بوابة التربية- كتب عضو نقابة المعلمين أنطوان المدوّر:
إنّها الشهادةُ بِحَدِّ ذاتِها
نعَمْ، وهْيَ تحملُ معنى الشهادةِ المقدّسة، ورسالة الشهادة المقدّسة. فالشهيد يموت في سبيلِ وطنِهِ مرّةً واحدةً، ويخلَّدُ، مع الأبطالِ، أمّا المتقاعدون فلقد استشهدوا عشراتِ المرّاتِ.
عشراتُ المرّاتِ مِنَ التضحياتِ والخدمةِ التي قاموا بها طوالَ عشراتِ السنين،
وَنهْرُ التضحياتِ الذي بذلوه كلَّ يومٍ في رسالتِهِم، والعطاء اللامتناهي الذي أهرقوه على مذابحِ التعليمِ والتربيةِ.
استشهدوا عشراتِ المرّاتِ لأنّهم اغتيلوا كلَّ يومٍ في كنَفِ هذه الدولةِ الرعْناء التي لا تقدِّرُ صانِعيها، ولا تحترمُ بنّائيها، ولا تهتمُّ بصاقلي رجالاتِها، ولا تكرِّمُ معلِّمي أبنائِها، ولا تؤمّنُ مستقبلَ مَنْ تفانَوا في سبيلِ تأمينِ مستقبلِ أجيالِها …
بِئْسَ هذا الزمن…
معلِّمونَ متقاعِدونَ، يتقاضَوْن مليونَ ليرةٍ أو مليونًا وخمسماية ألفِ لير ة،لا تكفيهم لدفع فاتورةٍ واحدةٍ مِنْ عشراتِ الفواتيرِ المُترتّبَةِ عليْهم .
أو معلمّون متقاعدون، يقضُمون من مبلغِ تعويضاتِهم، ويعضُّون على جراحاتِهِمْ، ويحرِمون أنفسَهُم من أدويتِهِمْ وطبابتِهِمْ واسْتشْفائِهِمْ …علّهُمْ يؤمِّنونَ بعضَ الأيّامِ مِنْ حياتِهِم بالمَأكَلِ والمشْرَبِ.
هل هذا معقولٌ أو مقْبولٌ ؟؟
إنسانٌ يُفْني عمرَهُ لِيَبْنِيَ، فيُرْمَى، ولا أحَدَ يشعُرُ بِهِ، أو يطالِبُ بحقِّهِ، أوْ يقِفُ بقُرْبِهِ؟
وآخَرُ يسرقُ ويختلِسُ ويرتشي، فيُكرَّمُ ويُحْتَرَمُ ويُرَقّى…….
لا… لَنْ نقبلَ….
لنْ نقبلَ بأنْ يكونَ المتقاعدُ مُهْمَلاً ومتروكًا ومرميًّا.
لنْ نقبَلَ بأن يُذَلَّ مَنْ علّم الانسانَ الكرامةَ.
لن نقبلَ بأن يُهانَ مَنْ علّم الانسانَ الشرفَ.
لن نقبلَ بأن يُرمَى مَنْ علّم الانسانَ الإنسانيّةَ.
لن نقبلَ بأن يدمَّرَ مَنْ علّم الانسانَ البناءَ والاعمارَ.
لن نقبلَ بأن يستشهدَ زملاؤنا وهم أحياءُ كلَّ يومٍ على طريقِ الحياةِ التي رمتْهُمْ على ضفافِها، وتحْتَ حفافيها، ولا مَنْ يسمعُ ولا مَنْ يُعينُ.
صرخَةٌ مُدوِّيَةٌ أُطْلِقُها باسمِهِمْ اليومَ.
غيرُ مقبولٍ أن يُهمَلَ المتقاعدون في أيّةِ وظيفةٍ كانوا، وبخاصّةٍ المعلِّمون، لأنّ تقاعدَهُمْ مُكتَسَبٌ منْ عرَقِ جبينِهِمْ، ومِن تعبِهِمْ، لا منَ الرشوةِ والسرقةِ والاختلاسِ..
إنّها ثورةٌ صامتةٌ، تصرخُ في وجهِكُم يا حكامَ اليوم، وإنّها يقظةُ ضميرٍ تنخُرُ في ضمائِرِكُم يا مسؤولون، إنّها وصمةُ عارٍعلى جباهِكُم أيُّها المستوزِرون…
إسمعوا صوتَ المتقاعدين، وانظروا الى أحوالِهِم، وحسِّنوا ظروفَهُم، واعْلَموا أنّهُم، هُمُ اليومَ، وأنتُمْ غدًا…. فإنْ لم تَهْتمُّوا بهِمِ اليومَ، فسوفَ تندمون غداً، وإنَّ غدًا لناظِرِهِ قريبٌ .
تحيَّةً لكُم يا شهداءَنا الأحياءَ في هذا الوطنِ .
تحيَّةً لكلِّ معلِّمٍ متقاعدٍ يُعاني ويحملُ صليبَهُ في هذا الوطنِ .
تحيَّةً لكلِّ مناضلٍ ضحّى بخيراتِ عمرِهِ، وأهرقَ حياتَهُ في سبيلِ فرحِ الآخرين وإنارةِ دروبِهِمْ.
وألفُ لعنةٍ على كلِّ مَنْ أَهْمَلَ حقَّ متقاعدٍ، أو تحامَلَ على لقمةِ عيْشِهِ ودوائِهِ واسْتشْفائِهِ.
أنْصِفوا المتقاعدين
أنصِفوا الشهداءِ الطيِّبِين
أنصِفوا الشريحةَ الأعذبَ والأطهرَ في هذا الوطن .
وكرِّموا متقاعِديكم بَدَلاً مِنْ أنْ تُهمِلوهُم ، وحافظوا على ذخيرةِ هذا المجتمعِ، فتحافظوا على أنفسِكُم في المستقبلِ القريبِ .
وعهْدٌ عليّ، يا زملائي المتقاعدين أنْ يبقى قلمي فوّاحًا، وأنْ يبقى صوتي صداحًا، وألا يبقى ضميري مرتاحًا إلّا لينصفَكُمْ هذا الزمنُ في هذهِ الدولةِ………..
وتعيشون… نعم تعيشون بدلًا مِنْ أَنْ تَسْتشْهِدوا كلَّ يومٍ في هذا البلدِ.
متقاعدينا…..
أنتُمْ تاجُ هذا الوطن وقلادتُه ، فَلَوْ لمْ تكونوا لَمَا كُنَّا…. ولَمَا كانَ الوطنُ.