خاص بوابة التربية: كتب *جورج سعادة: هل تعود هيئة التنسيق النقابية الى ممارسة دورها النقابي لمواجهة الكارثة الاجتماعية والاقتصادية؟ سؤال يُطْرَح كل يوم بل كل ساعة منذ خريف ٢٠١٤ عندما هيمن تحالف كل أحزاب السلطة اللدودين على الروابط والنقابات وبالتالي على هيئة التنسيق النقابية التي أصبحت تحت الوصاية السياسية للسلطة وأحزابها ليتعطل دورها وتصبح أداة لهذه السلطة، تبرِّر ظلم هذه السلطة او تصفِّق لها عند الحاجة، كما أصبحت ساحة تتصارع فيها أحزاب السلطة عند توزيع مغانم الفساد والمحاصصة.
قبل الخوض في الاجابة على السؤال المطروح والالتزام الموضوعية لا بد من التطرق بايجاز للمراحل التاريخية التالية:
– مرحلة ما قبل ضرب الاتحاد العمالي العام في أواسط التسعينات.
-مرحلة ما بعد ضرب الاتحاد العمالي العام وصولاً الى خريف ٢٠١٤.
– مرحلة ما بعد خريف ٢٠١٤ ولتاريخه حيث دُجِّنَتْ هيئة التنسيق النقابية وأُلْحِقَتْ بالاتحاد العمالي العام.
أولاً : مرحلة ما قبل ضرب الاتحاد العمالي : امتدت هذه المرحلة منذ الاستقلال وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث شهدت الحركة النقابية عصرها الذهبي والذي تجلى بصعود الاتحاد العمالي العام وكل الاتحادات الطلابية وروابط المعلمين، فتميزت هذه المرحلة بوحدة الصف النقابي والتنسيق التام بين كل الاتحادات والروابط ليصبح الاتحاد العمالي العام رأس حربة في النضال المطلبي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي. في عز الحرب الأهلية والفرز المذهبي استطاع تحالف الاتحاد العمالي ومكتب المعلمين من توحيد القرار النقابي وصون استقلاليته، درج المتحف يشهد على ذلك، رغم رصاص القنص الطائفي الحاقد. حقق هذا التحالف الكثير من المكاسب التي شكلت دولة الرعاية الاجماعية لكل فئات المجتمع (لجنة المؤشر والتقديمات الاجتماعية والصحية للصناديق الضامنة والقوانين التي أمَّنت الحماية والحصانة للنضال النقابي والمطلبي و…..). استمرت هذه المرحلة الى ما بعد انتهاء الحرب الأهلية ومجيء سلطة الميليشيات المذهبية التي كرسها اتفاق الطائف لبناء دولة المزارع المذهبية ودولة الزبائنية، سلطة وضعت نصب أعينها ضرب نقيضها ألا وهي الحركة النقابية التي تؤسس لبلد المواطنة والوحدة الوطنية والمساواة والعدالة الاجتماعية؛ فكان ضرب الاتحاد العمالي العام وتدجينه أواسط التسعينيات.
ثانياً : مرحلة ما بعد ضرب الاتحاد العمالي العام: جاء ضرب الاتحاد العمالي ليُسْتَتْبَعَ بالانقضاض على رابطة أساتذة التعليم الثانوي (تحالف أحزاب السلطة ضد تحالف القرار النقابي المستقل) التي كانت حصناً نقابياً مستقلاً وفاعلاً وذلك في انتخابات ١٩٩٦ حيث لم يكن ذلك صدفة بل ترافق مع اقرار سلسلة رتب ورواتب ضربت حقوق الأساتذة والمعلمين (ضربت القانون ٥٣/٦٦ أي ضربت ال٦٠٪). لكن ضرب الاتحاد العمالي العام نتج عنه فراغ نقابي كبير، فأتت حركة المعلمين والموظفين الاداريين، مُسَلَّحَةً بالقرار النقابي المستقل، لتملأ هذا الفراغ فتطورت لتؤسس هيئة التنسيق النقابية التي التصقت بالناس والتزمت همومهم وحقوقهم وصانت كراماتهم (التزمت بقرارات الجمعيات العامة للأساتذة والمعلمين والموظفين الاداريين)، فحازت ثقة هذا الجمهور الكبير بل تخطته لتحوز على ثقة معظم الشعب اللبناني لأنها لاحقت الفاسدين وأضاءت على مكامن الفساد والهدر والسرقات (المرفأ والمطار ومصلحة الميكانيك ودائرة الشؤون العقارية والأملاك البحرية وكل الوزارات و….)، فعلاً كانت أول من قام بذلك عبر دراسات علمية وموضوعية.
