بوابة التربية: أجرى طلاب ثانوية عمشيت لقاء مع المهندس المعماري الدكتور أنطوان لحود، في إطار المشروع الذي تتداخل فيه المجالات المدرسية حول تراث عمشيت، بحضور المدير الأستاذ أنطوان زخيا والأساتذة والأهالي، حول الأهمية التراثية لبيوت عمشيت وكيفية المحافظة على هذا التراث المعماري المنطوي على أبعاد جمالية جمة.
استُهلّ اللقاء بفيلم فيديو قصير أنجزه الطلاب يختصر مسيرة الدكتور أنطوان لحود ابن عمشيت، هذه البلدة الغنية بتراثها وتاريخها وإنجازات أبنائها. الدكتور لحود اختصاصي في ترميم البيوت التراثية، وفي الهوية المعمارية للبيت اللبناني، وأستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية الأميركية. رمّم مشاريع عدة منها كنائس ومنازل وقصور وشارك في نشاطات محلية ودولية عديدة. أضف إلى أنّه عضو اللجنة العلميّة في مشروع “طريق الفينيقيين” الذي انضمّ إلى مجلس الطرق الثقافية الأوروبية كطريق دولية تضم شبكة من المواقع الأثرية، والأنثربولوجية، والثقافية، والطبيعية، وتعزّز التبادل الثقافي بين الشعوب والدول المتوسطية. عُيّن المهندس لحود مستشاراً لرئاسة الجمهورية لمدة ست سنوات للمشاريع الانمائية، وكانت له لمساته الهندسية في حرم القصر الجمهوري وحدائقه، ومن أبرز ما قام به من أعمال في القصر الجمهوري تصميم كنيسة مار شربل التي شيّدت بين أرزات القصر خصيصاً لزيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر الى لبنان في أيلول 2013. أراد الكنيسة شفافة وكأنّ شجرات الأرز تشارك الحاضرين الصلاة. كذلك قام المهندس انطوان لحود بأعمال الترميم لبيوت بيروت بعد انفجار المرفأ. نال عن مجمل أعماله وإنجازاته وسام الأرز الوطني من رتبة فارس. كما حاز على درع البطريرك بشارة الراعي تقديراً لترميمه أكثر من ١٢ كنيسة في لبنان من دون مقابل، وعلى درع بلدية عمشيت من أجل ترميم مبنى ذاكرة عمشيت، وأيضاً على ميدالية البابا بنديكتوس السادس عشر لعمله على تحضير زيارته الى لبنان.
لحود
بعد الفيديو قدّم الدكتور لحود عرضاً مصوّراًعن بيوت عمشيت التراثية وأرفقه بشرح مسهب عن خصائصها الهندسية، إذ إن عمشيت متحف للتراث الهندسي، فهي تحتضن أنماطاً هندسية مختلفة لا بل تتميّز بخصوصية فريدة. ولعلّ كثرة أسفار أبنائها الى اسطنبول والغرب أغنت هذه الهندسة وشجّعت على التنافس بين مختلف وجهاء البلدة على مركز الصدارة في اعتماد أجمل التصاميم وبناء بيوت تكون هي الأجمل، كما أوضح المهندس انطوان لحود. تتميّز البيوت التراثية في عمشيت بأن لكل منها طابعها الخاص، فكل منزل شُيّد على طراز مختلف بحسب توجّهات مالكه. أشار المهندس لحود إلى أنّه مع تنامي القز والحرير في لبنان ، بدأَت ظاهرة السفر إِلى إِيطاليا (توسكانا عموماً) للتسويـق والمتاجرة، ومن ثم وصلت الإِرساليّات الأَجنبية إِلى لبنان . وهكذا فإنّ كل تلك التأثيرات الأجنبية غيّرت في هندسة بيوت لبنان عموماً وعمشيت خصوصاً. أحضر العمشيتيون مهندسين من مختلف أقطار العالم، فكان التاجر الذي يتعامل مع تركيا يأتي بمهندسين أتراك، فيما يأتي تاجر آخر بمهندسين فرنسيين أو إيطاليين. وهكذا باتت البلدة تجمع مختلف الأساليب المعمارية إضافة إلى الطابع اللبناني الذي حافظ عليه الجميع عند البناء. وكان لتزاوج هذه الفنون أثر رائع خلق بيوتاً مميزة وبلدة تزخر بقصور هي صورة عن غنى أهلها وتفنّنهم وافتخارهم ببيوتهم الجميلة. التأثيرات إذاً جمّة: عثمانية وإيطالية وفرنسية وإسبانية ومنصهرة بالطبع في رؤية لبنانية. لكنّ المحاضر اختصر هذه التأثيرات في معرض جولته على تراث عمشيت المعماري متوقّفاً عند هندام إحدى شخصيات عمشيت البارزة المتصدّرة صورتها إحدى الدور الفخمة: الطربوش عثماني وربطة العنق إيطالية والسترة فرنسية.
أسئلة
بعد العرض المصوّر طرح الطلاب أسئلتهم على المحاضر الذي أجاب عليها إجابات قيّمة مشدّداًعلى تعزيز سياسة حماية التراث المعماري والمنازل الأثرية المهمة. إنّه واجب أوليّ لأنّه يعزّز ويرسّخ هويّتنا الوطنية. قال:”أنا أحزن كثيراً عندما أشاهد تراثنا المبنيّ يهدم وخاصة على أيدي أصحابه الذين لا يعني لهم هذا الإرث لكي يستبدلوه ببناء حديث من الباطون باعتقادهم أنّه عصري”. أما النصائح التي يقدّمها لمن يريد أن يبني بيتاً حديثاً فهي أن يأخذ بعين الاعتبار المفاهيم المرتبطة بالتنمية المستدامة، هذه المفاهيم جميعها تعكس الاهتمام المتنامي في القطاع المعماري بقضايا التنمية الاقتصادية في ظل حماية البيئة، وخفض استهلاك الطاقة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة. فالبيت العصري يتم تصميمه وتنفيذه وتشغيله بأساليب وتقنيات متطورة تسهم في تقليل الأثر البيئي، وفي نفس الوقت تقود إلى خفض التكاليف مسهمة في توفير بيئــة عمرانية آمنة ومريحــة. ثم عرض الطلاب أنشطتهم المتمحورة حول ماكيت تقارن بين البيوت القديمة والحديثة، وعرض مسرحي قصير عن صبيّ يحلم بأن يصير مهندساً معمارياً، وقراءة قصائد عن أهمية البيت، ومقاطع من مقالة الدكتور فريديريك زخيا عن قصر سليم وهبه وميزاته الهندسية.
بيد أنّ ما يوازي جمال البيوت التراثية أهميةً تلك الريادة التي ميّزت عمشيت السبّاقة إلى التنمية المستدامة قبل أن يصبح هذا المفهوم محرّكاً للمجتمعات، وإلى المبادرات المجانية لتحسين المجتمع وتحويل عمل الخير إلى فضيلة تعاش في كل يوم. هذه الفضيلة هي إحدى ركائز تراث عمشيت القيمي. والمهندس أنطوان لحود طويل الباع في العمل المجاني وسليل هذا التراث الذي حجز مكان الصدارة لهذه القيم، فهو يساعد في إعمار مجتمعه وبنائه وتقديم يد العون والمساعدة للآخرين. ولا ننسَ أنّه أدخل الفرحة إلى قلب ثانويّتنا بوضع لمساته الهندسية المبدعة في مكتبتنا وجعلها تزهو بسقفها الداخلي الجديد ولون الأكوا الذي يتصادى مع زرقة البحر والسماء فازدادت آفاقها المادية والمعنوية اتساعاً. شكراً لك الدكتور انطوان لحود على روحك المعطاء، شكرا لكل مبدعينا الذين يعملون على إظهار “وجه تراثنا البهي حتى يشع جلياً نقياً لائقا بوجه لبنان”.