الجمعة , يوليو 18 2025

جودة التعليم في ظل الأزمات والحروب

 

كتب محمد علاء أكرم الحداد*:

في عالم يضطرب بالصراعات السياسية والكوارث الطبيعية، تظلّ جودة التعليم من أبرز القضايا التي تتعرض لتحديات جسيمة، لا سيما في المناطق التي تشهد حروبًا ونزاعات طويلة الأمد كفلسطين فالتعليم وإن بدا نشاطًا مدنيًا يوميًا، إلا أنه في أوقات الأزمات يتحول إلى جبهة نضال من أجل البقاء، والمحافظة على الهوية، واستمرار التنمية البشرية لا سيما وأن هدف الأعداء إيقاف عجلة التعليم.

أولاً: مفهوم جودة التعليم

جودة التعليم لا تقتصر على توفير الكتب والمعلمين فحسب، بل تشمل البيئة التعليمية، والمناهج، والقيادة المدرسية، والمشاركة المجتمعية، وتكافؤ الفرص بين الطلاب، ووفقًا لتقرير اليونسكو (UNESCO, 2023) فإن جودة التعليم تُقاس بمدى قدرة النظام التعليمي على تمكين المتعلمين من تحقيق نواتج تعلم فعّالة وشاملة بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الجغرافية أو الاجتماعية.

ثانيًا: تأثير الأزمات والحروب على التعليم

تشير تقارير دولية إلى أن أكثر من 222 مليون طفل وشاب حول العالم يتأثرون بانقطاع التعليم نتيجة الأزمات والنزاعات المسلحة (Education Cannot Wait, 2022). فالحروب تؤدي إلى تدمير المدارس، وتهجير الطلاب والمعلمين، وتعطيل الخدمات التعليمية الأساسية، مما يُضعف بنية النظام التعليمي ويؤثر سلبًا على جودته.

في قطاع غزة على سبيل المثال، تُعد المدارس من أولى المؤسسات التي تتأثر بالقصف، مما يؤدي إلى تحويلها أحيانًا إلى ملاجئ للنازحين، فتفقد وظيفتها التربوية وفي كثير من الأحيان تم الاعتداء عليها من قبل الجيش الإسرائيلي بالهدم والقصف، ويؤكد تقرير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية (2024) أن أكثر من 80% من المدارس تضررت خلال العدوان الأخير، مما حرم آلاف الطلاب من حقهم في التعليم المنتظم.

ثالثًا: تحديات جودة التعليم في بيئات النزاع

من أبرز التحديات التي تواجه جودة التعليم في ظل الأزمات:

  1. نقص الموارد: تتأثر الإمدادات المدرسية، والكتب، والأدوات التعليمية، بل وأحيانًا الرواتب والمعلمين أنفسهم، نتيجة تراجع التمويل والدعم الحكومي أو الدولي.
  2. الضغط النفسي والتوتر: يعاني الطلبة من آثار نفسية عميقة نتيجة الحروب، مثل الصدمات، والخوف، والقلق، مما ينعكس على قدرتهم على التعلم والتركيز.
  3. غياب بيئة آمنة: البيئة الآمنة هي ركن أساسي في جودة التعليم، وفي مناطق النزاع يغيب هذا العنصر تمامًا.
  4. ضعف المتابعة والتقويم: بسبب توقف العمليات التعليمية أحيانًا أو ضعف التواصل بين المعلمين والطلبة، تقل فاعلية أنظمة التقييم والتحسين المستمر.

رابعًا: مبادرات لضمان جودة التعليم في الأزمات

رغم التحديات، ظهرت العديد من المبادرات التربوية التي تسعى للحفاظ على جودة التعليم، ومن أبرزها:

التعليم في الطوارئ: وهو إطار تعمل به منظمات مثل اليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتوفير الحد الأدنى من معايير التعليم في ظروف غير مستقرة (INEE, 2023).

التعليم الرقمي والتعلم عن بُعد: استخدمت عدة دول ومنظمات تقنيات التعلم الإلكتروني كوسيلة بديلة عندما تعذر التعليم الوجاهي،  كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 والحروب.

الدعم النفسي والاجتماعي: دمج خدمات الدعم النفسي داخل المدارس في مناطق النزاع يساعد الطلاب على تجاوز الصدمات والانخراط مجددًا في العملية التعليمية.

الشراكات المجتمعية: المجتمعات المحلية تلعب دورًا مهمًا في دعم المدارس، من خلال توفير متطوعين، أو التبرعات، أو حتى تهيئة أماكن بديلة للدراسة.

خامسًا: دروس من غزة: التعليم كفعل مقاومة

تُعد غزة نموذجًا حيويًا لفهم العلاقة بين التعليم والمقاومة، ففي ظل الحصار والحروب المتكررة لم تتوقف المبادرات التربوية، بل ظهرت مبادرات فردية وجماعية لإبقاء جذوة التعليم مشتعلة، وإحدى هذه المبادرات هي “نتعلم رغم الألم” التي أُطلقت في مدرسة مؤقتة بمدينة غزة لتعليم مئات الطلبة المحرومين من التعليم بإدارة معلمين متطوعين ودون إشراف رسمي من الوزارة، فهذه المبادرة تمثل روح الإرادة المجتمعية وتعكس أهمية التعليم كأداة صمود واستمرارية ثقافية ووطنية.

سادسًا: توصيات لضمان جودة التعليم في ظروف الأزمات

  1. دعم دولي مستدام: ضرورة توفير دعم مالي وفني من المجتمع الدولي للأنظمة التعليمية في مناطق الأزمات.
  2. تكامل التعليم مع الحماية: ربط خدمات التعليم بخدمات الحماية النفسية والاجتماعية لتلبية احتياجات الطلاب holistically.
  3. تدريب المعلمين على التعليم في الطوارئ: بناء قدرات المعلمين لمواجهة الأوضاع غير الاعتيادية وتطوير أدوات تعليم مرنة.
  4. الاستثمار في التعليم الرقمي والبنية التحتية: حتى يكون التعليم متاحًا رغم الانقطاع الجغرافي أو المادي.
  5. توثيق التجارب الميدانية: الاستفادة من تجارب ناجحة في فلسطين وسوريا وأوكرانيا وغيرها في تطوير سياسات تعليم مرنة.

خاتمة:

جودة التعليم ليست رفاهية في أوقات السلم فقط، بل هي ضرورة في أوقات الأزمات، لضمان استمرارية المجتمعات واستعادة استقرارها على المدى الطويل وإذا كان السلاح يدمر، فالعلم يعمّر، وإذا كانت الحروب تُسكت، فالتعليم يُحرر، ويبعث في الأجيال أملًا جديدًا بمستقبل أكثر عدلًا وسلامًا.

*طالب دراسات عليا إدارة تربوية

المراجع:

  1. UNESCO. (2023). Global Education Monitoring Report. Retrieved from: https://www.unesco.org/reports
  2. Education Cannot Wait. (2022). Annual Results Report. Retrieved from: https://www.educationcannotwait.org
  3. وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. (2024). تقرير الأضرار التعليمية في غزة.
  4. INEE (Inter-Agency Network for Education in Emergencies). (2023). Minimum Standards for Education: Preparedness, Response, Recovery. Retrieved from: https://inee.org
  5. تقارير محلية ومقابلات مع معلمين في غزة – نُشرت في وسائل إعلام محلية خلال 2024-2025.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

ثورة في عالم التعليم: التدريس القائم على حل المشكلات  (PBL)

    أشعل فضولهم ودعهم يكتشفون: كيف يغير التدريس القائم على حل المشكلات وجه التعليم؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *