يوسف كلوت*
خاص بوابة التربية:
يكمُن المعنى المُجدي لإقرار وتنفيذ سلسلة الرتب والرواتب أولاً في إراحة المعنيين بها مادياً إلى حدٍ ما، وثانياً في فتح كوّة في النظام الضريبي حيث حُمِّل أهل المصارف والمال والعقارات جزءاً من التمويل، وثالثاً في المعنى التدافعي الإنتزاعي لهذا الإقرار والتنفيذ حيث كان للضغط الذي شكّله أساتذة الثانوي وسواهم من الموظفين منذ العام 2012 الثقل الحاسم الذي حشر من حشر من أهل السياسية والمال بحيث عجزوا عن إحباطه بشكل كامل لا سيما مع الضغط السياسي الذي حصل في الجولة الأخيرة للإقرار والتنفيذ في هذه المرحلة التي يُعاد فيها تركيب الكيان.
إلا أنه في موازاة ذلك تمَّ الإلتفاف على الأساتذة والموظفين في أكثر من مسألة هامة عبر قانون السلسلة المُقر، فمواده المتعلقة بالوظيفة العامة ومنع التوظيف والتقديمات الإجتماعية والتقاعد تفتح الطريق لانقلابٍ على منجزات المرحلة الشهابية المتعلقة بتحصين الوظيفية والإدارة العامة تجاه السياسة وبترسيخ الحماية الإجتماعية، وذلك في سياق ما هو مطلوب من المؤسسات المالية الدولية التي تتخذ نهجاً واضحاً وصريحاً من النيوليبرالية التي يضرب منطقها كل ما يمتّ إلى الحقوق المكتسبة بصلة. وكذلك فإن في الجداول التي أقرها قانون السلسلة ونسب الزيادة فيها ما أدَّى إلى تراجع الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي، وفي فذلكته أيضاً ما أجهض المنطق الذي يقوم عليه الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي حيث جاء في هذه الفذلكة أن السلسلة أتت لتردم الهوة التي حصلت بين الرواتب بفعل قوانين قضت بزيادات إستثنائية (أي القوانين التي زادت للأستاذ الثانوي 10.5 درجات)، وردم الهوة هنا يعني إلغاءً عملياً للفارق الذي أحدثته هذه القوانين الاستثنائية، وهو ما يلغي بدوره حق الأستاذ الثانوي بالـ 60% التي أخذها مقابل الزيادة في ساعات العمل ويُصَعِّب مهمة استعادتها.
يقف أساتذة التعليم الثانوي ورابطتهم إزاء ذلك أمام جملة من التحديات الوظيفية والمادية الخاصة بهم وحدهم، وجملة من التحديات المماثلة المُشتركة بينهم وبين سواهم من الموظفين سواء منهم الداخلين في التعليم أو في سواه.
ففيما يتعلق بالحصانة والثبات الوظيفي، يبدو أن الضغط الذي مورس وأهمّه ضغط هيئات الرقابة والتأديب والقضاء الإداري لا سيما بيان رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود قد أدَّى إلى استجابة المجلس النيابي وإعادة المادة 37 (تقييم آداء الموظفين) من مشروع قانون السلسلة إلى الحكومة عبر المادة 35 من قانون السلسلة المُقر (أي 46/2017) بغية صياغتها من جديد في مشروع قانون مستقل، وقيَّــد هذه الصياغة بأمرين إذا تمّت مراعاتهما تُحفظ حينئذ الحصانة ويُصان الثبات الوظيفي، الأمر الأول هو نقل مرجعية التظلُّم من الوزير إلى الهيئات الرقابية، والأمر الثاني هو إشتراط أن لا يتعارض النص المستجد مع النصوص المرعيَّة الإجراء، والنصوص المرعية الإجراء في هذا الشأن هي الدستور والقانون الإداري والمرسوم 112، وهذا يُثبِت أن المادة 37 لم تُقر كونها تتعارض مع هذه النصوص المرعية التي تؤكد من الناحية الدستورية ومن حيث حق المواطنة على أن لا عقوبة دون تحديد المخالفة، وكذلك على مستوى التشريع الإداري حيث في المرسوم 112 ترتبط العقوبة على الموظف بإخلال الموظف بآداء مهماته المنصوص عليها. والعقوبة – والحالة – هذه بما فيها عقوبة الحد الأقصى أي الصرف من الخدمة لا يُمكن أن تصدر على خلفية تقييم القدرات والمؤهلات التي دخل الموظف على أساسها إلى الوظيفة بل لمخالفة أو إخلال بالآداء الوظيفي وفقاً لتوصيفه في النصوص القانونية المرعيَّة، ولا يُمكن أن تصدر إلا عن هيئة قضائية أو تأديبية محايدة وبعد إجراء تحقيق وإثبات يستند إلى مبدأ الوجاهية ويأخذ بعين الإعتبار حصانة الموظف. وهذا يعني أن التعديلات التي تطلبها المادة 35 في قانون السلسلة المُقر تُثبِّت لهيئات الرقابة مرجعية مزدوجة، أي مرجعيتها الحصرية بإنزال العقوبة بالموظف ومرجعية البت في تظلُّمه في حال تقييمه بصورة مُجحفة. وفي هذا السياق لا بد من التساؤل لماذا الإصرار على كلمة “تظلُّم” فهل أصبحنا في ديوان سلطاني أم أننا مواطنون لنا حق الدفاع والإعتراض وتقديم شكوى أمام الهيئات القضائية والرقابية!
رغم أن هذا التقييد قد فتح الأفق على صياغة تضمن الحصانة والثبات الوظيفي كما ذكرنا إلا أن الخطورة لا تزال قائمة ومحتملة الحدوث على الأرجح حيث لا ضمانة نهائية وحاسمة أن تأتي هذه الصياغة على النحو الذي حدّده التقييد في المادة 35 من قانون السلسلة المُقر، وهو ما يُرتِّب على رابطة الثانوي والروابط الأخرى مسؤولية فعلية بالتمسك بهذا التقييد والمشاركة بإنضاجه في مشروع القانون المُرتقب مستعينة بقانونيِّين وبالتواصل مع هيئات الرقابة والتأديب والقضاء الإداري، وأيضاً بالتواصل مع نقابات المعلمين والموظفين في الإتحاد الأوروبي بغية الإستفادة من تجربتها في هذا المجال لا سيما وأنها تمكَّنت من إرساء تقييم للآداء في الإتحاد الأوروبي لا يخرق التوازن في الواجبات والحقوق بين الإدارة العامة والموظفين ولا يفتح بالمجال للاعتباط والمزاجية والكيدية.
وأما الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي، فواضح من خلال الجداول وكل المقارنات بالأرقام والنِسَب التي نُشِرت أنه قد تراجع بنسبة كبيرة تصل إلى ما بين الـ 35% والـ 50%، وقد أشار بيان رابطة الثانوي بتاريخ 22 تموز 2017 إلى ذلك بطريقة غير مباشرة حين اعتبر “… أن ما تحقق هو جزء من حقوق الأساتذة، …”. فلا بد والحالة هذه من تظهير معايير تحديد هذا التراجع حتى لا يُحجَب في غمرة المبلغ المادي الذي حصل عليه كل أستاذ بحسب درجته، وتحديد هذا التراجع في الوقع الوظيفي لا يُمكن أن يتم إلا بالإرتكاز إلى القوانين ذات الصلة 53/66 و22/82 و45/87 وبمقارنة موقع الأستاذ الثانوي مع المواقع الوظيفية التي يتحدَّد بالمسافة عنها وهي موقع الموظف الإداري فئة ثالثة وموقع الأستاذ الجامعي وموقع معلم الأساسي. وأكثر من ذلك فإن القوانين الإستثنائية التي أُقرِّت بموجبها الـعشر درجات ونصف، والتي نعتبرها نحن أساتذة التعليم الثانوي أنها كانت مقابل الـ 60% التي تحفظ موقعنا الوظيفي مقابل زيادة ساعات العمل الأسبوعية، كانت قد وضعت هذا الإقرار الإستثنائي مقابل زيادة عدد السنوات التي يبدأ بعدها التناقص أي فعلياً زيادة نصاب الأستاذ الأسبوعي، والآن في السلسلة الجديدة (قانون 46/2017) طار جزء كبير من الـ 60% وبقيت زيادة السنوات التي يبدأ بعدها التناقص، هذا فضلاً عن الزيادة الأساسية في ساعات العمل الأسبوعية!
كل ذلك في الوقت الذي تمَّت فيه تجزئة زيادة المتقاعدين إلى ثلاث دفعات (أي لا مفعولاً رجعياً للجزئين الثاني والثالث)، وبالإضافة إلى ذلك فهناك خطر إصدار نظام جديد للتقاعد والصرف من الخدمة سيطال على الأرجح من يحق لهم الإستفادة من تعويض الموظف المتوفى خاصة الزوجة والبنات المطلقات أو العازبات.
وأمـــا التقديـــمات الإجتماعيـــة فهـــناك خطر جدي من أن يتـــم توحيدهـــا على الســـقف الأدنى أي الســـقف الذي يُعطيـــه الضمـــان الاجتماعي للعمـــال المنتـــسبين إليـــه وليــس لموظفيه؟
وتجدر الإشارة في سياق تحديد الخسائر إلى أن المفعول الرجعي للسلسلة عموماً وهو حق أسوة بما حصل عليه القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية منذ العام 2011 قد تم سلبُه، بحيث خسر كل أستاذ وموظف منذ 1-7-2012 التاريخ الذي تم التوافق عليه لبداية سريان السلسلة آنذاك وإلى 21-8-2017 تاريخ سريان السلسلة الحالية زيادة 62 شهراً أي عشرات الملايين من الليرات، فمثلا من كان على الدرجة 31 من الأساتذة خسر ما يقرُب من 60 مليون ليرة لبنانية!؟
على كل الأحـــوال فإن ما وصلت إليه الأمور يضعنـــا جميعاً أساتذة ورابطة أمام تحديات كبرى لا بد من التصدي لها بفاعلية لاسترداد ما تم قضمه وسلبه من حقوق الأساتذة ومكتسباتهم. ولا ننسى الإشارة هنا إلى أن واقع الهيئة الإدارية لرابطة الثانوي اليوم قائم على كونها تحمل تمثيلاً مزدوجاً أي أنها من جهة تمثل القوى الحكومية- النيابية صاحبة القرار ومن جهة أخرى تحمل تمثِّيلاً للأساتذة بالانتخاب، وهو ما يضع بدوره أفرادها أمام مسؤوليات جسيمة تجاه حقوق الأساتذة المذكورة ومصيرهم ومصير قطاع التعليم الثانوي برمته.
– فما هي الرؤية والوسائل الفعَّالة الضاغطة في المُقبل من الأيام والأشهر لمنع زيادة الخسائر ولاستعادة ما تم قضمه سواء ما هو خاص بأساتذة الثانوي أو ما هو مُشترك بينهم وبين سواهم من الموظفين؟
– كيف سنمنع تهديد الحصانة والثبات الوظيفي في مشروع القانون المتعلق بتقييم الآداء الوظيفي الذي ستقترحه الحكومة خلال ستة أشهر؟
– كيف سنستعيد الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي؟ وهل حقاً هناك إمكانية لإقرار مشروع قانون الموقع الوظيفي؟ وإذا كان الجواب بلا، فماذا سنفعل؟
– كيف سنمنع تدني سقف التقديمات الاجتماعية؟
– كيف سنفتح ثغرة في جدار منع التوظيف بحيث تضمن إستمرار ضخ ملاك التعليم الثانوي بالكفاءات اللازمة؟
– كيف سنمنع تعديل نظام التقاعد بما يضرب الحقوق المستقبلية للأساتذة وعائلاتهم؟
– وماذا سنفعل لانتزاع حق المشاركة في صنع القرار التربوي وحق المشاركة في لجنة المؤشر؟
– ماذا سنفعل بالنسبة لتوحيد المراسيم المختلفة التي تم بموجبها تعيين أساتذة التعليم الثانوي؟ وذلك لاستعادة حقوق جزئية عدة لا سيما ما يتعلق بإعطاء درجة الكفاءة ومفعولها الرجعي للأساتذة المُعيّنين في الأعوام 1995- 1996 و2004- 2005 أسوة بمن سبقهم ومن لحق بهم.
– وماذا سنفعل بالنسبة لإدخال الدرجات التي أُقرّت بقوانين إستثنائية (قانون 148/99: 6 درجات- وقانون 159/2011: 4.5 درجات) وقانون السلسلة الحالي (قانون 46/2017: 6 درجات) في صلب الراتب؟
– وماذا سنفعل لتصحيح مشكلة الشطور في ضريبة الدخل وتوسيعها ربطاً بالحد الأدنى المعمول به للأجور؟
– وماذا سنفعل لإعادة ربط التعويضات الشهرية التي يتقاضاها الأساتذة والموظفون عن الزوجة والأولاد والنقل بالحد الأدنى المعمول به للأجور وفقاً للنسب المحدَّدة في القوانين المرعية (تعويض الزوجة 20% – تعويض الولد 11% – بدل النقل 2%).
وماذا وماذا… وكيف وكيف …؟
إن الخسائر والمخاطر والتحديات المذكورة الخاص منها بأساتذة الثانوي والمشترك بينهم وبين غيرهم لا بد من الرد العملي عليها وفقاً لرزنامة زمنية محدّدة بغية مواجهتها على النحو اللازم والمُجدي الذي يُعيد للتعليم الثانوي الرسمي مكانته ودوره في تأمين حق التعليم المجاني العالي الجودة للجميع، وللمهنة أخلاقياتها وانتظامها القانوني، وللأساتذة حقوقهم وحضورهم الذاتي الأصيل وقرارهم الفعَّال ودورهم الوازن، وهو ما لم نهدأ عن العمل لأجله ونأمل انتزاعه.
* يوسف كلوت (مندوب في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي) السبت 28-10-2017