بوابة التربية: نظّم لقاء الهيئات الثقافية في الشمال في الرابطة الثقافية في طرابلس احياء ذكرى اسبوع على رحيل الاستاذ الدكتور وجيه فانوس، ومثل لاتحاد الكتّاب الّلبنانيّين عدنان برجي أمين شؤون الإعلام والعلاقات العامة في الاتحاد والقى الكلمة التالية:
ذاك الصباح الحزين لن يفارقني ما حييت، اذ لم اكد أنهي مقاله متسائلًا عن السر الكامن فيه حيث القدرة لا متناهية على الانتقال من بحور التراث الى الفلسفات المعاصرة مرورًا بالهموم الوطنية وما اكثرها والهموم القومية وما أشدّ تعقيداتها، حتى فاجأني اتصال صديق بصوته الحزين؛ ما هذا الخبر المفجع؟ قلت اي خبر، عمَّ تتحدث؟ قال: لقد توفي الدكتور وجيه فانوس.
لم أصدق الخبر، حتى تأكدت من العائلة، فالدكتور وجيه وعلى الرغم من التقاعد مقبل على الحياة يصارعها وكانه في مقتبل العمر، فهنا مشاركة ثقافية ومناقشة كتاب واشراف على أطروحة دكتوراه، وهناك بيان يوقظ الضمائر حول فلسطين، هنا اجتماع يسعى للوحدة الوطنية والوحدة الاسلامية، وهناك برنامج محاضرات ولقاءات وحلقات حوار ونقاش. هنا اقتراحات للخروج من الحال المتردية التي أصابت الوطن وهناك تحليل موضوعي ورؤية ثاقبة للمتغيرات والتحولات.
انه الزارع للأمل، انه المحارب لليأس، انه الذي لم أسمع منه يومًا شكوى، وهو الذي كابد وعانى وسهر وتعب حتى بنى نفسه بعيدًا عن أية محسوبية وقطعًا بعيدا عن كل انتهازية او أنانية. فكيف لمن كان بهذه الصفات ان ينام فلا يستيقظ، وان يرحل دون سابق انذار وهو الخلوق الذي لم اسبقه يوما بالقاء التحية، وهو الأعلى مقامًا والأكبر عمرًا والأغزر عطاءً.
عرفته صديق العروبيين الّلبنانيّين منذ ايام الجامعة الوطنية في اواسط السبعينيات، وما أدراك كم جمعت تلك الجامعة انذاك من تيارات وافكار واحلام، وكم علّمت وكم قدّمت للوطن ولدنيا العرب والعالم من أصحاب الرأي والقلم والخبرة والتجربة، وتشاء الظروف ان يكون يوم إحياء ذكراه هو يوم الثورة التي الهمته، ثورة ٢٣ تموز ومفجرها القائد الخالد جمال عبد الناصر.
ثم عاصرته إداريًا ناجحًا في الجامعة عينها ثم زميلًا في اتحاد الكتّاب الّلبنانيّين وفي هيئته الإدارية ثم رفيقًا شبه دائم في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب حيث كان نائبًا للأمين العام لدورات عديدة، وحيث كان كما في لبنان جسر التواصل ونقطة اللقاء بين توجهات مختلفة ورؤى متنوعة بل متناقضة.
لقد نجح الدكتور وجيه في حماية اتحاد الكتّاب الّلبنانيّين من التناقضات السياسية اللبنانية وحافظ عليه بوتقة وحدة لكل أدباء وكتّاب لبنان، فتح قلبه وذراعيه لكل موهبة وخصوصًا المواهب الشابة، وحرص ان يقدم هذه المواهب الفتية ويشجعها حيث استطاع ايمانا منه ان المستقبل انما تبنيه عقول الشباب وابداعاتهم اللامحدودة، كما نجح في تجنيب الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب الشرذمة والانقسام في اوج الصراعات العربية العربية، بل انه كان المحرك المؤثر والفاعل في تطوير النظام الداخلي لهذا الاتحاد .
لن اعدد كل انجازاته وتضحياته فقط سوف اتوقف بسطور قليلة امام هذا الحب الممتد بين الأجيال وعلى امتداد رقعة الوطن والأمّة لشخصه وقد تجسد هذا الحب في الحزن الذي تدفق كلمات وعبرات في وسائل التواصل وعيون المشيعين الذين ما اجتمعوا في تناقضاتهم الا يوم رحيله.
لقد كان وجيه الانسان المؤمن الخلوق الوفي المتعالي على الصغائر، لم يدخل الحقد قلبه، فكان يصل ما انقطع، وكان يضغط على جروحه النفسية حفاظًا على ود الآخرين وطيب مشاعرهم.
لقد كنت شاهدًا على طعنات وجهت إليه فتعالى عليها وتجاوزها ولسان حاله يقول: اغفر لهم انهم لا يدرون ماذا يفعلون، وها هم اليوم يا صديقي يتلون فعل الندامة ويطلبون الصفح، ويقرون بخطأهم وبأنك كنت على حق.
من عرفك عن كثب لا يمكن له الا ان يحبك وان يغبطك على السجايا العظيمة التي حكمت قناعاتك، لذلك فان إرثك ليس فقط الكتب العشرين التي كتبت ولا عشرات الأطروحات التي ناقشت، ولا الطلاب الذين خرجت وهم بالآلاف، ولا المقالات والبيانات التي نشرت، بل فوق ذلك كله تلك الأمثولات الرائعة التي جسدتها علاقات صفاء وود وتراحم واحترام.
رحمك الله يا أخي و ياصديقي ويازميلي وانك بعون الله وبشفاعة نبيّه الأكرم صلوات الله عليه وسلامه ستكون في عليين مع الصديقين والأبرار، واننا نسأل الله ان يلهم أبناءك وزوجتك المصون واحفادك الصبر والسلوان ، وكل الشكر للهيئات الثقافية في طرابلس والشمال التي كانت السباقة في المبادرة الى إحياء ذكراك والى الرابطة الثقافية التي احتضنت هذه النخبة الكريمة من اهل الفكر والعلم .
السلام على روحك الطاهرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته