أخبار عاجلة

التربية في لبنان: نقاط في حروف الإصلاح

 بوابة التربية- كتب د. *حسين عبيد

في مقاربة سريعة، لواقع التربية في لبنان، حيث يعيش هذا القطاع أزمة مستعصيّة، وبات بحاجة ملّحة إلى إصلاح، قد يكون جذريًّا، وهو أمر يتطلب بذل جهود جبّارة لإصلاحه، إذا ما أردنا إصلاحه فعلًا، ما هي الأسس التي ينبغي اعتمادها في الإصلاح؟ وهل نمتلك القدرة على مواكبة المستجدات والتطورات العلميّة والمعرفيّة، بالتزامن مع التحولات السريعة والمتسارعة على صعيد القيم، تصارعًا أو تناغمًا، وما بينهما…؟  وبالتالي كيف يتحقق هذا الإصلاح في ظل أوضاع غاية في الصعوبة والتعقيد مع افتقارنا لأدنى الموارد، على مختلف المستويات والأصعدة؟

ونعود إلى المقوم الأبرز في كل هذه العمليّة، تُطلق مفردة الإصلاح، مع ما يصاحبها من مفردات تحتّف بها كالتغيير والتطوير، وغيرهما من مفردات، قد تشكل بمفرداتها منظومة الخلاص، تستمع إليها بشغف، قد تنبهر بها، فتحلق وتبسط جناحيك على بساط الريح، فتخال أنّك قد أصبحت في رحاب الجنائن المعلقة الغنّاء، وربّما في جنات عدن الموعودة.

هي عبارات تطلق، دون تحديد مقاصدها، وكيفيّة تحققها، والمراد منها، دون مراعاة للظروف التي تطلق فيها هذه المفردات، بعيدًا عن الجهات الراعية والداعية لتحقيقها، ولكي تزيد من حال الانبهار لدينا تطلق مع مفردات أخرى لصيقة، كالحريّة والسيادة والاستقلال والسلام والعدالة والمساواة بين … و…. وإلباسها من قبل بعض أصحاب الغايات لبوس التحضر والمدنيّة، وحرفها عن معانيها الحقيقيّة، بزعم التطوير والتحديث، وفيها تُشوه الصورة وتُزيّف الحقائق، في إسقاطها من منظومة قيم وثقافات مغايرة، وقد تصل في بعض مكوناتها إلى حدّ التناقض مع منظومات قيمنا في بعض وجوهها، والعمل على إكراهها للانخراط في منظومة العولمة وشبكاتها المترامية الأطراف، تُجمع فيها مفاهيم التقاطيّة هجينة، على قاعدة امتلاك ناصيّة الحقيقة المطلقة، ما يعتمده هو الصواب وغيره الغلط، هو النور القادم لإبادة الظلام ومحوه من الوجود…. مصورًا نفسه كمارد قادر على اقتلاع كل ما خالفه أو عاند،. بدلًا من التصويب على الواقع المعيش وكيفيّة معالجة الأزمة التي يعاني منها النظام التربوي، وطرح الحلول ورسم المعالجات…

ومن الجدير ذكره، أنّ المناهج، في العادة، تُصنع، في ظل حال من الاستقرار، في حوار هادف بعد الاتفاق على الثوابت، وأولاها: الهويّة، ومن هنا يكمن الفارق بين:

– إرادة للإصلاح منبعثة من داخل، وعن قناعة راسخة بالإصلاح والتغيير والتطوير، في بناء منهج منطلق من رؤية واضحة، وبخطّة مرسومة منبثقة من صلب منظوماتنا القيمية، ووفاقًا لحاجاتنا المجتمعيّة، وبأهداف مبنيّة على العدالة والتكافؤ في الفرص، وما عداها من مكونات المجتمع العادل.

– وتلك المفروضة من قبل جهات خارجيّة، بأهدافها المعروفة والمعلومة، أقلّها حدّ الارتهان والتبعيّة المُطلقة (الوصاية الدوليّة)، عبر مفاهيم ومصطلحات ملتبسة بعناوين براقة.

– أو أن تكون من قبل البعض مجرد مفردات معلّقة في الهواء، مبنية على سياسات نكاياتيّة ونكديّة…

ومن هنا يمكن أن نتقدم ببعض إضاءات، على مناهج بمرتكزات متينة وهادفة، تُرسي من خلالها الثوابت الوطنيّة، الهادفة إلى تحقيق السيادة والاستقلال…. والتي لا تتحقق إلّا ببناء ملامح متعلم يتمتع بحسّ الأصالة، ومنفتح على الثقافات العالمية، وليس العكس، ملامح منبثقة من مكونات مجتمعاتنا القيميّة، عندها تصبح المناهج ثريّة، وتتماهى مع المكنون المواطني بهويته المتماسكة التي ترغب في تحقيقها، ويتمثل ذلك في نقاط :

أولها: رسم هويّة وطنيّة بمحدّدات واضحة، تشكل نقطة الارتكاز الأساس في بناء المواطنة الحقيقية العادلة

وثانيها: الابتعاد عن الأدلجة المزيفة في رسم هذه الهويّة، والبناء على قاعدة القواسم المشتركة والمتشابكة بين المواطنين.

وثالثها: التوازن في الأطروحات، التي تنعكس توازنًا في التعامل مع منظومات القيم، وتتمثل برسم استراتيجيات التعامل المدروسة بين عوامل الداخل وتمظهراته والخارج بتأتيراته، يتغلب فيها الجانب المحلي، بل يكون هو الأساس، لرسم السياسات، ولتحقيق ما تقدم ذكره، ينبغي:

– توظيف الطاقات البشريّة التي نمتلكها على المستوى الفردي، بدل العمل على تهميشها، أو اعتماد النمطيّة في توظيفها، وفي الاستفادة منها.

– رصد مبالغ مالية بتمويل ذاتي للقيام بمثل هذه العمليّة، وباستقلالية تامّة، للتحرر من أسر الهبات والتبرعات والمكرمات…

كانت هذه إضاءات يُحسب أنّها تشكل نقاط ارتكاز لمنهج منبثق من رؤية واضحة، وخطة مدروسة، لانتاج ملامح متعلم يحمل هموم وقضايا وطن يليق بأبنائه. وطن حر سيد مستقل بالقول والفعل…..

 

*باحث في القضايا الفكريّة والتربويّة والتاريخيّة

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

ثلاث طاقات متخصصة من الجامعة اللبنانية عمداء في جامعات بريطانية

بوابة التربية: عين رئيس جامعة التايمز البريطانية المفتوحة في لندن، السيناتور البروفسور مخلص الجدة، Thames …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *