بوابة التربية: أعلنت هيئة التنسيق النقابية رفض بدء العام الدراسي المقبل وعدم العودة إلى الصفوف في المدارس الرسمية والخاصة قبل إيجاد الحلول المنشودة والناجعة. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقدته الهيئة وتلاه باسمها، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود، واشار إلى “أن الكثير من المدارس الخاصة مارست وتمارس الترهيب بحق أساتذتها بمعرفة وتغاضي وزارة التربية والتعلعيم العالي”، مؤكداً أن “القطاع التربوي يعيش مأساة جديدة في هذه الأيام، وتتمثل بالاستقالات والهجرة بحثا عن فرص عمل بالخارج”.
وجاء في المؤتمر:
لم يشهد لبنان في تاريخه الحديث والقديم تدهوراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كالذي نعيشه اليوم. انهيار لقيمة النقد الوطني إلى ٩٠٪ من قيمة العملة الوطنية، وتدني القيمة الشرائية لأجور ورواتب الموظفين والمعلمين. انهيار في نظام الحماية الاجتماعية والضمان لدرجة أن العديد من الخدمات الصحية توقفت أو في طريقها إلى التوقف. انقطاع المواد الحيوية من محروقات ودواء ومواد غذائية ، وأصبحت الأزمة الاقتصادية تقلق راحة اللبنانيين بشكل عام والمعلمين والموظفين بشكل خاص وتشغل بالهم من جراء التدهور الحاصل، والغلاء المتوحش الذي افترس أحلامهم ونغّص عليهم عيشهم.
في هذا الزمن، تغيب مبادرات دعم المعلمين الذين هم في الخدمة والمتقاعدين بينهم، وتأمينهم والدفاع عنهم، وتُغَيَّب العدالة، فتدخل التربية حالة الغيبوبة.
لتفادي الوصول الى الموت السريري، يستوجب التصدي لمشكلات المعلمين الكثيرة ومعالجتها ليشعروا بالأمان والاستقرار الوظيفي؛ فهم الذين قاموا بواجباتهم كاملة، وتابعوا التدريس بكل أشكاله، وواكبوا وتكيّفوا مع الظروف الاستثنائية الحالية؛ لذا يجب تحقيق العدالة في التعامل معهم وتأمين مستلزمات صمودهم في مهنتهم وفي مدارسهم، وعدم التمييز بينهم في الحقوق والواجبات، فيستمرون في أداء رسالتهم النبيلة من خلال بناء أجيال الوطن الشابة.
وتابع : حتى البطاقة التمويلية لم تعد تجدي نفعاً. فهذا النوع من المساعدة هو أشبه بالتسوّل الذي لم نكن نتصور أن في بلد العلم والنور سيصل المعلمون الى هذا الدرك من الاستهتار بهم وبرسالتهم.
ولأن المعلمين أصحاب رسالة وضمير، وحرصاً على مصلحة التلاميذ والطلاب، أعلنت مكونات هيئة التنسيق كافة استعدادها لخوض مغامرة الامتحانات الرسمية على الرغم من مطالبتها استثناء تلامذة البريفيه من الامتحانات الرسمية لهذا العام فقط، لنفاجئ بعدها بشبه اتفاق بين وزارة التربية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة على وجوب مشاركة معلمي القطاع الخاص في الامتحانات بشكل مجانيّ تطوعي، وغير طوعي!
وإن اعتبرنا أن المدارس الخاصة “المحترمة” ستعوض لأساتذتها الوقت والجهد المطلوبَين منهم، إلّا أننا نعرف أيضاً أن الكثير من المدارس الخاصة مارست وتمارس الترهيب بحقهم وذلك بمعرفة وتغاضي وزارة التربية.
ولأن “الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن”، ولأن المصيبة الواحدة لا تكفي بل وَجُبَ أن تُتبَع بمصائب متتالية، يعيش القطاع التربوي في هذه الأيام مأساة جديدة تضاف الى سلسلة مآسيه خلال الأعوام القليلة المنصرمة، الا وهي ظاهرة الاستقالات والهجرة بحثاً عن فرص عمل، بل فرصة حياة كريمة، في الخارج.
لقد حذّرنا سابقا من أخطار الصرف التعسفي الذي مارسته إدارات بعض المدارس الخاصة في محاولة تبرير رفضها تطبيق سلسلة الرتب والرواتب الجديدة وإعطاء معلميها الدرجات الست التي أعطيت لهم بموجب القانون 46\2017. وفي فعلته هذه، لم يدر هذا البعض أنه يحفر حفرة قد يقع هو نفسه فيها. لماذا وكيف؟ تعالوا لنرى الصورة القاتمة التي بدأت تظهر.
فأعداد الزميلات والزملاء الذين قرروا هجرة القطاع التربوي أصبحت مخيفة وقد أحصينا المئات منهم حتى اليوم. والأسباب وجيهة جداً والمبررات أليمة جداً.
كيف الاستمرار في وظيفة يجحد المسؤولون فيها بحق المعلمين، وجل ما يفعلونه هو الإشادة اللفظية بجهودهم الاستثنائية من دون بذل أي جهد لتوفير التقدير المادي المناسب لهم؟
فالراتب غير محصّل في العديد من المدارس الخاصة وهو، إن توفر، غير مطابق للقوانين النافذة. ولا من يحاسب !
وإن توفر الراتب القانوني، فقد أصبح “لا يُسمِن ولا يُغني من جوعٍ” بعد ضياع قيمة عملتنا الوطنية وتراجع قدرتها الشرائية الى حدود غير مسبوقة، نتيجة الأوضاع السياسية واحتكار بعض تجار الموت. وستشكل هذه الظاهرة أحد أسباب ما سنتكلم عنه في الخاتمة.
كيف الاستمرار في وظيفة يضيع فيها وقت المعلم في طوابير الانتظار الطويلة على محطات الوقود وغالباً من دون أن يوفق؟
كيف الاستمرار في وظيفة وقد بات المعلم يستدين لتأمين ما يلزمه من متطلبات الحياة الكريمة؟
أما حال صناديقنا الضامنة فبالويل! فكلفة الاستشفاء أصبحت باهظة جداً، وكأن الموت أصبح أرحم من بعض المؤتمنين على صحتنا وحياتنا! كلكم تعلمون ما هي كلفة الذهاب إلى طوارئ المستشفى (10، 20 مليون ليرة)، فكيف بكلفة الدخول اليها لتلقي العلاج؟ وماذا نقول عن عدم توافر الدواء؟
أضاف: فتعاونية موظفي القطاع الرسمي وصندوق تعاضد افراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، يناضلان بكل ما يملكان من إمكانيات في سبيل تخفيف العبء المالي الناتج من الكلفة الباهظة لاستشفاء المعلمين في الخدمة والمتقاعدين. وقد طالبنا المعنيين توفير الدعم المالي بالدولار لاستيراد المستلزمات الطبية التي باتت تشكل مع فاتورة الاستشفاء عبئا كبيرا على الشعب اللبناني بشكل عام وعلى المعلمين والموظفين بشكل خاص. ولكن، “على من نقرأ مزاميرنا”؟
لأننا، في هيئة التنسيق النقابية في لبنان، كنا السباقين على درب النضال من أجل المعلم والموظف في لبنان، ولأننا نعطي العمل المشترك أولوية مطلقة، نعلن ضرورة التوصل في هذه المرحلة المفصلية التي يمر بها لبنان الى جدول أعمال مشترك وخريطة طريق موحدة لكافة النقابات والروابط والاتحادات للخروج من هذه المحنة التي نتعرض لها، ولمعالجة الوضع المعيشي الصعب الذي أنهك الجميع. لقد حان الوقت لنقوم بمبادرة لنعيد إحياء الدفاع عن لقمة العيش بكل معنى الكلمة.
أيها المسؤولون عن ما وصل اليه الوطن،
إن الانهيار الحاصل قد بلغ فعلاً مستويات خطيرة جداً متجاوزاً كل الخطوط الحمر في مختلف مجالات الحياة وفي مختلف القطاعات وخاصة القطاع التربوي. ولأننا لا نملك حق التخلي عن شروط البقاء، ولأننا ما زلنا نعشق الحياة، نقول بصراحة:
فليستحِ المسؤولون خجلاً عن عرقلة الحلول والمبادرات، ما أوصل البلد الى ما هو عليه، وليشكلوا حكومة الإنقاذ الموعودة، مهمتها اتخاذ إجراءات اصلاحية فورية لوقف الانهيار.
فليعيدوا القيمة الشرائية للرواتب والمعاشات التقاعدية أو فليبادروا الى تصحيح الرواتب والأجور، أقله على سعر المنصمة. انه النداء الأخير من هيئة التنسيق النقابية لعدم تأجيل المعالجات واستبدالها بمشاريع حلول لا تزيد الأوضاع المعيشية إلا تدهوراً، ولا تزيد التعقيدات الوطنية إلا تعقيدات إضافية تحولها إلى مشكلات لا يمكن حلها.
فلتتحمل المؤسسات التربوية والدولة مسؤولياتها وتبادر الى حوار جدي بهدف إيجاد الحلول (وهي معروفة لدينا) لضمان عدم استنزاف الكادر التعليمي والحد من خسارة الطاقات التربوية التي لا تعوض.
فليطبق مبدأ العدالة والمساواة بين المعلمين في كلا القطاعين، الخاص والرسمي، من خلال إيجاد آلية واضحة وصريحة تضمن حصولهم على البدلات العادلة (يجب إعادة النظر بالبدلات حسب سعر المنصة، 3900 ل.ل بالحد الأدنى) لقاء مساهمتهم في الامتحانات الرسمية، بخاصة امتحانات الشهادة المتوسطة التي ستُجرى في المدارس الرسمية والخاصة، من أعمال وضع الأسئلة والمراقبة والتصحيح وإصدار النتائج، لان “لا عمل بدون أجر” .
لقد أعلنّا مراراً انّه إذا كان لا بد من سقوط الهيكل التربوي نتيجة تعنّت من تولّى ويتولّى مسؤولية الحفاظ عليه، ونتيجة تعنّت أرباب التربية، ونتيجة تجاهل أصحاب الشأن لمشاكل اللبنانيين عامة والمعلمين بخاصة، فليسقط على الجميع وليس على رؤوس المعلّمين والموظفين والمتقاعدين فقط.
للأسف، لقد بات السقوط وشيكاً إن لم نقل حاصلاً! ومع سقوط مدماك التربية، سيسقط حتماً هيكل الوطن كله !
لذلك، ولأن لا أفق حتى الآن لأي حل جدي للأزمات الكبيرة التي يتخبط فيها اللبنانيون، ونحن منهم،
ولأننا لم نعد نقوى على الاستمرار في تأمين الحد الأدنى من لوازم الصمود للقيام بواجباتنا الوظيفية،
نعلن رفضنا بدء العام الدراسي المقبل ونعلن عدم عودتنا إلى الصفوف في المدارس الرسمية والخاصة قبل إيجاد الحلول المنشودة والناجعة.
وختم عبود بالقول: يقول أحمد مطر : “نموت كي يحيا الوطن .. يحيا لمن ؟ نحن الوطن .. إن لم يكن بنا كريماً آمنا ولم يكن محترماً ولم يكن حراً .. فلا عشنا ولا عاش الوطن”.