بوابة التربية: دعا رئيس جمعية المبرّات الخيرية العلّامة السيّد علي فضل الله اللبنانين إلى: “بناء وطن يعتز به أبناؤه بثروته المميزة بتنوع طوائفه ومذاهبه التي تتكامل فيما بينها، وطناً يرونه خياراً لهم لا أن يقفوا متسكعين على أبواب السفارات ليغادروه أو يهاجروا منه إلى بلدان الله الواسعة للعمل فيها أو للحصول على متطلبات حياة كريمة لهم، وطناً نريده حافظاً لأبنائه خالياً من الفساد والهدر، وطناً يعتمد لغة الحوار ويعمق اللقاء وحل المشكلات”. وقال:” ما زلنا نعاني من مرحلة صعبة خسرنا فيها الكثير، خسرنا عافية هذا الوطن ومقدراته ومقدرات أبنائه، فلنتعاون حتى لا نخسر الباقي والذي هو عماد هذا الوطن؛ أعني التعليم والتربية والبناء الخلقي والإيماني. إن فقدنا ذلك فلن يبقى لنا شيء، فالأوطان إن فقدت العلم والخلق والإيمان والتربية لا قيام لها ولن تستمر”.
كلام العلّامة فضل الله جاء خلال المؤتمر التربوي لجمعية المبرّات الخيرية الثاني والثلاثين تحت عنوان “المعلّم والمربي والإداري في زمن الرقمنة: ملامح وأدوار” الذي عقد في قاعة الزهراء في مجمع الإماميين الحسنين في حارة حريك، برعاية وزير التربية والتعليم العالي في لبنان الدكتور عباس الحلبي ممثلاً بالمدير العام للتربية الأستاذ عماد الأشقر، وحضور مدير عام المبرّات الدكتور محمد باقر فضل الله، وممثلين عن مؤسسات تربوية ومراكز ثقافية، رؤساء بلديات، فاعليات تربوية واجتماعية وأكاديمية ودينية، مديري المؤسسات التعليمية والرعائية في المبرّات، مديري الدوائر والأقسام في الإدارة العامة للجمعية وحشد من تربويّي المبرّات من مختلف المؤسسات المنتشرة في لبنان.
الأشقر
قدّم فعاليات المؤتمر مدير ثانوية الإمام علي الأستاذ عباس ترحيني، ثم القى مدير عام التربية الأستاذ عماد الأشقر كلمة وزير التربية جاء فيها: “في الأحوال الطبيعية كانت وزارة التربية ومؤسسات التعليم الخاص تقوم بتدريب المعلمين والإداريين والفنيين العاملين في المدارس، كل بحسب مهامه وتطور مناهج التعليم وطرائق التدريس. وفي العصر الراهن الذي تتسارع فيه التطورات والمقاربات التربوية باتت المهارات الرقمية جزءا أساسياً من المهارات التي يتوجب على المعلم أن يتمتع بها، وبات الإنفتاح على بحرالمعلومات مخيفا بقدر ماهو مفيد. من هنا أصبحت مهام المربّين اكثر تعقيداً لجهة الإحاطة بما بات بين أيدي المتعلمين وكيفية الإختيار بين مواد المنهج والمعلومات المتاحة رقميا وبالصورة والصوت والفيديو” .
وقال: ” إن تعزيزالأخلاقيات لدى الأسرة التربوية بكامل مكوّناتها من المدير والمعلم والمربّي والمتعلّم والأهل والمجتمع بات أمرا طبيعيا، إن لجهة احترام مصادر المعلومات أو لجهة تعزيز التفكير النقدي واختيار ما هو مفيد مع ذكر المصدر، أردت أن أذكر ذلك على سبيل الإشارة إلى تعاظم مهام المربّين، ليستخدموا كل ما تتيحه التكنولوجيا في خدمة العملية التعليمية، حتى تبقى التربية والتعليم والتعلّم مدى الحياة سبيلا إلى التطور الدائم وبناء الشخصية الوطنية المتحفزة دوما نحو التجديد والإبداع”
وخاطب الأشقر الحضوربالقول: ” نتشارك معكم ومع العديد من المؤسسات التربوية المرموقة، في ورشة تجديد المناهج التربوية وهيكلية التعليم، وقد أنجزنا مع المركز التربوي للبحوث والإنماء ومع الشركاء والخبراء، الإطار الوطني والسياسات المساندة، وفي هذا المشروع الكبير خير واضح للأدوار الجديدة التي يتطلبها مدير المدرسة والناظر والفني والمرشد والموجّه التربوي، على اعتبار أن كل المشاركين في أسرة المدرسة يتشاركون مسؤولية تربية الأولاد والشباب وتعليمهم” .
مدير عام المبرات
بعد ذلك تحدث مدير عام المبرّات الدكتور محمد باقر فضل الله قائلاً: “في ظل الهيمنة الإفتراضية والتحولات العميقة، يبرز دورنا كتربويين فاعلين، مدفوعين من مسؤوليتنا اتجاه مؤسساتنا، ومطالبين بصون قيمنا الاجتماعية والدينية التي تشكل الحصانة النفسية والمعرفية والثقافية لأبنائنا. هي دعوة نطلقها للمعلم والمربي والإداري، الذين يشكلون الضلع الثالث في مثلّت التعليم بين المتعلم والتعلّم، دعوة للتحلّي بالملامح المرغوبة الجاذبة التي تشكّل عصا النجاة وسط هذا الحشد الهائل، عصا النجاة لجيل يدخل في أتون الغوغائية الرقمية.
وأضاف: “إن إقبال الشباب في زمن الرقمنة على المجتمع الرقمي وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، أوجد أمامهم نماذج ثقافية عابرة للمجال الجغرافي ومتجاوزة للزمان والمكان، وبالتالي عرّضتهم لقيم ثقافية كونية قد تتعارض ولا تتوافق مع رسالة ورؤية المبرات. هنا تتأتى ملامح المعلم الحريص، والمربّي المحبب، والإداري الحاسم والواعي، ملامح التحلّي بالقدرة على الحوار المسؤول والتواصل الجذاب والمنتج، ملامح من يملك سعة الإطلاع ومهارات الحديث مع المتعلمين والأبناء، ملامح القادر على مد جسور الأمان والودّ، ملامح القيادي المبتكر والمنتج لأدوات المعرفة لأن الأدوار التربوية قد تخطت كون المعلم أو المربّي أو الإداري يشكلون مصادر للمعلومات أوالتعليم فقط إنما أدوارهم ارتبطت بحسن إدارة النقاشات الإشكالية المستندة على العلم والدين، فبات على كل فرد يتصدر أي موقع تربوي أن يتحلى بملامح الإنصات وأن يتّصف بالناصح والراعي المؤمن والخلوق والمثقف المتفهّم والقادر على الإحتواء والمساندة. وإن السعي لاستعادة الدور الريادي المنوط بكل من المعلم والمربي والإداري تتمظهر في كونهم مصادر أمان للمتعلم القادرين على تصويب أنماط التفكير والسلوك وإدارة هذا الفضاء الرقمي”.
وتحدث عن إضاءات العمل الرعائي في المبرّات، مشيرا إلى “أن الرعاية ومنذ خمسة وأربعين عاماً حيث بدأت المبرات تتابع احتضان الأبناء من الأيتام والحالات الاجتماعية الصعبة رعاية رسالية تربوية ثقافية وشمولية إنسانية. وعلى هذا الطريق تخرّجت قوافل من الطاقات والكوادر التي زادت من قدرات المجتمع البشرية المتميزة في التربية والفكر والرسالة”. وللعلم فقد بلغ عدد الأبناء في تتالي السنوات منذ التأسيس وحتى اليوم ما يتجاوز 85 ألفاً وبلغ عدد الخريجين المتخصصين الذين احتضنتهم المؤسسات الرعائية في مجالات متنوعة ما يقارب 12630 خريج جامعي.
وتطرق فضل الله إلى مسودة وثيقة الإطار الوطني اللبناني لمنهاج التعليم العام فقال: “صدرت نهاية العام الماضي وثيقة الإطار الوطني اللبناني لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعي الذي يعتبر القاعدة الأساسية في عملية تطوير المناهج التعليمية في لبنان، بعد ما يقارب ربع قرن على اعتماد المناهج الأخيرة، ومع بروز عدد من الانتقادات التي وُجّهت حول طريقة وضع الإطار وطريقة بناء المناهج، ولكننا سوف نبقى نتطلّع بإيجابية تجاه هذه البداية التي نتمنى أن تكون نقطة انطلاق لإصلاح تربوي شامل يطاول السياسات والتشريعات والعمليات التربوية، وقد اعتمد القيّمون المقاربة بالكفايات التي تهدف إلى تنمية كفايات مستعرضة أو متقاطعة، وهنا نشير إلى أن المبرّات ومنذ سنوات اعتمدت مقاربة التعليم بالكفايات والتقييم المبني على الكفايات خصوصاً في الحلقة الأولى (التربية التكاملية)، كما اعتمدنا منذ سنوات، بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني، إدراج مهارات التعلم العميق (التفكير الناقد، التعاون، حل المشكلات، القيادة..) ضمن المناهج فهي تعتبر جزءاً من الكفايات المستعرضة”.
وأضاف: “استمر العمل خلال العام 2023 على اعتماد الأوراق المساندة للإطار الوطني للمناهج بالشراكة مع معظم مكوّنات القطاع التربوي الذي تمثّل في اللجان من خلال خبراء تربويين. وللعلم فإنّ المبرّات تشارك في منسقية هيئة التخطيط، وفي خبراء اللجان. إننا نأمل الانتهاء سريعاً من إعداد الأوراق المساندة للإطار الوطني للمناهج والإنتقال إلى مرحلة كتابة المناهج، مع التأكيد على تحييد عملها عن التجاذبات السياسية والتركيز في هذه المناهج على الانتماء للوطن والتعاون بين المواطنين، عن طريق العمل المؤسساتي والتعامل مع القضايا المعاصرة دون المساس بالهوية الثقافية والأخلاقية”.
ودعا مدير عام المبرّات العاملين في مؤسسات المبرات التربوية إلى “أن يبقوا مواكبين للمستجدات في المناهج ومشاركين في إعدادها، ومدارس المبرّات لديها الخزين الكبير من العمل على التخطيط الممنهج الفعال الذي يركز على بناء المعنى ولحظ الأدلة على التعلم وخطط التعلم الفعالة، مؤكدا” البقاء على استعداد دائم للمشاركة من خلال خبراء على مستوى المواد والصفوف كافة، والمطلوب من الإدارات والإشراف والتنسيق مواكبة المستجدات بجدّية وتأمين كل المستلزمات المطلوبة لمواكبة هذه المستجدات والعمل على تمكين وتدريب الهيئتين التعليمية والإدارية على كل متطلبات هذا التغيير النوعي في المناهج، مشدّدين دائماً على الحفاظ على منظومة القيم التي نشهد حروباً ممنهجة لتدميرها وتدمير ما يميز هذه المجتمعات”.
وتحدث عن تطور تأليف الكتاب المدرسي في المبرّات قائلا:”آمنت المبرّات بأهمية الكتاب المدرسي باعتباره مرجعاً أساسياً للمتعلمين والمعلمين والأهل، ويشكل أحدى المدخلات الأساسية للعملية التربوية، لذلك كانت مدارس المبرّات ممن خاض غمار التحدي في تأليف الكتب المدرسية منذ العام 2004، ومع التطور الحاصل في تعليم مادة التكنولوجيا والمهارات الرقمية كان تأليف سلسلة كتب المعلوماتية إلى جانب كتب مادة Stem لتأمين فرصة للمتعلمين لمواكبة التطور الحاصل في العالم الرقمي”.
ولفت إلى “ضرورة تمكين ذوي الإحتياجات الخاصة رقمياً”، وقال: ” يشهد العالم ذروة التطور (الإضطراب) التكنولوجي، والمُتوقّع لها أن تستمرّ وتتطوّر أكثر خلال العقود المقبلة، ووجدت المؤسسات نفسها وجها لوجه مع تقنيات مُتطوّرة جدا، وذوو الاحتياجات الخاصة جزء مهم من نسيج هذه المؤسسات، باعتبارهم عُنصراً منتجاً وفعّالاً، في حال أُحسن استثمار إمكانيّاتهم، ولكون مدارس المبرّات ومؤسساتها الرعائية أخذت على عاتقها انطلاقاً من فكر مؤسسها المرجع(رض) رفع مستويات ذوي الإحتياجات الخاصة وإيجاد حلول ناجعة لهم، فنحن نؤمن بقدرة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في تشكيل مستقبل العالم الرقمي أسوة بأقرانهم من الجيل الحالي، من خلال الفهم الشامل للعالم الرقمي الذي يمكّنهم من المنافسة في الحياة العامّة، وأن يكون لهم صوت في المستقبل”.
العلّامة فضل الله
بعد ذلك تحدث رئيس جمعية المبرّات الخيرية العلّامة السيد علي فضل الله فنوّه بالعنوان المطروح للمؤتمر “الذي يدعو إلى دراسة السبل التي تكفل توسعة دائرة الاستفادة من الرقمنة وما بات يعرف بالذكاء الاصطناعي على الصعيد التعليمي والتربوي، وإزالة أية عوائق قد تعترض دون إدخاله في المناهج التعليمية والتربوية وعلى صعيد العمل الإداري بشكل منهجي ومدروس، وبما ينسجم مع قيمنا ومبادئنا، ونكون في ذلك ممن يأخذون إيجابياته بكل شيء ويدعون سلبياته”.
