بوابة التربية: تحقيق ليلي التوم:
طالت الظاهرة الوبائية التي فتكت بالعالم اجمع، العديد من البلدان بشكل عام ولبنان بشكل خاص، وهي تجمع في المصيبة وتفرّق في المساحات بين الأحبّة، فهي تجتاح شرائح واسعة في المجتمع من دون أن تميّز بين كاهل، شاب أو حتّى طفل…
وبالطبع تترافق مع هذه الظاهرة ضرورات تفرض التزام المنزل وان لم يكن بالحسنة فبالإكراه تحت طائلة التهديد بدفع غرامات ماليّة، لغير الملتزمين بالحجر المنزلي….
فكيف تعاطى اللبنانيون مع هذا الحجر وهل حمل إيجابيّات ام اقتصر على السلبيّات فقط؟
قصدنا لهذه الغاية مجموعة أشخاص بصفات وظائفيّة متعددة (أساتذة، موظّفين، طلاّب…)، ذكور واناث، اذ ما هو قاس بالنسبة للرجل قد لا يكون الامر نفسه بالنسبة للمرأة والعكس صحيح…
اذ يرى البروفيسور “خليل الجمّال”، عميد كليّة التربية، أن الإيجابية في مرحلة الحجر، تمثلّت باستمرار عمليّة التعليم والتعلّم من بعد، وبخاصة أن الكليّة اعتادت ومنذ منتصف العام المنصرم على أنماط جديدة في التعليم، الا أن السلبيّة -من منظاره- تتمثّل في بطء الأعمال الإدارية نسبيا” في فترات الاقفال…
وبالنسبة للأستاذة “لور عيسى”، تعتبر أن الحجر حمل الإيجابيات أكثر من السلبيّات، اذ لم تعد تتكبّد عناء التنقّل لإعطاء الدروس الجامعية هنا وهناك رغم أنها تفتقد الى وجود الطلاب، ضحكاتهم، نهفاتهم، تفاعلهم الصفّي (بحسب تعبيرها…)
ويشاطرها الرأي الأستاذ الجامعي أيضا “عصام مسلم”، اذ يرى فوائد الحجر بالمنظار عينه ويحمل الكثير من الايجابيّة، بالإضافة الى إبقاء كافة الملفّات التدريسيّة محفوظة عبر المنصاّت الالكترونية (E-Learning…) وإمكانية الاستفادة منها في السنوات القادمة، وبذلك لن يكون الوقت الذي صرف على التدريس عن بعد ذهب سدى”…
أما رئيسة قسم في احد المراكز التربوية كارمن شبيب، فإلى جانب اتمام مهامها واجتماعاتها عبر المنصّات الالكترونية، فهي تستفيد من رتابة الحجر للانغماس بالأعمال الفنيّة التي تحبّ كالرسم، والذي يحتاج بدوره الى الهدوء والسكينة الى جانب كتابة بعض الخواطر…
وبالنسبة الى الأستاذة روز حبّو، مدرّسة في احدى الجامعات، فهي تحسن استخدام الوقت في التعليم الى جانب الحصول على مساحة أكبر، أثناء الحجر للاهتمام بأمور عائلتها اليومية مع توفّر المزيد من الوقت-بفعل الحجر-للعائلة…
أما عن رانيا الخويري وهي طالبة موسيقى في احدى الجامعات فترى أن السلامة تأتي أولاً، وبخاصة أنها فقدت أحد المقرّبين بفعل الوباء، فتعتبر أن التعلّم يأتي بالمرتبة الثانية، رغم أنها حصّلت موادها بنجاح، بطريقة التعلّم عن بعد، الا أنها لا تنكر مفاضلة التعلّم عن قرب كونه أسهل على الطالب وبخاصة في المواد التطبيقية- كونها طالبة موسيقى- ولكن بظروف طبيعيّة، فحالياً ترفض المخالطة، كما وتسنّى لها-كونها أمّ أيضاً-الاستفادة أكثر من ملازمة المنزل للاهتمام وسط هامش أكبر بابنها وزوجها…
وتشاطرها الرأي طالبة الماستر في احدى الكليّات ربى -في شقّ التعلّم عن قرب- اذ تفضّل انتهاء الحجر، والتمتّع أكثر بالحصول على التعلّم عن قرب، لما له من ايجابيّات من وجهة نظرها…
أما “سلمى” وهي عاملة، فقد ضربها الملل أثناء الحجر، ورغم أنها تلازم المنزل ولا تخرقه، سوى لإقامة نزهة صغيرة لكلبها، فترتدي ثيابها الانيقة، وكأنها سترتاد أحد الأماكن العامة، فقط لكسر جمود الحجر، وارتداداته النفسية والاجتماعية عليها، وهي من اعتاد الخروج كل يوم…
فيما ترى الصيدلانيّة ميرنا نصر أن الحجر أكثر ارهاقاً بالنسبة لطبيعة عملها حيث يتهافت الناس وسط خوف شديد لتأمين الدواء والحليب لذويهم، ولكنها تبعث الأمل فيهم وتعتبر أنها تساعدهم قدر المستطاع للتخفيف عنهم في هذه الأزمة الوبائية الصعبة…
أما في المشهديّة العامة لموضوع الحجر فيخيّم الهدوء على الأحياء وبخاصة في الفترة المسائيّة، لتصبح معظم الأحياء، كمسرح للأشباح، لا يعتريه ويكسر صفوه حتى صوت بسيط، أو صراخ…فلم نعهد لبنان الذي كان يعجّ دائماً وأبداً بالحياة، بهذه الصورة الموحشة، الا أننا مجبرون على ذلك، فالإصابات في تزايد ما بين الحين والآخر وعدد الوفيّات-مع الأسف-في تزايد مستمرّ…
فمن منا لم يشهد إصابة قريب له، صديق، جار، زميل أو حتى خسره…؟!
وان لم نكن أصحاب اختصاص لتقييم الوضع على المستوى الاجتماعي أو النفسي، يكفي أننا شهدنا غضب في كثير من الأحيان، ملل، تأفّف ورفض لهذا الواقع الذي فرض نفسه ولم نعتده يوماً، وبخاصة في صفوف من أصابهم الوباء وعانوا من عدم توفّر المستشفيات، المال أو العلاج، أو حرموا ملازمة ذويهم أو حتى رؤيتهم وهم على فراش المرض أو الموت، ويصعب الحال ويصل الى ذروته عندما يفقد أحد الأفراد عزيزاً ولا يستطيع حتى وداعه وداعاً مهيباً يليق بتضحياته الطويلة….
فما بين الأمور العمليّة، المهنيّة، التقليديّة والتي ترتدي اليوم طابعا” مختلفا” عبر الاستخدام الكبير للمنصّات الالكترونية، وما بين اللّهو والانغماس في الصلاة، أو في الأمور الرياضيّة والفنيّة، كأمور وحيدة متوفّرة منزليا”…
يبقى أن نؤكّد أن هذه الجائحة، كأي ظاهرة مفاجئة حملت في طيّاتها وبحسب المستفتين بعض الايجابيّات، فرجّحت الكفّة الى العوامل الإيجابية على مستوى الأساتذة، وكانت بأكثرها سلبية بحسب الطلاّب والذين بمجملهم يفضّلون التعلّم عن قرب…
آملين جميعاً في نهاية المطاف الوصول قريباً الى استقرار صحّي، نفسي، اجتماعي واقتصادي…