* د. أحمد الجمال
منذ بداية الألفية الجديدة بدأ يتشكل علمياً مفهوما جديدا لدور الجامعات وهو دور الجامعة الريادي، الذي انتشر في أوروبا وآسيا بعد أن انطلق من أمريكا قبل ذلك بعقد من الزمن. ويركز هذا المفهوم على أن أحد أهم الأدوار الرئيسة للجامعة المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال إطلاق المشاريع الابتكارية المنتجة.
ومن أهم متطلبات الجامعة الريادية ما يلي:
أولا– تحويل دور الجامعة من التركيز على التوظيف إلى التركيز على مبدأ خلق فرص العمل. فيكون السعي ليس فقط لتوافق النواتج التعلمية مع متطلبات التوظيف في سوق العمل، وإنما بناء وتصميم مناهج وتخصصات لتخريج طلاب قادرين على خلق فرص العمل في السوق عبر الاستثمار في الأبحاث والأفكار والمخترعات. وبالتالي تسهم الجامعة بان يكون للدولة موقعا في التنافسية العالمية، وتُعد خريجها إلى حياة عملية تتوافق مع طبيعة الوظيفة المتغيرة، والتنقل الدولي، والتواصل الثقافي، والاعتماد الأعظم على توظيف الذات. وبهذا المعنى تتحول الشهادة الجامعية من كونها وثيقة للتوظيف إلى بطاقة دخول إلى عالم العمل.
ثانيا– الشراكة الحقيقية مع أصحاب المصلحة من القطاعات العامة والخاصة والخريجين. وهذا يعني الشراكة المتوازنة التي تتيح للجامعة الاستفادة والتفاعل مع الشرائح المختلفة في المجتمع المحلي والتي يأتي على رأسها الخريجون، الذين يُعتبرون أُصولاً استثمارية ضخمة حين تُحسنُ الجامعةُ التواصُلَ معهم. هذا إضافةً إلى أَهميةِ التركيزِ على شَراكةِ المُنشآتِ الصغيرة، ورُوَّاد الأعمال، والجمعياتِ غير الهادفةِ للربح، والتوسُّعِ في إنشاء المشاريع المشتركة، المُعَزِزَةِ لبناء ثقافة ريادة الأعمال في المجتمع المحلي.
ثالثا– نقل التقنية والمعرفة، ويتم ذلك بالتواصل الوثيق مع الجامعات في جميع انحاء العالم، المتقدمة في مجال ريادة الأعمال. ومن وسائل نقل التقنية إقامة المراكز العلمية، ومراكز الابتكار، وبرامج الملكية الفكرية، والحاضنات الافتراضية، التي يمتد دورها من تشجيع الأعمال الحرة الصغيرة داخل الجامعة مروراً بتقديم الخدمات الاستشارية، وصولا إلى استضافة المشاريع ورعايتها حتى التخرج من الجامعة.
رابعا– التعليم القائم على الإبداع والابتكار، فريادة الأعمال تتطلب تعليماً قائماً على توليد الأفكار والتأمل والابتكار، وإطلاق العنان للإبداع المتحرر. كما يتطلب التفكير الريادي أن يتمحور الطالب على مفهوم ”المنشأة” أثناء الدراسة الجامعية. هذا المفهوم الذي يوجه التفكير والإبداع إلى مكونات وأنشطة ومهارات بناء ”المنشأة” ويصبح التعليم التطبيقي المجال الشائع لأساليب التعليم الجامعي. وهذا التعليم يتطلب تبني النظام التعليمي متعدد التخصص الذي يتيح للطالب فرصة تعدد التأهيل والاختيار من بين التخصصات المتنوعة.
خامسا– القيادة القادرة على توفير الإمكانات المادية والمعنوية لرواد الأعمال. فوجود الإدارة الواعية بأهمية التوجه نحو ريادة الأعمال والمقتنعة بآليات بناء جيل المعرفة هو أحد أهم عناصر بناء الجامعة الريادية. فنشر ثقافة ريادة الأعمال يتطلب وقتاً طويلاً ويتطلب وضع الخطط الاستراتيجية لذلك، ووضع البرامج التنفيذية لمراحلها. ومن ذلك استحداث البرامج الداعمة لبناء رواد الأعمال في التعليم الجامعي مثل مراكز التميز لريادة الأعمال، والأندية والشرِكات الطلابية، ومسابقات مشاريع ريادة الأعمال.
لقد حددت المنظمة الدولية للتعاون والتطوير الاقتصادي OECD في دليل أصدرته للجامعات الاوروبية في العام 2012 الاطار للتقييم الذاتي للجامعات الريادية يرتكز على المجالات التالية:
- القيادة والحوكمة
- التنظيم والمبادرات
- تطوير مفاهيم الريادة في البرامج وفي التعليم
- تحديد المسارات نحو الريادة في الاعمال
- العلاقة بين الجامعة والمؤسسات وتبادل المعارف
- فتح الجامعة الريادية للعالمية والمؤسسات الجامعية الدولية
- قياس أثر الجامعة في المجتمع.
إن استراتيجية وزارة التربية والتعليم العالي تدفع بالجامعات إلى اتخاذ خطوات لتبني مفاهيم الريادة في الاعمال في برامجها وأطرها التنظيمية. ووضعت الريادة من ضمن أهم الاولويات الوطنية للتقدم للمشاريع الاوروبية ضمن إطار برنامج تمبوس ومن ثم إراسموس بلس.
وقد شاركت الوزارة عبر المديرية العامة للتعليم العالي بالعديد من هذه المشاريع التي من اهدافها تطوير قدرات الجامعات في مجال الريادة وإنشاء مراكز لريادة الاعمال ضمنها، إضافة إلى العديد من المشاريع حول ربط التعليم الجامعي بالتوظيف. وهدفت هذه المشاريع في معظمها إلى إعداد برامج مستدامة ضمن الجامعات لتحقيق الريادة لدى الطلاب وإنشاء مراكز للريادة ضمنها وبناء القدرات البشرية المعدة للتعامل مع مفاهيم الريادة في الاعمال، وخلق شبكات محلية ودولية للتعاون في مجال الريادة وتعميم التجارب الناجحة في هذا الاطار.
كما أن لدينا توجه بالتعاون مع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية للعمل على تطوير قدرات الجامعات في لبنان في مجال الريادة من ضمن برامج التعاون مع الوكالة.
* مدير عام التعليم العالي – لبنان