الجمعة , يوليو 18 2025

الهندرة في التعليم نحو إعادة تصميم جذرية للمؤسسات التربوية

كتبت زينب حسونة*:

لم يعد تطوير التعليم في العصر الحديث مجرد تحسينات طفيفة أو تعديلات شكلية على المناهج والإدارات، بل يتطلّب ما هو أعمق: إعادة ابتكار شاملة من الجذور. ومن هنا، برزت ” الهندرة” أو إعادة هندسة العمليات الإدارية والتعليمية,  بوصفه أحد أكثر المفاهيم ثورية في ميدان إصلاح التعليم، خاصةً في ظل تحديات التحول الرقمي، وتنامي متطلبات أصحاب المصلحة.

ما هي الهندرة؟

الهندرة:  (Reengineering)  وهي كلمة عربية جديدة مركبة  من كلمتي هندسة وإدارة, وعرفها  Champy & Hammer بأنها إعادة تصميم العمليات المؤسسية من جذورها، بحيث يُعاد التفكير في كل تفصيلة,  لتحقيق تحول جذري في الأداء من حيث انجاز العمل, و الجودة، والسرعة، والفعالية، والتكلفة.  وقد طُبق بدايةً في عالم الأعمال والإدارة. ثم بدأ يُعاد توجيهه إلى ميادين أخرى، منها الأنظمة التعليمية، التي تتطلب تفكيكًا وإعادة بناء مستمرة لتظل مواكبة للزمن.

وتتفق جميع تعريفات الهندرة حول أربع عمليات أساسية, كما يلي (5) , (4):

  1. أساسية
  2. جذرية
  3. هائلة
  4. هندرة العمليات

لماذا نحتاج إلى الهندرة في التعليم؟

في كثير من النظم التربوية، لا تزال المؤسسات التعليمية تعمل بآليات تعود لعقود ماضية:  مناهج نمطية، تقييمات كمية، وإدارة موارد غير فعّالة. هنا تأتي الهندرة لتطرح سؤالاً وجوديًا: ماذا لو بدأنا من جديد؟

فهي لا تسعى إلى تحسين الموجود، بل إلى إعادة اختراعه. عن طريق تحليل العمل, وتحديد عناصره ومكوناته, وربط العناصر على أساس أكثر دقة, وايجاد الطرق المثلى التي يمكن من خلالها تحقيق التطوير والتحسين الملموس, وفي التعليم، تعني: إعادة تصميم العلاقة بين الطالب والمعلم لتصبح تفاعلية وتفكيك الهيكل الإداري التقليدي لصالح فرق عمل مرنة، واستبدال جداول الحصص بمسارات تعلم شخصية، وتحويل المدرسة إلى بيئة تعلم رقمية ومادية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في صنع القرار التربوي.

أهمية تطبيق  الهندرة  في المؤسسات التعليمية:

يحقق تطبيق الهندرة فوائد كثيرة, تعود على التنظيم في المؤسسة بكفاءة وفاعلية, وبشكل يحافظ على بقاء واستمرار التنظيمات الإدارية في مواجهة التحديات الجديدة لها. ( 2 ), وتتضح أهميتها في المدرسة من خلال إعادة تشكيل , وتصميم عملية الخدمات, والتدريس, والتعليم في منظومة التعليم, والتطوير التكنولوجي, وتكلفة التعليم, والمنافسة العالمية, وتوقعات المجتمع, وهي تهيء المدرسة للمستقبل, وتعمل على اشباع حاجات, وتنمية مهارات الأفراد العاملين, وتعتبر التعلم أداة لتحسين الأداء, والتدريب كأداة للتعامل مع التغيير, وتتيح الفرصة لإعداد قادة فعالين للمدرسة, وتساعد في استثمار الموارد البشرية, وتساعد على خلق بيئة لعملية التدريب الإداري, وتحمل المسؤولية من قبل المدير, وتطوير أشكال الرقابة, وتحقيق تحسينات واضحة في جودة وسرعة العمليات. ( 1)

أهداف الهندرة:

تهدف الهندرة إلى التخلص من الروتين القديم, و حتى يتم الاستفادة منها, يجب تحديد أهدافها بوضوح وحدد حسين (2007) أهداف الهندرة في المنظومة التعليمية إلى:

  1. جعل المدرسة أكثر قدرة على المنافسة
  2. إحداث تحسينات في العملية الإدارية
  3. شعور الأفراد العاملين بالتشجيع, والمشاركة في وضع أهداف المنظومة التعليمية.
  4. تقليل المنافسة بين الأقسام, وزيادة التعاون بين أفراد المنظمة التعليمية.
  5. تقليل التكلفة دون المساس بجودة التحصيل العلمي, وزيادة الانتاجية, واشباع حاجات الطلاب.
  6. تحديد الشكل, والإطار المستقبلي للعملية الإدارية داخل المنظومة التعليمية.
  7. دمج عدة عمليات في عملية واحدة, وتخصيصها لشخص واحد, أو مجموعة عمل.
  8. مساعدة المدارس ذات المستوى الرفيع على بقائها في نفس المستوى, وتساعد المدارس الأقل لتصبح أكثر منافسة.
  9. تحسين سرعة تسجيل البيانات. (2) .

مبادئ الهندرة  في العملية التعليمية:

إن الهندسة الإدارية ليست عملية عشوائية, بل هي أسلوب علمي منهجي مستند إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي تحدد الخطوط الأساسية لمسار عملية الهندرة, وتشكل حدود بداية تطبيق, أو تفعيل العملية وصولاً إلى الأهداف, وقد لخص حسين (2007) أهم مبادئ إعادة الهندسة في المنظومة المدرسية فيما يلي:

  1. التركيز على النتائج
  2. تركيز على الطالب
  3. دمج المعلومات الهامة لتنفيذ العمل.
  4. وجود توازن بين الأنشطة, والاجراءات.
  5. جمع المعلومات المدعمة للهندرة كنتيجة ناجحة عن العمل.
  6. الدمج الوظيفي.
  7. اتخاذ القرار مهمة المسئول.
  8. سيادة القيم الانتاجية بين المرؤوسين.(3 )

نماذج عالمية ناجحة لتطبيق الهندرة في التعليم

  • فنلندا:

أعادت وزارة التعليم هيكلة المدرسة حول وحدات تعلم موضوعية بدل المواد، وألغت الجداول التقليدية.  فالتعليم أصبح مشروعًا مجتمعيًا حيًّا يُبنى حول قضايا العالم الحقيقية.

  • سنغافورة:

طبقت هندسة بيانات التعليم من خلال الذكاء الاصطناعي، وألغت الاختبارات المبكرة، واستبدلتها بتقييمات تكيفية شخصية.  وأُعيد تعريف دور المعلم ليصبح ‘مدير تعلم’.

نحو هندرة التعليم في العالم العربي:  بين الواقع والطموح

رغم وفرة المبادرات، لا تزال الكثير من نظم التعليم العربية تُدار وفق أنماط تقليدية تُعيق التغيير الجذري. وهناك العديد من  التحديات والمعوقات التي تواجه عملية الهندرة, وقد لخصها الباحث ريحان  في دراسته, وسأقتصر على ذكر الجانب الإداري التعليمي:

  1. استغراق وقت وجهد كبير في دراسة الوضع الحالي من قبل الإدارة المركزية.
  2. قلة الدورات التدريبية لإعادة تدريب, وتطوير الأشخاص الذين يقومون بعملية الهندرة.
  3. ضعف مهارات استخدام الحاسوب لدي بعض الموظفين الإداريين, وهو جزء أساسي في هندسة العمليات الإدارية
  4. تقادم الأجهزة, ومهارات العاملين عليها مع التقدم التقني السريع.
  5. قلة الموارد البشرية المؤهلة, والمدربة للقيام بمهام هندسة العمليات الإدارية. (3)

كيف نُهندس التعليم العربي؟

هنالك العديد من الرؤى الإصلاحية التي لا يجب إغفالها, واستخدامها كحجر أساس, والانطلاق منها نحو الفضاء الواسع, وسيتم ذكر بعض الخطوات البسيطة التي يمكن الانطلاق منها:

  • الانطلاق من رؤية مستقبلية
  • بناء مناهج كفائية
  • تمكين المعلمين
  • إنشاء هياكل مرنة
  • اعتماد التكنولوجيا كنظام تشغيل
  • إشراك المجتمع المحلي

خاتمة: من الإصلاح إلى إعادة الابتكار

الهندرة في التعليم ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية في عصر تغيّرت فيه مفاهيم التعلم . لقد آن الأوان لأن تتجاوز الأنظمة التعليمية العربية مرحلة ‘الترقيع المؤسسي”، وتنطلق نحو الهدم البنّاء, وإعادة التشكيل الجذري.  ومع توفر الإرادة، يصبح حلم المدرسة العربية المبتكِرة ممكنًا، لا مستحيلاً.

*باحثة دراسات عليا (ماجستير)

قائمة المراجع:

أولاً : المراجع العربية:

  1. الغريب, شبل . بدران, سلامة .عبد العظيم, المليجي. ورضا إبراهيم (2005):”الثقافة المدرسية”. دار الفكر: عمان .
  2. حسين، سلامة عبد العظيـم (2007): “ثورة إعادة الهندسة مدخل جديد لمنظومة التعليم”. دار الجامعة الجديدة: الاسكندرية.
  3. ريحان, شادي (2014): “معوقات تطبيق هندسة العمليات الإدارية (الهندرة) في المدارس الحكومية بمحافظات غزة وسبل الحد منها”. رسالة ماجستير, الجامعة الإسلامية : غزة, فلسطين.
  4. سليمان , هالة (2007): “إدارة التغيير التربوي وإعادة هندسة المدرسة الثانوية العامة”. مكتبة النهضة المصرية: القاهرة.
  5. مرسلي , رفيق (2011): “الاساليب الحديثة للتنمية الإدارية بين حتمية التغيير ومعوقات التطبيق – دراسة حالة الجزائر:2001 – 2011” . رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة مولود معمري: الجزائر.

ثانياً : المراجع الأجنبية:

  1. Hammer, Michel and Champy, James (1993). “Reengineering the corporation” (A manifesto for business Revolution. London ,Nicholas Brealey publishing.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

ثورة في عالم التعليم: التدريس القائم على حل المشكلات  (PBL)

    أشعل فضولهم ودعهم يكتشفون: كيف يغير التدريس القائم على حل المشكلات وجه التعليم؟ …