كما خاضت هذه الهيئة معركة كبيرة لمنع تمرير مقرارات باريس3 التي كانت تسعى الى ضرب دولة الرعاية الاجتماعية وخاصة تطبيق التعاقد الوظيفي، فنزل الى الشارع حوالي ٢٥٠ ألف متظاهر في ١٠ ايار ٢٠٠٦.
كما خاضت هيئة التنسيق معركة سلسلة الرتب والرواتب التي هي حق بسبب تجميد الرواتب منذ سنة ١٩٩٦ لتصبح نسبة التضخم حوالي ١٢١٪، وضعت هذه الهيئة الجداول المبنية على دراسة اقتصادية وعلمية تصون الحقوق وتعوض خسارة القيمة الشرائية للراتب، رافضة المساومة على الحقوق، خاضت نضالاً مريراً مع سلطة بكل أحزابها تميَّزت بالكذب والاصرار على الاعتداء على الحقوق والكرامة؛ لكن نضال هذه الهيئة في هذه المرحلة تميَّز بالقرار النقابي المستقل وذلك بالالتزام بكل قرارات الجمعيات العامة، كبيرة كانت او صغيرة، دون استثناء، مما جعل الناس يثقون بها ويلتزمونها ويلتفون حولها لتصبح تحركات هيئة التنسيق ككرة الثلج تكبر بشكل مضطرد ويشارك في تظاهرة ١٤ ايار ٢٠١٤ أكثر من ١٠٠ ألف متظاهر، هكذا شكلت هيئة التنسيق النقابية أملاً بنشوء حركة نقابية مستقلة يلتف حولها كل الناس، هذا ما دفع كل أحزاب السلطة اللدودين الى التحالف لضرب هذه الحركة النقابية المستقلة وذلك في خريف ٢٠١٤ لتبدأ مرحلة جديدة.
ثالثاً: مرحلة ما بعد خريف ٢٠١٤، تدجين الحركة النقابية: مع خريف ٢٠١٤، بدأ خريف الحركة النقابية حيث انْقَضَّتْ أحزاب السلطة اللدودين على كل الروابط والنقابات ودَجَّنَتْها وضربَتْ القرار النقابي المستقل وأخضعته للوصاية السياسية فألغت دور الجمعيات العامة ولم تحترم رأي الناس كما بدأ اسقاط قرارات السلطة على الناس، هكذا تحولت هيئة التنسيق النقابية الى بوق من أبواق السلطة وذهبت، طائعة، تنام في أحضان الاتحاد العمالي العام. كان من أهم نتائج هذا الواقع المأزوم قبول هذه الهيئة بسلسلة رتب ورواتب مسخ ضربت حقوق الأساتذة والمعلمين (خسارة ٣٥٪ من حقوقهم)، كما التأسيس لضرب التقديمات الاجتماعية والصحية (المادتين ٣١ و٣٣) وكذلك تؤسس لنظام عبودي عبر تقييم الرئيس لمرؤوسه (المادة ٣٥). كما أن هيئة التنسيق النقابية غابت عن الساحات وتنكرت لحقوق الناس وكراماتهم التي أصبحت في الحضيض، راتب الأستاذ، على سبيل المثال، الذي كان حوالي ٢٠٠٠ $ أصبح دون ال٤٠٠ $ والتقديمات الاجتماعية والصحية (أي دولة الرعاية الاجتماعية) في مهب الريح، أضف الى ذلك صحة الناس في خطر. هل يعقل غياب هيئة التنسيق عن انتفاضة الشعب في 17 تشرين الأول 2019؟ هذه الانتفاضة التي حملت هموم الناس وشعارات هيئة التنسيق، أيام العز، ضد الفساد. اما الأنكى من ذلك فهو بيانات هذه الهيئة المدجنة التي تهاجم السلطة، بربكم عن أي سلطة يتكلمون؟ أليسوا أنصار أحزاب هذه السلطة؟؟؟
بعد هذا العرض التاريخي المُوَثَّق، أرى أن هذه الهيئة لن تستطيع العودة الى الدور التي قامت به قبل خريف ٢٠١٤ لأنها تفتقد للقرار النقابي المستقل وفاقد الشيء لا يعطيه، ولأنها مربوطة وخاضعة لأحزابها في هذه السلطة وعليها تنفيذ قرارات هذه السلطة دون اعتراض.
*نقابي وقيادي في التيار النقابي المستقل