كتب أنس عادل عوض الله(1):
في خضم الأزمات والنزاعات المسلحة التي تعصف بالعديد من مناطق العالم، يبرز التعليم كمنارة أمل وعامل حاسم في حماية الأطفال والشباب وتوفير الاستقرار وبناء أسس المستقبل، ومع ذلك تواجه الأنظمة التعليمية في هذه السياقات تحديات هائلة تهدد استمراريتها وجودتها ويقف المعلمون في خط المواجهة الأول مطالبين ليس فقط بتقديم المعرفة بل بتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب المتأثرين بالصدمات، والتكيف مع بيئات تعليمية غير مستقرة وموارد محدودة للغاية لذلك ضمان استمرارية التنمية المهنية للمعلمين وتزويدهم بالكفاءات اللازمة للعمل بفعالية في هذه الظروف القاسية يعد أمراً ضرورياً وحيوياً ،في هذا السياق برزت تكنولوجيا التعليم كأداة واعدة يمكن أن تساهم في التغلب على بعض هذه الحواجز، ومع ذلك، فإن مجرد استخدام التكنولوجيا لا يضمن الفعالية أو الجودة حيث من الضروري ربطها بمعايير جودة واضحة ومناسبة لسياقات الطوارئ، واستكشاف آليات مرنة للاعتراف بهذه الجهود واعتمادها.
**تحديات التنمية المهنية للمعلمين في مناطق النزاع:
تتسم بيئات النزاع والأزمات بمجموعة معقدة ومتشابكة من التحديات التي تعرقل بشكل كبير توفير فرص تنمية مهنية فعالة ومستدامة للمعلمين ومنها:
1) المخاطر الأمنية المستمرة، والقيود المفروضة على الحركة، وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.
2) يؤدي استهداف المدارس ومراكز التدريب والبنية التحتية للاتصالات والكهرباء إلى فقدان الأماكن المادية للتدريب وصعوبة بالغة في استخدام أي تقنيات تتطلب اتصالاً مستقراً أو مصادر طاقة موثوقة (اليونسكو، 2022).
3) تؤدي موجات النزوح الكبيرة للمعلمين إلى عدم استقرار القوى العاملة التعليمية، وتغيير مستمر في الاحتياجات التدريبية، وصعوبة في متابعة المعلمين وتسجيلهم في برامج طويلة الأمد (اليونيسف، 2014).
4) مستويات عالية من التوتر والصدمات النفسية والقلق والخسائر الشخصية، مما يؤثر سلباً على صحتهم النفسية ودافعيتهم وقدرتهم على التركيز والانخراط في التعلم.
** دور التكنولوجيا في دعم التنمية المهنية للمعلمين في سياقات النزاع:
تقدم تكنولوجيا التعليم مجموعة من الإمكانيات التي يمكن أن تساعد في التغلب على الحواجز التي تعيق التنمية المهنية للمعلمين في مناطق النزاع، عند تصميمها وتطبيقها بشكل مناسب للسياق، يمكن للتكنولوجيا أن:
1) الوصول إلى فرص التطوير المهني بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو القيود الأمنية المفروضة على حركتهم.
2) يتيح التعلم غير المتزامن للمعلمين الوصول إلى المواد التدريبية وإكمال الأنشطة في الأوقات التي تناسبهم وبالسرعة التي
تلائم ظروفهم الشخصية والمهنية المتقلبة، هذه المرونة ضرورية في السياقات التي قد ينقطع فيها الاتصال أو الكهرباء أو تظهر فيها احتياجات طارئة أخرى (الشمري، 2020).
3) استخدام المنصات عبر الإنترنت وتطبيقات التواصل لربط المعلمين المعزولين ببعضهم البعض وبمدربين وخبراء، بهدف تبادل الخبرات والموارد، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي المتبادل ومكافحة الشعور بالعزلة المهنية.
4) بناء الكفاءات الرقمية للمعلمين، وهي مهارات أصبحت ضرورية بشكل متزايد للتدريس الفعال في القرن الحادي والعشرين، وخاصة في سياقات تتطلب حلول تعلم عن بعد أو مدمج (هيئة تقويم التعليم والتدريب، 2023).
** استراتيجيات ونماذج للتنمية المهنية المستندة إلى التكنولوجيا في مناطق النزاع:
1) التعلم المدمج: حيثما أمكن، يمكن الجمع بين مكونات التعلم عبر الإنترنت (مثل الوحدات الدراسية الذاتية، والمناقشات الافتراضية) مع بعض أشكال التفاعل المباشر (مثل ورش العمل المحدودة في أماكن آمنة، أو مجموعات التعلم الصغيرة، أو زيارات الدعم من قبل الموجهين) لتعزيز التفاعل وبناء العلاقات، مع الحفاظ على المرونة التي يوفرها التعلم عن بعد (إبراهيم، 2016).
2) التركيز على الحلول التي تعتمد على التكنولوجيا المتاحة على نطاق واسع مثل: الهواتف المحمولة، تطبيقات المراسلة الرسائل النصية القصيرة، الراديو التعليمي، والمحتوى الصوتي أو المرئي القابل للتنزيل للاستخدام دون اتصال بالإنترنت.
**نحو الجودة والاعتماد في التنمية المهنية القائمة على التكنولوجيا في الأزمات:
إن مجرد توفير فرص التنمية المهنية عبر التكنولوجيا لا يكفي؛ بل يجب ضمان جودتها وملاءمتها للسياق وربطها بآليات اعتراف مناسبة، ولتحقيق ذلك يجب علينا:
1) تطبيق المعايير الدنيا للتعليم في حالات الطوارئ وخاصة المعايير المتعلقة بالمعلمين والتدريس والتعلم، مع التركيز على تطوير الكفاءات الأساسية التي يحتاجها المعلمون للعمل بفعالية في الأزمات، مثل توفير الدعم النفسي والاجتماعي، وتطبيق أساليب التدريس المراعية للصدمات، وإدارة الفصول الدراسية غير المستقرة، واستخدام التكنولوجيا بشكل آمن ومناسب.
2) دمج آليات للتقييم المستمر بشكل دوري، حيث تساعد هذه المعلومات على تكييف وتحسين البرامج التدريبية لتلبية الاحتياجات المتغيرة للمعلمين بشكل أفضل (عبد الرحمن، 2023).
3) استكشاف نماذج بديلة ومرنة للاعتراف بجهود التعلم المهني للمعلمين مثل: الشهادات الرقمية، الشارات المفتوحة سجلات المهارات، أو الاعتراف بالتعلم القائم على الكفاءة.
** التوصيات:
بناءً على ما سبق، نقدم التوصيات التالية:
1) تبني مقاربة شاملة ومتكاملة تكون جزءاً من استراتيجية شاملة لدعم المعلمين في مناطق النزاع، تشمل أيضاً الدعم النفسي والاجتماعي، وتوفير الحوافز، وتحسين ظروف العمل، وتعزيز الأمن والسلامة(الحملة العربية للتعليم للجميع، 2022).
2) تصميم حلول مناسبة لسياق الطوارئ الموجود بما في ذلك البنية التحتية المتاحة، والقدرات التكنولوجية للمعلمين والاحتياجات التدريبية الملحة، والموارد المتوفرة حيث لا توجد قوالب جاهزة تناسب جميع السياقات (الشمري، 2020).
3) بناء القدرات المحلية في مجال تصميم وتنفيذ وتقييم برامج التنمية المهنية القائمة على التكنولوجيا، لضمان استدامة هذه الجهود وتقليل الاعتماد على الخبرات والتمويل الخارجي (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2015).
4) تعزيز التعاون والتنسيق مع كل مكونات المجتمع والمؤسسات الأكاديمية بهدف تجنب ازدواجية الجهود وضمان الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة.
5) توثيق ونشر الممارسات الناجحة بهدف تسهيل تبادل الخبرات والتعلم المتبادل بين مختلف السياقات (اليونسكو، 2019).
(1) طالب ماجستير
- المراجع:
1) إبراهيم، حسام الدين السيد محمد (2016)، التنمية المهنية للمعلمين المُتمركزة على مدارس التعليم الأساسي بمحافظة الداخلية في سلطنة عُمان (دراسة ميدانية)، المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، القاهرة.
2) الحملة العربية للتعليم للجميع، (2022)، ورقة التعليم في الطوارئ في المنطقة العربية. الحملة العربية للتعليم للجميع.
3) الزبيدي، نجاة علي، تطوير التنمية المهنية لمعلمي مرحلة التعليم الأساسي في ليبيا: دراسة نظرية ليبيا: جامعة طرابلس.
4) الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (ب.ت)، المعايير الدنيا للتعليم: الجهوزية، الاستجابة، التعافي. نيويورك: الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ.
5) الشمري، عبد الرحمن، (2020)، معوقات استخدام التكنولوجيا في التنمية المهنية للمعلمين دراسة ميدانية، مجلة جامعة حمص للبحوث العلمية، 42(3)، 121-145.
6) المركز المصري للدراسات الاستراتيجية، (2021، 13 سبتمبر)، التنمية المهنية للمعلمين بين الواقع والمأمول، المركز المصري للدراسات الاستراتيجية.
7) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم [ألكسو]، (2015)، تطوير سياسات المعلمين في الوطن العربي، تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
8) اليونسكو، (2022)، حالة الاستثمار في التعليم في سورية: التكاليف والتنمية، باريس: اليونسكو.
9) اليونيسف، (2014)، التقرير السنوي لعام 2013، نيويورك: اليونيسف.
10) عبد الرحمن، محمد، (2023)، خصائص المعلمين وبرامج إعدادهم وتأهيلهم بالجمهورية اليمنية، مجلة العلوم الإنسانية، 12(2)، 45-67.
11) هيئة تقويم التعليم والتدريب، (2023)، المعايير والمسارات المهنية للمعلمين في المملكة العربية السعودية، الرياض: هيئة تقويم التعليم والتدريب.