الأربعاء , ديسمبر 11 2024

معلمو لبنان: “كونوا رسلاً لا مجرد موظفين”

بوابة التربية- كتب التربوي د. عبد الناصر صلح:

رحم الله زمنًا كان فيه لبنان مدرسة الشَّرق، وكان فيه المعلِّمُ رسولًا يهمّه الشَّأن التَّربوي أوَّلًا، وكان التِّلميذ محور العمليَّة التَّربويَّة والتَّعليميَّة.

رحم الله مؤسسي المدارس والثانويَّات الرَّسميَّة في العاصمة وفي المناطق، وكل من ناضل وجاهد ليستطيع الفقير أن يتعلَّم.

في السَّنوات الثَّلاث الماضية جاهد القطاع التَّعليمي في لبنان لتجاوز الأزمة، ولكن أعتقد آسِفًا أنَّ السَّنة الدِّراسيَّة 2023-2024 ستكون سنة خسارة التَّعليم.

لا أحد يستطيع أن يُنكر مدى ثِقَل وخطورة الأزمة التي يعاني منها المعلِّمون في لبنان، كما لا أحد يستطيع أن يُنكر عليهم حق الإضراب وحق المطالبة بحقوقهم، لكن الحد الأدنى من المسؤوليَّة يفرض أن يكون هناك تقييما حقيقيًّا وواقعيًّا للموقف، فلا يجوز أن يُتَّخذ أي قرار – مهما كانت التَّحدِّيات – يمس بالقيم الرِّساليَّة والمهنيَّة للمعلِّم، فلا يصحُّ مثلًا أخذ أي قرار يُؤدِّي إلى ضياع العام الدِّراسي وبالتَّالي خسارة جيل كامل من الأطفال والمراهقين الشَّباب، يا سادة: حقُّ الطِّفل بالتَّعليم هو حقٌّ مقدَّس لا يحقُّ لأحد أن يمسّ به.

بناءً على ما تقدَّم، إسمحوا لي أن أطرح بعض الأسئلة التي بحاجة للحد الأدنى من الموضوعيَّة والمسؤوليَّة:

–       في إحصاءٍ بسيط نجد أنَّ نحو 135 ألف طالب من أبناء موظَّفي القطاع العام، منهم 47 ألف من معلِّمي القطاع الرَّسمي (أساسي، ثانوي، مهني) يستفيدون من المنح المدرسيَّة التي تقدِّمها تعاونيَّة موظَّفي الدَّولة، وفي الإحصاء ذاته نجد أن عدد أبناء المعلِّمين المسجَّلين في المدارس الرَّسميَّة التي يُعلِّمون فيها هو: صفر طالب أساسي ، ١٥٠ طالب ثانوي، من أصل عشرات الآلاف.

والسُّؤال هنا، لو أنَّ أبناء المعلِّمين مسجَّلين في المدارس الرَّسميَّة هل كانوا سيقبلون بخسارتهم عامهم الدِّراسي؟

–       بعيدًا عن لغة الأرقام، معلِّمو لبنان هم جزء أساسي من القطاع العام ويُفترض أنَّهم يؤمنون بمبدأ المساواة في الحقوق، وهذا لا نجده بتوزيع الرَّواتب والحوافز، فموظفوا القطاع العام لا يتقاضون سوى ٣ رواتب وبدون أي حوافز أو بدل إنتاجيَّة مع دوام ١٢ شهر، حتى أفراد الجيش اللبناني يتلقُّون كل ٤٥ يوم ١٠٠$  بكافة الدوامات (نهاري ، ليلي على مدار السنة).

أما معلَّموا الرَّسمي وقياسًا بواقع حال باقي الموظَّفين، فقد خُصص لهم :٣ رواتب، بدلات نقل، فريش دولار، ٦ ليتر بنزين، عطلة ٣ أشهر، فقد ترواحت رواتب البعض بين ١٨ الى ٢٢ مليون، ورغم كل ذلك يرفضون ويطالبون على حساب مستقبل الطُّلَّاب.

ناهيك عن سفر المئات الى خارج لبنان واستمرار البعض بتقاضي رواتبهم وهم خارج الأراضي اللبنانيَّة منذ سنوات.

فأين مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات؟

–       يوجد أكثر من ١٢ الف معلِّم رسمي (المُصرَّح عنهم)  متعاقدون مع القطاع الخاص، مع العلم أن قانون سلسلة الرُّتب والرَّواتب الأخير منعهم من التَّعاقد، فلجأ البعض منهم الطَّلب من إدارات المدارس الخاصَّة بعدم إدراج أسمائهم على اللوائح المُخصصة للعاملين في القطاع الرَّسمي، وقد تواطأت الكثير من إدارات المدارس الخاصَّة في ذلك.

والسُّؤال هنا: أي معيار يقبل بمتابعة التَّعليم في الخاص وتعطيل التَّعليم الرَّسمي؟ هل لوَّح هؤلاء مجرَّد التَّلويح بالإضراب عن التَّعليم في الخاص؟

–       نحن لا ندَّعي أنَّ ما يتقاضاه معلِّمو لبنان الرسمي يكفي ويليق بالمعلِّم ولا بغير المعلِّم من القطاع العام المدني أو العسكري، إنَّما من كان لديه النِّيَّة والإيمان بالرِّسالة التي يحمل، كان عليه الاشتراط بالعودة يومين على الأقل (كما فعل باقي موظفي القطاع العام) حفاظًا على مستقبل الطُّلَّاب الذي دمَّرته السَّنوات المنصرمة من الإقفال والضَّياع بسبب جائحة كورونا والتَّدهور الاقتصادي.

والسُّؤال هنا: أليس الضَّرب بالميْت حرام؟ ألا يعلم الجميع أنَّ الدَّولة منهارة، وأنَّ الأزمة أكبر من قدرة أي مسؤول على حلِّها؟ وأنَّ الحد الأدنى من المسؤوليَّة يحتِّم إيجاد حلول عمليَّة تُراعي أوَّلًا وآخرًا مصلحة الطُّلَّاب؟ ألم يكن الأجدى إنقاذ الجيل (البقيَّة الباقية، والأمل الأخير للغد القادم) من هوَّة الجهل؟

أخيرًا أختمُ بما بدأتُ به، إنَّ الأزمة كبيرة وثقيلة، والتَّقصير بحقوق المعلِّمين والأساتذة فادح، ولكن بالمتابعة بإقفال أبواب المدارس أنتم تساهموم، شئتم أم أبيتم، قصدتم أم لم تقصدوا، في نشر آفة الجهل من أوسع أبوابها، وتهدمون جيلًا بأكمله.

يا سادة يا كرام نناشدكم بكلِّ مقدَّسٍ تؤمنون به: “كونوا رُسُلًا لا مجرَّد موظَّفين”.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

ِالحلبي في اجتماع الهيئة العليا للمناهج التربوية: اجيالنا تستحق أن تكون لها مناهج عصرية

    بوابة التربية: ترأس وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي اجتماع الهيئة العليا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *