بوابة التربية- كتب د. *أمين الياس:
أقولها بالفم الملآن، في يوم عيدكم، عيد العمّال وأرباب عرق الجبين واللقمة الشريفة، أنّ لا شيء غير الاتحاد معًا كأساتذة وبدعم من طلَّابنا بوجه هذه المنظومة المافيويَّة، التي دمّرت بلدنا بشكل ممنهج ومنظّم ودمّرت كلّ قطاعاته ومظاهر الحياة فيه وصولًا إلى التربية، يمكنه أنْ ينقذنا وينقذ بلدنا وقطاع التربية فيه.
أدعوكم إلى الثورة الشاملة ضدّ هذه المنظومة، التي أفسدت البلاد ونهبت جنى عيشنا، وتقَصَّدَت إفراغ البلاد من الأموال بواسطة تهريبها، بعد سرقتها، إلى الخارج. ثورة تكون من خلال توّحدنا بداية، أساتذة الجامعات، لا سيّما الجامعة اللبنانية، وأساتذة المعاهد المهنية وأساتذة المدارس الرسمية والخاصة، وكل الطلاب، في تحركات واعتصامات وإضرابات ومظاهرات ونداءات من أجل تجييش كل الشعب ضد هؤلاء المافويين الميليشياويين.
لا تنتظروا من أرباب هذه المافيا أي شيء من الآن فصاعدًا إلا المزيد من ضربنا واحتقارنا واستعبادنا واستغلالنا والاحتيال علينا بخطابات واهية وكاذبة وتعميق الأزمات وتعقيدها من أجل أنْ يصرفوا أنظارنا عن أكبر جرائم العصر المالية والاقتصادية. فبعد أن كانوا يقتلونا بالمدفع والبارودة أيام الحرب، ها هم أنفسهم، أرباب الحروب والميليشيات، الذين نفذوا الجريمة خلال حروب ما بين 1975 و1990 وأعفوا عن أنفسهم من دون أي وقفة ضمير وموقف توبة لما اقترفوه إزاء هذا الشعب اللبناني المعترّ، هم أنفسهم الذين تمادوا في الظلم والكيد، نظموا أكبر سرقة ومنهبة بعد 1990 لَمْ يشهد لها العالم مثيلًا منذ قرون. وجلّ ما يهمهم اليوم هو إخفاء جريمتهم والإعفاء عن أنفسهم.
هؤلاء المستولون على السلطة في لبنان يدعوننا إلى إنقاذ العام الدراسي والأكاديمي، وعدم ظلم الطلاب، والعودة إلى المدارس والجامعات، ونحن بتنا على الحصيرة، كما نقولها بالعامية اللبنانية، لا حول لنا ولا قوّة، فقراء بائسين نسعى لاهثين لوضع بعض الخبز على مائدة أطفالنا.
ألم يكن بالأجدر بدل مطالبتنا بالعودة إلى التعليم والتدريس بالسخرة كالعبيد، أنْ يقوموا هم، بإعادة ما نهبوه وسرقوه منا وهرّبوه إلى الخارج طيلة العقود الثلاثة الماضية، فيودعونه في خزينة الدولة كوقفة ضمير وكموقف توبة لما اقترفت أيديهم من جرائم بحقّنا كلنا؟ عندها يمكننا نحن وطلابنا أن نعود لشيء من الحياة الطبيعية.
إنَّ التربية في لبنان إنّما هي خط الدفاع الأول والأخير عن جمهوريتنا وقيمها، وعن مستقبل لبنان ومستقبل أجياله، فنحن أساتذة وطلابًا لا نريد للبنان أن يصبح كأفغانستان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن وغيرها من ساحات التخلف والصراعات، مصدرًا للحروب والتخلّف والتشدّد والتعصّب الطائفي والديني والمذهبي والعرقي والجندري والجهوي إلخ.
ليكن نضالنا، أساتذة وطلابًا، من أجل أنْ يبقى لبنان مساحة للحريَّة والإبداع والفنّ والجمال والتنوّع والثقافة وحوار الأديان وتلاقي اللغات والثقافات والحضارات، وأحد المشاركين في بناء الحضارة الإنسانيَّة.
لن يكون نضالنا اليوم للاستحصال على بعض المساعدات من هنا، والتقديمات من هناك، بل هو لإعادة التربية لأهلها، واستعادة قطاع التربية من المافيات الميليشياوية، وتحرير الأستاذ والمدرسة والجامعة وبالتالي شاباتنا وشبابنا من هذه المافيا ورذائلها البالية، ولنبني لبنان والإنسان في لبنان كما نرتجيه، إنسانًا حرًا مبدعًا فاعلًا ومتفاعلًا مع الحضارة الإنسانية.
*أستاذ متعاقد في الجامعة اللبنانية