أخبار عاجلة

الحركة الثقافية-أنطلياس أحيت ندوة حول كتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو “دولة لبنان الكبير”

بوابة التربية: لمناسبة صدور كتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو الجديد: “دولة لبنان الكبير 1920-2021: إشكاليات التعايش والحياد والمصير” انعقدت ندوة في الحركة الثقافية-أنطلياس في الخامس من أيار 2022 شارك فيها كلّ من الأساتذة الدكاترة جوزيف أبو نهرا وعبد الله سعيد والعميد الدكتور رؤوف الصيّاح، وأدارها الدكتور عصام كمال خليفة.

أبو نهرا

استهل العميد البروفسور أبو نهرا مطالعته بالحديث عن الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب، مشيرًا إلى تحلّي المؤلّف “بالموضوعية والرأي الجريء” والابتعاد عن “الأفكار المسبقة”، والتعبير عن “قناعاته بلا مواربة أو مسايرة”، وتخطي “الولاءات السياسية أو الطائفية”. وقد أشار سنّو إلى الأخطاء التي ارتكبتها كلّ الطوائف بعضها بحقّ بعض. ووصف أبو نهرا المؤلّف بأنه يعيش في قلق دائم، لا يفارقه هاجس مستقبل لبنان والعيش الحرّ الكريم فيه.

ولفت البروفسور أبو نهرا إلى أنّ سنّو عالج خمس فرضيات أساسية: وهي: وصول لبنان منهكّا إلى نهاية مئويته الأولى؛ عمل طوائفه على استجلاب للخارج لتحقيق أهدافها؛ مسؤولية المنظومة السياسية الحاكمة بكاملها في وصول لبنان إلى الانهيار الشامل؛ توقّع تداعيات طروحات الفدرالية و”ديمقراطية الأكثرية” و”المثالثة” على لبنان الموحد، وأخيرًا، تسلط “الثنائي الشيعي” على لبنان وإمساكه بطائفته وبكلّ الطوائف أو اختراقها.

وأشاد أبو نهرا بمقاربة جديدة للمؤلف لمئوية لبنان الكبير من خلال رسم بياني من تصميمه، طغت عليه سلبيات كثيرة وإيجابيات قليلة، من حيث عدم استقرار الأوضاع والسلم الأهلي والسيادة. ولفت العميد أبو نهرا إلى تمييز سنّو بين مرحلتين كيانيتين لتعايش اللبنانيين: الطائفية المجتمعية التي كانت سائدة قبل العام 1842، والطائفية-السياسية بعد ذلك التاريخ، وبخاصة منذ المتصرفيّة. من هنا، حمل لبنان الكبير معه منذ نشأته وزر الانقسامات الطائفية المجتمعية والسياسية في الجبل وتفاعلاتها والتضارب بين هويتين لبنانية وعروبية، ومشروعين سياسيين: انكفاء المسيحيّين في دولة مستقلة عن محيطها، ومساعي المسلمين للبقاء في فضائهم العربي السوري. وبعد حصول الكيان الجديد على اعتراف المسلمين به، وإخراج تسوية “الميثاق الوطني” في العام 1943، وُضعت أسس لتوافق سار متأرجحًا بين الوفاق والنزاع، حتى اندلاع حرب لبنان.

وتحدث العميد أبو نهرا عن رأي المؤلّف بأنّ “اتفاق الطائف” لم يأت بسلم أهلي مستتبّ، نتيجة سياسة سورية وعروبتها التي يسميها بـ “المنافقة”، وتقاسمها النفوذ في لبنان سرًا مع إسرائيل وفق “اتفاق الخط الأحمر”، وإدخالها قادة الميليشيات إلى الحكم في مرحلة ما بعد الاتفاق، ودورها في اصطناع الخلافات بين الطوائف والتلاعب بقوانين الانتخابات وبـ “المناصفة” وبمشروع إلغاء الطائفية-السياسية، كي لا يتعزز السلم الأهلي بينهم وتنتفي الحاجة لوجودها في البلاد.

وختم أبو نهرا استنتاجات سنّو بقوله: “إن لبنان لم يعرف استقرارًا ولا سلمًا أهليًا مستدامًا ولا سيادة تامّة على أراضيه، وذلك في ظلّ دولة مخترقة من الداخل والخارج”. “لقد أوجد نظام المحاصصة الطائفية طبقة سياسية تنهب الثروات، عملت وتعمل على تكبيل القضاء لمنعه من إصدار الأحكام العدلية التي تدين الفاسدين والمفسدين- هذه الطبقة غير المحصورة بطائفة معينة هي التي تآزرت لإجهاض انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، خدمة لمصالحها الخاصّة على حساب مصلحة الوطن.  

سعيد

وفي استعراضه للفصول 4 و5 و6، اعتبر البروفسور عبد الله سعيد أنّ الكتاب هو دراسة موضوعية هامة يمكن أن تكون فريدة في طابعها ومحتواها؛ من حيث نجاحها في تقديم لوحة شاملة ومفصّلة تفصيلاً دقيقاً لأهم الاتجاهات الأساسية التي تنازعت أركان السلطة السياسية اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، والمحطّات السياسية والعسكرية التي عصفت بلبنان طيلة مئة عام.

ورأى سعيد أن سنّو تابع موضوعاته بجرأة متناهية، وقدّمها بتسلسل منطقي، وتحليل موضوعي مع التركيز على تسمية الأشياء بأسمائها. وبدلاً من أن تقوم المنظومة السياسية الحاكمة، على مشارف الألفية الثالثة، بالانتقال بلبنان إلى دولة عصرية، كانت تقوده إلى حروب سياسية داخلية عبثية متقطعة ومتنقلة من منطقة إلى أخرى، مما أدى إلى تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، والوصول به إلى شفير هاوية الانهيار الاقتصادي والمالي والصحي والاجتماعي الخدماتي الشامل.

وبالنسبة إلى المؤلّف سنّو، أضاف سعيد، فإنّ الفساد المستشري، وتخمّر الاهتراء السياسي، والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، وتصاعد عمليّات التهريب عبر الحدود، والتهرّب الضريبي، وزج لبنان في أتون الصراعات الإقليمية، وتفاقم الأوضاع بازدياد أعداد اللاجئين السوريين، جعلت الشعب اللبناني ينتفض في 17 تشرين الأول 2019، بمختلف فئاته ومكوّناته الاجتماعية والاقتصادية ومناطقه، وأن يُصعِّد حراكه المدني السلمي في اعتصامات وتظاهرات واضرابات طلابية وعمّالية ومهن حرّة.

وأشار سعيد إلى تخصيص سنّو صفحات عدة لمباركة غبطة البطريرك الراعي الحراك الشبيبي المدني، ومطالبته السلطة بالاستماع إلى صوته، والنأي بالنفس في الصراعات الإقليمية، ما عدا الصراع مع العدو الإسرائيلي، وإلى الابتعاد عن سياسة المحاور. وقد رفع غبطته سقف مطالبته لتصل إلى حدّ طرح موضوع حياد لبنان الايجابي وعقد مؤتمر دولي من أجل تأمين هذا الحياد.

إلا أنّ المنظومة الحاكمة لم تستجب لتوجّهات البطريرك، ولا لمطالب الشبّان والشبات الإصلاحية، وأهمها حكومة تكنوقراط وتطبيق قوانين استقلالية القضاء وحصر شرعية السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الجيش والدولة فقط؛ وإصلاح المالية العامة وغيرها من المطالب الشعبية. وقد قامت المنظومة الحاكمة وقواها الأمنية والعسكرية الحليفة بقمع المنتفضين وافشالهم حتى الوصول إلى تأييسهم (على طريقة فالج لا تعالج) مما دفع أقسام كبيرة منهم نحو الهجرة، لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وبعد تفشي وباء كورونا وإجراءات الحد من انتشاره القاسية.

وختم سعيد بقول سنّو: “لعل أهم ما نتج من انتفاضة 17 تشرين أن المحتجّين في المدن والبلدات والأرياف تقبّلوا بعضهم بعضًا ثقافيًا واجتماعيًا من دون أن يوحّدهم برنامج سياسي أو قائد، لأنّ الثورة كانت بدون رأس وينقصها البرنامج المرحلي الموّحد”.

