عقدت جمعية المبرات الخيرية الاسلامية اليوم، المؤتمر التربوي السابع والعشرين للمبرات بعنوان “الرعاية المتكاملة احتضان وتمكين” في قاعة السيدة الزهراء في حارة حريك، بحضور فاعليات تربوية واجتماعية وأكاديمية ودينية وبلدية وثقافية، وحشد من تربويي مؤسسات المبرات في لبنان”.
فضل الله
والقى رئيس جمعية المبرات العلامة السيد علي فضل الله كلمة دعا فيها العاملين في المبرات إلى “أن يكون عنوان البر هو هدفهم، وفقا لما يشير إليه مضمون عنوان المؤتمر التربوي للمبرات: الرعاية المتكاملة احتضانا ونماء”، وقال: “لقد أخذنا هذا الخيار عندما انضوينا تحت عنوان كبير وهو عنوان البر، فنحن جمعية المبرات، وهذا يعني أنها صانعة البر، هي تبادر إليه ولا تنتظر غيرها ليقوم به، لقد حملنا هذا المبدأ وسنبقى نحمله معا، والبر يعني التوسع في الخير، في العطاء، في البذل، والبر لا يقف عند حدود البذل المادي وإنما يشمل الكلمة الودودة الحنونة الرفيقة، الكلمة الرقيقة، الكلمة الأحسن، الكلمة العقلانية الحكيمة التي لا تستفز الآخر”.
أضاف: “البر هو البر في السلوك، أن تكون حسن الخلق، بأن تدفع بالحسنى السيئة، هو أن تقف مع الحق ولو على حسابك، وأن تقف ضد الظلم ولو كان من أقرب الناس إليك، وأن تتواصل بأن تمد جسور التواصل مع كل الناس، بأن تعيش دائما مع مواطن اللقاء، أن تتواضع للناس مهما بلغت من شأن وموقع، وأن تكون غيور على مصالح الناس”.
وتابع: “إن هذا الخيار هو ما قامت به جمعية المبرات الخيرية على مستوى المؤسسات عندما انطلقت، لقد كان خيارها هي أن تكون حاضرة حيث هناك تدعو الحاجة.. فكانت حاضرة في ميادين الأيتام وفي ميادين الإعاقة وفي الصحة وفي رعاية المسنين، وفي التعلم والتربية وفي الخدمات الاجتماعية، وفي الميدان الروحي والإنمائي وفي لقاء الأديان والمذاهب”.
وشدد على أن “البر هو ما ينبغي أن يحكم علاقتنا بمن يستفيد من هذه المؤسسات سواء أكانوا أيتاما أم حالات اجتماعية أم معوقين أو مسنين أم مرضى أم طلابا أم من رواد العمل الثقافي والتبليغي والإرشادي أم أهلا وأولياء أمور، أن نحترمهم، أن نقدم لهم أحسن ما عندنا، أن نقدم لهم قبل كل شيء حبنا، بسمتنا، وحرصنا عليهم وحسن أخلاقنا وبعد ذلك أن نقدم لهم العلم والمعرفة، أن نملأ بها قلوبهم”.
وختم: “سنكون على مستوى المسؤولية، بأن نشخص جيدا احتياجات إنساننا، في هذا العصر بالذات، حيث التحديات كبيرة في ظل الضخ الكبير لمواقع التواصل التي قد يأتي منها الخير، لكن سبل الانحراف أصبحت متوفرة وتصل إلى كل يد وتدخل إلى كل بيت”.
مستشار وزير التربية
وتخلل المؤتمر كلمة للمستشار أنور ضو ممثلا وزير التربية مروان حمادة، جاء فيها: “في رحاب هذا المكان العابق بأريج الإيمان والعطاء والانفتاح، تخال نفسك في واحة. فها هنا معبد يصلك بالله دون وسائط، فيما البلد يعج بالوسطاء الذين يدعون وصلك بالخالق وأكثرهم، ولو صلوا، لا يصلون. وها هنا موائد ممدودة للجائعين للمعرفة، وقرب ملأى للمتعطشين للعلم، فيما البلد تعبق فيه روائح الفساد والهدر وسرقة لقمة العيش من أفواه الفقراء والجائعين. وها هنا عقول منفتحة وقلوب مفتوحة، تؤمن بالحوار والتسامح والإعتدال، فيما العصبيات تغطي مساحة الوطن بدخانها الأسود، والطائفيون المستغلون يمدون رؤوسهم مجددا كالأفاعي تطل من جحورها بإنتظار صيد جديد. هذه الواحة الوطنية والقيمية والإيمانية هي واحة جمعية المبرات الخيرية، واحة الخير والعلم والتضحية والبركة، واحة المؤمنين المنفتحين، واحة سيد العلم والتضحية الإيمان والإنفتاح سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله”.
وأضاف: “وما فكرة مؤتمركم هذا العام حول الرعاية المتكاملة إلا تعبير صادق عن هذا التوجه، وأنتم الذين عملتم على خلق الفرص المتكافئة أمام الأطفال، ومن بينهم ذوو الاحتياجات الخاصة من خلال التعليم الدامج أو من خلال المؤسسات الخاصة بهم، ووضعهم برنامجا خاصا لتنمية القدرات والمهارات لدى الأحداث لا سيما المعرضون منهم للانحراف، ولتصحيح سلوكهم تسهيلا لاندماجهم الاجتماعي. والأهم أنكم تسلحون الأجيال الشابة بالإيمان الراسخ، المنفتح على الجميع بمن فيهم الآخر المختلف، مشددا على مبدأ الحوار الذي لن يبقى لنا وطن بدونه”.
مدير عام المبرات
وألقى مدير عام جمعية المبرات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة أشار فيها إلى النجاحات على مستوى الشهادات الرسمية قائلا: “العام الماضي حفل بإنجازات على مستوى الشهادات الرسمية كما في كل عام، لقد تخرج 575 خريجا وخريجة في الشهادات الثانوية مع تقديرات 365 وعشر أوائل على صعيد لبنان ونجح 1351 تلميذا وتلميذة في الشهادات المتوسطة بتقديرات 595 وواحد أول على صعيد لبنان، كما أن هناك أوائل على صعيد المحافظات، ونجح 394 في الشهادات المهنية منهم 13 أوائل في اختصاصات متعددة (ميكانيك، فندقية، تكييف، إلكترونيك) ملفتين إلى نجاح 98 من تلامذة الدمج التربوي”.
وتحدث عن الرعاية المتكاملة للأيتام فقال: “هي مسار ثابت في نهج المبرات حيث تعمل المؤسسات الرعائية على ضمان حقوقهم برعاية متوازنة إيمانيا وفكريا واجتماعيا وجسديا وعاطفيا وأخلاقيا من خلال برامج تربوية وأنشطة واكتساب مهارات، والتعرف على قضايا الحياة من خلال نظام أسري متكامل مع المؤسسات التعليمية بوجود تعاون تنسيقي منبثق عن لجان من المدارس والمبرات الرعائية لتوفير التعليم النوعي للأيتام والحالات الصعبة والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة”.
وأشار إلى إعداد مسودة وثيقة السياسات العامة في المبرات، لافتا الى أنها “تتضمن سياسات من قبيل اختيار القادة، الانفتاح على الآخر في الوطن والعالم، التكامل بين مؤسسات الجمعية، التنمية المستمرة للموارد البشرية، التقييم الذاتي والتطوير المستمر، النهج التشاركي، اعتماد نظام الجودة في العمل، التمويل والإنفاق، إدارة المخاطر والأزمات، الإعلام، وحفظ أمن المعلومات”.
وتحدث عن العلاقة مع “المركز التربوي للبحوث والإنماء” فقال: “ما زالت مدارس المبرات رائدة في مواكبة الجديد فيما يخص المركز التربوي للبحوث والإنماء، والمساهمة في فعاليات المناهج الجديدة حيث كان لها ممثلون ومشاركات في الورش كلها وحلقات التفكر المتعلقة بإصدار وثيقة سمات المتعلم اللبناني وخطة النهوض التربوي الجديدة ومواصفات الامتحانات الرسمية وغيرها. وقد كان لأوراق العمل المقدمة من ممثلي المبرات مساهمات فعالة في الوثائق النهائية التي صدرت”.
وحول برنامج الدمج في المبرات قال: “مع التحاق أنواع من الحالات الصعبة تحتاج إلى توافر خدمات نوعية تتواءم مع الاحتياجات وازدياد تحديات الوضع الاقتصادي والأعباء المادية لاستمرار المؤسسات، لا بد للادارات من دراسة واقع كل مؤسسة وابتداع طرق وأساليب جديدة في العمل وترشيد الإنفاق للحفاظ على استمرار هذه البرامج بالجودة المطلوبة مع تخفيف الأعباء المادية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة للمستفيدين”.
وتطرق إلى الدور الذي تلعبه جامعة USAL تربويا فقال: “شكلت الجامعة امتدادا لتجربة مؤسسات المبرات التربوية والاجتماعية، التي تختزن في داخلها خبرات وتجارب هي حصيلة أربعين عاما من التميز والجودة والتكامل. لقد استطاعت الجامعة كما مؤسسات المبرات، من خلال بيئتها الأكاديمية، المتوافقة على مستوى معايير الاعتماد الأكاديمي وقدرتها النوعية على مواكبة التطورات التربوية والعلمية والتكنولوجية، من الإسهام الفاعل في نشر المعرفة العلمية والاستجابة للتطورات المتسارعة في التربية والتعليم وبالتالي قدمت صورة مشرقة على مستوى مخرجاتها وكفايات ومهارات خريجيها ما مكنهم من الانخراط بسهولة في سوق العمل”.
ندوة حوارية
بعد ذلك قدمت الفرقة الفنية للمبرات أنشودة من وحي المناسبة، أعقبها تقرير مصور عن الرعاية المهنية في المبرات، فندوة حوارية حول “الرعاية المتكاملة: الرؤية والتحديات”، أدارتها ريفا السيد قاسم، وتحدث فيها كل من مدير عام دار الأيتام الإسلامية الدكتور خالد قباني، الاختصاصية في علم النفس العيادي والاضطرابات النفسية الدكتورة ليلى ديراني، المشرف الديني العام في المبرات السيد الدكتور جعفر فضل الله”.
ديراني
وكانت للدكتورة ليلى ديراني مداخلة في الندوة عرضت فيها لأهمية “العلاقة التربوية بين المربي والتلميذ في تحقيق نماء متوازن للتلميذ يتناغم فيه الذكاء والمكتسبات التربوية والاجتماعية”، وشرحت “الأسس التي تحكم هذه العلاقة بدءا من وضع قواعد عامة للصف مع ادراك للسلوك الفردي والجماعي للتلامذة والتشديد على أن التربية تترافق مع تصحيح للخطأ وهي ليست مكانا لادانة الفرد”.
قباني
بدوره تحدث قباني عن مفهوم الرعاية الشاملة من خدمة الفرد نحو تلبية جميع احتياجاته. لافتا إلى “إهمال الدولة في تفعيل المواثيق المتعلقة بحقوق الطفل وانخفاض المخصصات المالية والآليات المستحدثة بسبب الأزمات الاقتصادية الراهنة”، وقال: “نواجه معوقات تتمثل بالتعاطي مع بعض أهالي المسعفين اللامبالين وبعض السلوكيات الخاطئة من بعض الأيتام وعدم التوجه الكافي للاختصاصات التربوية، كما ويصعب تأمين الموارد المادية والبشرية في مجال الرعاية في تحد للاستمرار بتأدية مهامها الرعائية ودورها التربوي والبيئي”.
فضل الله
من جهته، قدم الدكتور السيد جعفر فضل الله مداخلة ناقشت الفكرة السائدة التي ترى “الرعاية الدينية مجالا منفصلا عن المجالات التعليمية والتربوية الأخرى”. وقدم في مداخلته “النصوص الدينية كشواهد على رؤية دينية تقوم على مبدأ الرعاية المتكاملة عبر مخاطبة كل أبعاد الإنسان بشكل متفاعل لا ينفصل فيه بعد عن آخر. تلك الرؤية التي تجعل أيضا كل المنهج التعليمي يقع في صلب التوجيه الديني للرعاية”.
وتخلل المؤتمر 19 ورشة عمل حول قضايا تربوية مستجدة على مدى أسبوع في مؤسسات المبرات المختلفة.