أخبار عاجلة

إمتحان الدّولة ومنظومتها التربويّة

 بوابة التربية- كتب *علي حبيب مهنا:     ربع قرنٍ من الزّمن “على الصّحوة التربويّة في لبنان”، ربع قرنٍ من الزّمن والدولة تنهش في الجسم التربويّ، ثمّ تضعه في صفة الكماليّات!

    مُدّةٌ كانت كفيلةً بحلّ مشكلات التعليم كافّةً (لو أراد المعنيّون حلَّها واقعًا)، وببناء مقارباتٍ وتطبيقاتٍ لمنظومةٍ تربويّة متماسكةٍ قابلةٍ للتطبيق والإنتاج في الحياة التربويّة والعمليّة.

     منظومةٌ تهتمّ بالتّفاعلات بين العناصر، تركّز على الإدراك الشّموليّ؛ تدمج الزّمن، آخذةً بعين الاعتبار مجموعة المتغيّرات على أنّها الحاجة إلى نظام يقود نحو تحديد دور الأهداف وعلاقتها بالمناهج والموارد والضغوطات والصعوبات والتقويم والتعديل… نظام يبدأ ويسير وينتهى بالكلّ.

     لقد جاءت بصمات الدولة واضحة المعالم حيث نقلت بلد الحضارة وصانع الحرف إلى دركٍ مأزومٍ تربويًا، ففي “نظامنا التربويّ” طغى الجانب الأكاديميّ النظريّ على التطبيقيّ، والكمّ على الكيف، والتراكم على التناغم، والحفظ على النّقد والتحليل، والتعليم على التعلّم، كذلك تلقّن المعلومة على معالجة المعلومة… لأنّ الامتحان في “نظامنا التربويّ” هدفٌ وغايةٌ للتعلّم بأكمله… نحن نعلّم أبناءنا لينالوا الدّرجات، لا ليكونوا باحثين أو ليكتسبوا القدرة على تحدّي المواقف الجديدة وحلّ المشكلات، إنّنا نرضخهم لقياس امتلاء أدمغتهم لا طرق تشغيلها في مجالات الأبحاث والإبداع والعطاءات الإنسانيّة والتميّز…

      إنّ الحديث عن التعليم في وطننا يستوجب النظر إلى نظمه، بمراحله وشهاداته كمستورد من بلاد الغرب:  فنحن تسوّقْنا الشكليات وأغفلنا الجوهر، ومكمن هذا الجوهر في أن الغرب الذي أبتدع نظام التعليم، وابتكر شهاداته، هو نفسه الذي يقدس الإنجاز والإبداع ويرقيه إلى مرتبة المحكّ الفيصل في التقويم.

     أما نحن الذين أشكلنا على أنفسنا حتّى الضياع بين الهدف والوسيلة، فكانت النتيجة دائمًا لدينا هي في تعظيم قيمة الشهادات بحيث أسقطنا الإبداع والمهارات من كلّ حامل شهادة، وبالتالي خسرنا عشّاق المعرفة في كلّ ميدان.

     لا بدّ أنّها “جائحة كورونا” الّتي وضعت جميع المعنيّين تربويًّا في الغربال، فالدّولة كان نصيبها السقوط، تلك الّتي تمسّكت بالسطحية عوض التعمّق، وتبنت نمطيّة التفكير بدل إبداعيّة التفكير، فما أبدعت ولا قدّمت جديدًا وأفتقرت للرؤيا المستقبلية. تلك هي صنَّاعة الخيبات في زمن الرّجاء.

     من ناحية أخرى، لا يمكن الجزم أنّ جميع المدارس في القطاع الخاصّ قد تفوّقت على نظيراتها في الرسميّ من دون قياس علميّ يبيّن ذلك. في الواقع، كان لكلّ منهما نصيبًا وافرًا من النّجاح وآخر من الفشل كذلك؛ بالرغم من اختلاف المقوّمات عامّةً بينهما.   

     لقد انتفض معلمو المدارس اللّبنانيّة في كِلا القطاعين الرسميّ والخاص، وتفوّقوا على دولتهم، وقدّموا على الملأ درسًا بليغًا في الوعي الوطنيّ، بعدما هتكت السلطة أمنهم الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وجعلتهم رهينة ضمائرهم، فاختاروا الرّسالة منعًا لسقوط الوطن.

     ختامًا، إنّ النظام الذي لا يثق بنتائج تلامذته المدرسيّة، هو نظام لا يثق بجزئياته وبكيانه، نظام عقيمٌ ورحم عاقرٌ عن الإبداع والتميّز وعن السير في الركب العالمي المتسارع نحو التقدم، هو نظامٌ فاقد الثقة بعمله وأهليّته وبجدوى خططه الخاصّة، فَلهُ السقوط غير مأسوفٍ عليه. ويبقى السؤال موجّهًا إليكم: هل نجحت       – برأيكم – الدّولة ومنظومتها التّربويّة في إمتحانها؟ أمّ أنّ من علينا امتحانه هو التّلميذ حصرًا، ضحيّة تلك المنظومة؟ وهل هدفنا من التّربية هو ترهيب المتعلّم بالتّقييم الّذي لم ترتقِ المنظومات التّربويّة المعروفة في بلادنا إلى مستوى ابْتكار نوعٍ منه يراعي الظروف الرّاهنة؟ أمّ أنّنا نصبح أبطالًا بالانتصار على من واجبنا نصرته في الأزمات؟

*باحث تربوي

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

عميد المعهد العالي للدكتوراه يفتتح حفل أسبوع المطالعة في ثانوية الرحمة

بوابة التربية: نظمت ثانوية الرحمة (كفرجوز-الجنوب) التابعة لمدارس المبرّات، الأسبوع الثقافي التاسع عشر ومعرض الكتاب  …