وقال:” نرى أنفسنا معنيين أن ندخل إلى غمار هذا العالم، أن نكون رواداً وشركاء فيه، انطلاقاً من إيماننا الذي يدعونا إلى أن نطور قدراتنا وإمكانياتنا وكفاءاتنا على الصعيد العلمي والأخذ بكل جديد على صعيد آليات الوصول إليه، أن لا نستكين على حال وأن نقدم دائماً الأفضل”.
وخاطب العاملين في المبرّات بالقول:” لا بد لي أن أشكركم وأقدركم وأنحني أمامكم لثباتكم واستمراركم بهذه المسيرة رغم المعاناة التي تعيشونها والصعوبات التي مررتم وما زلتم تمرون بها. كما أشكر كل الذين كانوا معنا في المراحل السابقة ومنهم من رحل عنا إلى جوار الله بعدما أدى رسالته بصدق، ومنهم من غادرنا تحت وطأة ظروف قاهرة وضاغطة، ونأمل أن يعودوا إلى أحضان مؤسساتنا.
ندوة علمية
واختتم المؤتمر بندوة علمية بعنوان “المعلّم والمربي والإداريّ في زمن الرقمنة: ثوابت ومتغيرات” تحدث خلالها الباحث في علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي، وأستاذة علم النفس التربوي في الجامعة اللبنانية الدكتورة غادة أسعد، ورئيس قسم علوم الكومبيوتر في جامعة USALالدكتور ياسر فضل الله، وأستاذة الطب النفسي في الجامعة الأميركية الدكتورة ليلى عاقوري ديراني عبر مداخلة مسجلة.
أدرات الندوة أمينة المؤتمر في المبرّات آيات نور الدين التي قالت: ” إنَّ هذا المؤتمر هو نتاج جهود جبّارة تتَسق مِنْ بِدايَةِ العامِ (يَبدأ التحضيرُ للمُؤتمر في شَهْرِ ١ من كل عام) في لجانٍ وفِرَقٍ. بدءًا من لُجْنَةِ المؤتَمَر المَركزيّة، إلى فرقِ النُّواةِ المسؤولةِ عن إعدادِ وُرَشِ العَمَلِ، إلى فريقِ المُدرّبينَ إلى المضيفينَ (المضيف هو خَبيرٌ في التدريبِ يشاركُ في التدريبِ ليقومَ بتقديمِ تغذيةٍ راجعّةٍ بمَحَكّاتٍ محدَّدَة)، إلى الفِرَقِ اللوجِسْتِيَّةِ في كلِّ مُؤَسَّسة. وُصولاً إلى الفرقِ اللوجستيةِ الخاصّةِ باليومِ الرئيسيّ للمُؤتمر”.
وأضافت: “إنّ ورشَ عَملِ المؤتمرِ ليست وُرَشًا تَجميعيّةً، بل ورشٌ مبنيّة، تنطلقُ من الورقةِ المفهوميَّةِ للمُؤتمرِ فترسُمُ أهدافَها استنادًا إلى أوراقٍ بحثيّةٍ حديثةٍ ومصادرَ علميّةٍ، آخذةً بعينِ الاعتبارِ ملامِحَ المبرّاتيّ، المستقاةَ من الرّسالَةِ والرؤيةِ والأهدافِ. وقد بلغت ٥٧ ورشةَ عملٍ مع ٥٤ مدربًا في ١٧مَركزًا في بيروتَ والجنوبِ والبقاعِ وجُبَيْل، وتوزّعت وفقَ الآتي:
• ورش عمل خاصّة بالمعلمين والمشرفين على مرحلة رياض الأطفال والحلقة الأولى بعنوان: “نحو معلّم مبدع وطفولة متوازنة في زمن الرقمنة”.
• ورش عمل خاصة بالمعلمين والمشرفين على الحلقة الثانية بعنوان: ” ملامح وأدوار معلّم/ مرّبي الحلقة الثانية في زمن الرقمنة: بين الطموحات والتحديات”.
• ورش عمل خاصّة بالمعلمين والمشرفين على الحلقة الثالثة والمرحلة الثانوية بعنوان: “ملامح وأدوار المعلّم والمربي في زمن الرقمنة”.