بوابة التربية: بقلم مي حسين عبدالله*
لطالما شعرتُ أن لبنان، هذا البلد الصغير ذو التاريخ العريق والتنوع الثقافي والسياسي، يضعنا أمام تحديات فريدة تتطلب حلولًا مبتكرة ومقاربات تربوية عميقة. وفي هذا السياق، أؤمن بشدة أن الإرشاد التربوي يمكن أن يكون أداة حيوية لتعزيز قيم المواطنة، وتحقيق التفاهم بين مختلف الطوائف والفئات (عبد المنعم شحاتة وآخرون، 2012).
في مشهد أثار الجدل مؤخراً، استضافت إحدى القنوات التلفزيونية مجموعة من الأطفال من خلفيات طائفية وحزبية متنوعة. بدا الحوار بين الأطفال مشحوناً بتكرار شعارات ومواقف تعكس بيئاتهم، مما أثار استنكاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الحدث يسلط الضوء على أهمية الدور التربوي في إعداد الأطفال للحوار البنّاء، بعيداً عن الاستقطاب أو إذكاء النعرات الطائفية (علي مدكور، 2007).
الحوار بين الأطفال ليس مجرد نشاط عابر، بل هو أداة فعالة لتشكيل الوعي المجتمعي. لكنه يحتاج إلى توجيه مدروس ومهني لتحقيق أهدافه. هنا يأتي دور الإرشاد التربوي الذي يمكنه تحويل مثل هذه التجارب إلى فرص تعليمية لتعزيز قيم التسامح، الاحترام المتبادل، والتفاهم بين مختلف الأطياف (طه جابر العلواني، 2002).
الإرشاد التربوي يعمل على تعليم الأطفال كيفية التعبير عن آرائهم دون الانجراف نحو نزاعات أو تصعيد التوتر. فمن خلال جلسات تدريبية وأنشطة تفاعلية، يمكن توجيه الحوار ليصبح جسراً للتواصل بدلاً من أداة للتفرقة.
أرى أن دمج مفهومي المقاومة والمواطنة في العمل الإرشادي يمكن أن يسهم في حل النزاعات وبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، خاصة من خلال استخدام القوة الناعمة (جوزيف ناي، 2017)، التي أعتبرها أداة فعالة للغاية في مواجهة تحديات بلدنا.
القوة الناعمة، كما وصفها جوزيف ناي، تعني القدرة على التأثير في الآخرين عبر الجاذبية الثقافية والقيم المشتركة، بدلاً من استخدام الإكراه أو القوة الصلبة. هذه القوة يمكن أن تتحول إلى استراتيجية رئيسية في الإرشاد التربوي لتعزيز قيم المواطنة والمقاومة (خالد وليد محمود، 2020).
التطبيق العملي للإرشاد التربوي والقوة الناعمة
رؤيتي لتطبيق القوة الناعمة في الإرشاد التربوي من منطلق تخصصي، هي القدرة على التأثير والإقناع من دون استخدام القوة أو الإجبار. أراها وسيلة لنشر القيم الإيجابية وبناء سلوكيات تسهم في تحقيق التعايش والتفاهم. فعلى سبيل المثال، يمكن تحقيق ذلك من خلال:
- تنظيم جلسات توجيهية حول احترام الآخر.
- إقامة أنشطة تفاعلية لبناء المهارات الاجتماعية.
- تعزيز القدوة الحسنة بين الطلاب والمعلمين.
أما فيما يخص دمج مفهومي المقاومة والمواطنة، يمكن ترجمة ذلك من خلال:
- ورش عمل تفاعلية تشمل محاكاة أدوار تتعلق بالتحديات الوطنية والمقاومة (أحمد الشقيري، 2005).
- تنظيم أنشطة لتعزيز فكرة الجيش القوي القادر على حماية الوطن من كل تهديد ودور الشعب في مساندته.
- استضافة أفراد لهم تجارب شخصية ملهمة في خ-دمة المجتمع والوطن (جورج كنعان، 2009).
- تخصيص أنشطة تركز على قيم الوحدة والهوية الوطنية.
خاتمة
ختاماً، أؤمن أن دور المرشد التربوي لا يقتصر فقط على التوجيه والدعم، بل يمتد ليشمل بناء جيل قادر على مواجهة التحديات السياسية والطائفية. إن العمل على تعزيز مفاهيم المقاومة، المواطنة، والكرامة السيادة ضمن النظام التعليمي اللبناني ليس خيارًا، بل ضرورة (عبد المنعم شحاتة وآخرون، 2012). أدعو كل الأطراف المعنية إلى التعاون لضمان نجاح هذه المبادرات من خلال تقديم الدعم والتمويل والتدريب اللازمين.
* مي حسين عبدالله
دبلوم دراسات عليا في الارشاد التربوي ( الجامعة اللبنانية ) ( 2007)
دبلوم في الشؤون الدولية والدبلوماسية ( الاكاديمية السورية الدولية) ( 2020)
المراجع
- عبد المنعم شحاتة وآخرون. (2012). الإرشاد النفسي والتربوي. القاهرة: دار النهضة العربية.
- جوزيف ناي (ترجمة: محمد توفيق البجيرمي). (2017). القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية. أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- أحمد الشقيري. (2005). المقاومة: حق الشعوب في مواجهة الاحتلال. بيروت: دار الشروق.
- علي مدكور. (2007). التربية من أجل المواطنة. القاهرة: دار الفكر العربي.
- جورج كنعان. (2009). المقاومة الوطنية اللبنانية: سياقاتها ومآلاتها. بيروت: دار الفارابي.