث حول خط (23) مع مجموعة خطوط من بينها خط يسبق الخط(29) ويعطي لبنان كامل حقل (قانا) الى جانب محافظته على باقي البلوكات اللبنانية .
يبدو ان الوسيط الاميركي جاء مستمعا دون أن يحمل أجوبة على الطرح اللبناني .تؤكد المصادر أن أجواء لقاءات “هوكشتاين”كانت جيّدة وبدا اكثر انفتاحا .وتمنى أن يكون الموقف اللبناني موحّدا حقا.. أكد ان الولايات المتحدة ترغب في تسريع التفاوض ،لافتا الى ان لبنان يدرك أن أي شركة عالمية لن تعمل في المياه اللبنانية قبل التوصل الى اتفاق .
غادر هوكشتاين الى الولايات المتحدة للتواصل مع الجانب الاسرائيلي والحصول على جواب منهم .متمنيا العمل مع السلطات اللبنانية والاسرائيلية للمساعدة في حل الخلاف بشأن المنطقة المتنازع عليها .
وأخيرا لا بد من الاشارة أنه للاسف ما شهده مسار المفاوضات والمرحلة الحالية من هجوم ممنهج ليس سوى حملة مزايدات اعلامية وتسجيل نقاط على العهد ليس اكثر.. أضف الى ذلك موقف بعض القادة السياسيين الذين يرفعون سقف خطاباتهم دون الاستناد الى أي تقرير رسمي مبني على الخط(29) كحدود رسمية للبنان.
ومن المؤكد أن العهد متمسّك بكامل جق لبنان من ثروته الغازية والنفطية ،كيفما جاء ردّ الوسيط الاميركي .
*معلمة في ثانوية بسكنتا ومؤلفة لمجموعات الأطلس وباحثة عميقة بكل ما يخص علم البحار والحدود الجغرلفية