بوابة التربية- كتب أنور أبو عبد الحميد:
لا يجهلن عاقل أن النقابات وجدت لتدافع عن العمال أو الموظفين والشرائح العمالية كافة، وهذا حق تكرسه القوانين والأنظمة. فالدول المتقدمة حتى المتخلفة تعد هذا الحق مقدسا، إذ إن من دون عمل نقابي يصبح العامل أو الموظف كاليتيم الذي ينهب طعامه كل طماع لئيم.
وفي لبنان، لوحظ أن النقابات كانت في السابق محط أنظار الأحزاب والسلطة وإن غضت بعضها النظر عن تشكيلاتها وتركت هامشا لها للتحرك.. ولكن مع الانهيار الاقتصادي باتت الأحزاب تضع نصب عينيها النقابات. وحتى لا نتكلم في العموم، يعد مثال الجامعة اللبنانية ساطعا في التقهقر النقابي واستماتة الأحزاب للسيطرة على النقابات.
وكانت فضيحة التقهقر النقابي واضحة في لقاء الجمعية العامة الذي دعت إليه الهيئة التنفيذية للأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية… إذ كانت غالبية الأساتذة تريد التصويت على استمرار الإضراب صونا للحقوق، فيما كانت الهيئة وأعضاؤها المسيرون حزبيا تحديدا في واد آخر… إذ هربوا من الاجتماع.
فصحيح أن قسما من الأساتذة ترغيبا وترهيبا خرقوا الإضراب.. لكن الأداء النقابي دفن من خلال الأداء المتواطئ للهيئة التنفيذية وتماهيها مع الأحزاب والسلطة. والنتيجة؟ دمار للجامعة وسحق أهلها وطلابها، إذ لم يعد المعاش كافيا لرغيف خبز وكذا لينر بنزين. وباتت غالبية الأساتذة والموظفين تبيع بعض مقتنياتها لتعلم أو تحضر. وباتت الهجرة هي الملاذ للغالبية الساحقة… حتى الطالب لم يعد يجد أستاذا ليشرف على رسالته أو أطروحته بعدما يئس المشرف قبل الطالب والموظف… ما يؤكد هذا الكلام الوقائع على الأرض… إذ لا كهرباء في الكليات ولا تجهيزات… ولا حتى أوراق. فيما الأبحاث المدعومة تضاءلت بشكل مريع، بعد أن أصبح الدكاترة الذين وافقت الجامعة على دعم أبحاثهم عاجزين عن تكملتها، فمثلا إن حصل بحث مدعوم على ٥ ملايين ليرة قبل الانهيار الكبير، لم يعد صاحبه قادرا على شراء اوراق وتنقلات… النتيجة موت اكيد للبحث العلمي في الجامعة وقس على ذلك بقية الأمور.
والواقع أنه وإن رأي البعض أن التعليم الحضوري سينقذ المستوى.. فهناك من يسأل… هل ثلاثة أيام حضور ببعض الكليات كافية للطلاب والمواد؟ وان كان الحل بأن يعطي المتعاقد ساعاته بشهر ونيف… فهل هذا السلق سليم اكاديميا؟
وحتى لا نطيل… لقد عجزت الاداة النقابية للجانعة اللبنانية في ملفات الجامعة كافة كالملاك والتفرغ والاستشفاء وضربت الثقة بها كليا….
وهكذا ساهمت النقابة الحالية للجامعة اللبنانية مع عوامل أخرى في تدمير ما بقي من الجامعة اللبنانية…
ولكن الوقائع والأدلة تشير إلى ما هو أخطر من الوضع الحالي، كون الأحزاب مستميتة هذه الأيام للسيطرة أكثر على الهيئة التنفيذية…. ولعل هذا ما يفسر اتصال الأحزاب بمن تمون عليهم من الدكاترة ليسددوا الاشتراك للرابطة، بل إن هناك أحزابا دفعت لمناصريها ليسددوا الاشتراك وان كانت القيمة بسيطة… فيما يئس قسم كبير من الأساتذة الغيارى على الجامعة فلم يسددوا الاشتراك وقرفوا من سماع كلمة رابطة اذلتهم على أبواب المستشفيات واذلتهم أمام أطفالهم وعائلاتهم وأمام مستقبلهم.. لدرجة أن أحد الدكاترة بدأ يقول…. ليتني لم أتعلم! وليتني لم ادخل إلى جحيم الجامعة اللبنانية بعدما ساهمت الهيئة غير المؤتمنة على من تمثلهم، في الاندحار النقابي المهين.