الصيّاح

وانتقل الكلام بعدها إلى العميد الدكتور رؤوف الصيّاح الذي تناول الفصلين الأخيرين من الكتاب.  فلفت إلى الفصل السابع الذي يتناول “خيارات لبنان المستقبلية: الفدرالية وأخواتها أم الدولة المدنية؟” وكذلك التطور السّياسي والاجتماعي للطائفة الشّيعية بعد العام 1975 والسّعي إلى “ديموقراطية الأكثرية” و”المثالثة”، وثقافة الاستقواء، وبالتالي هواجس المسيحيّين منذ الطائف، مع رسم خارطة جغرافية لفدرالية الطوائف ودرس خيار الدولة المدنية، ليستنتج بأنه يصعب تطبيق الفدرالية والدولة المدنية لعوامل كثيرة.

وفي الفصل الثامن الذي حمل عنوان: “لبنان في مواجهة التحديّات المصيريّة الراهنة تلاشي مقومات الصمود وتصاعد احتمالات التفكك”، انطلق سنّو من اعتبار لبنان دولة فاشلة ومن تشرذم طوائفه ونظام المحاصصة الطائفية، وتآكل الطوائف من الداخل التي دخلت في صراعات دموية، فيما اتحد مكونا “الثنائية الشّيعية” بعد صراع دموي وتحوّلا إلى الرقم الصعب وحلف الضرورة. وأخيرًا، استنتج المؤلّف بأنّ المنظومة السّياسية تتحمل المسؤولية الكبرى عن وصول لبنان إلى ما وصل إليه. وأشار الصيّاح إلى ملحق الكتاب الذي تضمن خمس رسائل مفتوحة إلى كلّ من الرئيس سعد الحريري ورسالة افتراضية إلى الامين العام للأمم المتحدة، وثلاث رسائل إلى الرئيس ميشال عون.

وقال الدكتور الصيّاح أنه لاحظ في قراءته للكتاب الذي حمل في عنوانه الرئيسي عناوين كبيرة ومصيرية، توقّف المؤلّف عند كلّ حدث وربط الأحداث بعوامل عدّة تعود بجذورها إلى الجغرافية اللبنانية التي تحتلّ الواجهة الشّرقية للبحر المتوسط، وأهميته الاستراتيجية والصراع الإقليمي والدولي وانعكاسه على لبنان على مدى العصور. وأضاف أنّ سنّو كلما غاص بعمق في الكتاب كان يجد نفسه قاضٍ آلمته القضية، فجمع جميع معطياتها ودرس الحيثيات باحثًا عن الأسرار، وجال على الطوائف والمذاهب يحمل همومهم وهواجسهم الوجودية، وينقل بدقة عنهم تفاصيل مشاعرهم ويدوّنها، حتى أنّ القارئ يشعر أحيانا كأنّه طرفًا في الحدث، لكن لا يلبث أن يرى لاحقًا بأنه ينقل شعور واقع الجهة التي يتحدث عنها.

وشبّه الصيّاح كتاب سنّو بخزانة تاريخيّة لحقبة هامة ومؤلمة من تاريخ لبنان، متمنيًا مسألتين: إعادة النظر في النظام التعليمي اللبناني وادراج مادة الحوار والقيم الأخلاقية في المناهج للوصول إلى ثقافة الاحتكام إلى سلطة العقل وليس إلى السّلاح عند اختلاف الرأي، وهذا يؤدي برأيه ذلك إلى بناء المواطنية الصالحة وصناعة القادة. أما الأمنية الثانية، فهي اسقاط مقولة الحقّ الالهي في السّلطة لدى شعب يعتبر معظمه بأنّ الله اعطى الحقّ للزعيم في قيادته. فالوطن للجميع، ووجوب اعتماد السّيف لحماية القلم وليس العكس، واحترام شهداء الآخرين، استنادا إلى الرئيس الياس سركيس الذي اعتبر بأنّ من مات في لبنان حسبه أنه استشهد عن ايمان.

 

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

ثلاث طاقات متخصصة من الجامعة اللبنانية عمداء في جامعات بريطانية

بوابة التربية: عين رئيس جامعة التايمز البريطانية المفتوحة في لندن، السيناتور البروفسور مخلص الجدة، Thames …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *