دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة الميلاد، الدولة اللبنانية إلى ان تتولى دفع فروقات رواتب المعلمين الناتجة عن السلسلة الجديدة. وجه الراعي رسالته بعنوان: “من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء” الى اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا مقيمين ومنتشرين في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، في حضور المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والاكليروس.
بعد الصلاة المشتركة كانت كلمة للرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم باسم الرؤساء العامين والرئيسات العامات قال فيها: هذه السنة، حملت معها أيضا بعض المخاطر، لعل أهمها ما حمله القانون 46، من خطر ليس فقط على مستقبل التعليم الخاص بل على حرية التعليم بشكل عام في لبنان. وكنتم يا صاحب الغبطة أول من تنبه للأمر، فبادرتم إلى طلب إعداد الدراسات والأبحاث وإلى تشكيل اللجنة الداعمة للجنة الأسقفية للمدارس وللأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، حرصا منكم على متابعة رسالة التعليم التي تفخر الكنيسة بأنها كانت الرائدة بها مع قدوم الإرساليات ومع المجمع اللبناني في بداية القرن الثامن عشر وحتى يومنا. هذه الرسالة التي حملت الكنيسة ومؤسساتها مسؤوليتها، جعلت من لبنان ومن إنسانه ما هو عليه اليوم.
وأسمحوا لنا يا صاحب الغبطة، ان نعبر بوضوح وصراحة، بأننا فخورون برسالتنا التربوية وحريصون عليها، وبأننا سوف نضحي بكل ما يجب في سبيل متابعتها.
بأننا كذلك، لسنا نخاف على رهبانياتنا وجمعياتنا وكنيستنا من إقفال المدارس، هناك قطاعات أخرى بحاجة ماسة إلى من يتكرس لخدمتها.
ما نخشاه هو تغيير وجه لبنان فيصبح أقل تنوعا وتألقا ورقيا، ما يقلقنا هو ضياع الإمكانيات العلمية والثقافية والإبداعية على شبابنا اللبناني، ما نخشاه هو عدم تمكن أهلنا وأخوتنا وأبناء جيلنا من توريث إمكانياتهم العلمية لأبنائهم وبناتهم،
وما نخشاه أيضا، هو ضياع فرصة التعليم على العدد الأكبر من الأساتذة والمعلمات الكفؤ والكفوءات في المدارس الخاصة”.
وتابع: “تداعيات هذا القانون قد تؤدي في المستقبل القريب إلى تغيير جذري في المستوى العلمي والثقافي لجميع الشباب اللبناني ولقدراته التنافسية مع البلدان المحيطة. إن هذا القانون الذي ينصف الأساتذة بالظاهر، يشكّل خطرا على حريّة الأهالي في اختيار مدارس أبنائهم، بحيث ستصبح المدارس الخاصة بعد سنوات قليلة حكرا على فئة صغيرة جدا مقتدرة ماليا في المجتمع، وسوف تقفل قريبا الكثير من المدارس الصغيرة والمتوسطة وبعض المدارس الكبيرة خاصة في الجبال والأرياف، مما سوف يتسبب بفقدان الكثير من فرص العمل في هذه المناطق وبتهجير جديد. لقد اختبرت بعض البلدان المحيطة هذا الأمر والنتائج واضحة. لكن يبدو أن الناس عائدون من الحج والبعض ذاهبون.
لكننا واثقون بحكمة فخامة الرئيس وبأنه لن يفرط بالمستوى العلمي للشباب اللبناني والذي يشكل ثروته الأولى والأخيرة، وبأنكم يا صاحب الغبطة سوف تتابعون، بهمتكم المعهودة، هذا الموضوع مع الوزارات والسلطات المختصة”.
ومما جاء في رسالة الميلاد للراعي: إن رأسمال اللبنانيين هو العلم والتربية الرفيعة. ومن حق الأهالي اختيار المدرسة التي يريدون لأولادهم، من أجل هذه الغاية. يؤسفنا أن يكون قانون سلسلة الرتب والرواتب قد أحدث بعض الشرخ في قلب الأسرة التربوية الواحدة: بين المعلمين وأهالي الطلاب والمدارس الخاصة. إن المدرسة الخاصة، ولا سيما الكاثوليكية، معنية بالمحافظة على المعلمين وضمان حقوقهم، وعلى أهالي الطلاب بالتخفيف عن كاهلهم، إيمانا منها بدورها ورسالتها على المستوى العلمي والتربوي والاجتماعي والوطني.
من واجب الدولة أن تدرك أنها مسؤولة عن تعليم اللبنانيين بحكم الدستور، وتعتبر أن المدرسة الخاصة ذات منفعة عامة. وعليها بالتالي أن تتولى دفع فروقات رواتب المعلمين الناتجة عن السلسلة الجديدة، وتمنع بالمقابل رفع الأقساط المدرسية. وعليها أن تحافظ على المدرسة المجانية، وتؤمن لها سنويا المستحقات المالية، لكي تستمر في خدمة التلامذة والعائلات المعوزة، وتؤمن فرص عمل لإداريين ومعلمين وموظفين. وعلى الدولة في المدى الطويل أن تدعم رواتب المعلمين في المدارس الخاصة، مثلما تؤمن كامل رواتب المعلمين في المدارس الرسمية، حيث كلفة التعليم فيها أعلى منها في المدراس الخاصة. فلا بد من تعاون مسؤول بين الدولة والمدارس الخاصة لحسن صرف المال العام”.
وتابع: “في لبنان، التنوع ملازم للحرية، وهذا ما يميز لبنان عن جميع بلدان الشرق الأوسط. يخشى اللبنانيون، جراء ما يحدث في هذه الأيام، انزلاقا سلطويا نحو استحداث أنماط لتقييد حرية الإعلام والصحافة والتعبير، والتضييق عليها لأغراض سياسية أو لمشاعر كيدية. من الواجب أن يبقى الجميع تحت سقف قانون الإعلام والتقيد به، وبالأخلاقية التي يقتضيها. ولا يحق على الإطلاق تسييس القضاء، لكي يظل عندنا “العدل أساس الملك”.