أخبار عاجلة

العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة مجددًا في المرمى، اختيار أم توهين !!!!

بوابة التربية_ كتب د. *حسين عبيد: حيث يسود حال من الهمس في الكواليس، وما وراءها، عن إمكانيّة اللجوء إلى الاختيار في الحقول الإنسانيّة والاجتماعيّة، واعتمادها كخطوة من خطوات إنقاذ العام الدراسي، للحفاظ على مستوى الشّهادة الرسميّة، في ظل ما تعانيه البلاد من أوضاع مترديّة، وما تعيشه من أزمات متوالدة، ما يجعلنا، نخشى، ممّا خلصنا إليه من تجارب مع الاستثناءات، “لمرة واحدة”، أو “لسنة واحدة”، مع التقصير والعجز، وربّما عن قصد، أو غير قصد، يصبح الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء.

ترى ما الانعكاسات التي يمكن أن تترتب على مثل هكذا خطوة؟

بناء على المعطيات السّابقة، في العام الدراسي الماضي، ونتيجة الضغوط الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تسببت بها جائحة كورونا، تم تقليص المحتوى في بعض المواد، وتعليق العمل في بعضها الآخر، لا سيما في الحقول الإنسانيّة والاجتماعيّة، التي أحدثت خللًا في بنية الامتحانات الرسميّة، وشوّهت صورتها، وساهمت بالتالي في تسطيح النظرة إليها من قبل الطلاب وقطاعات واسعة من معلمي ومعلمات المواد الأخرى، عدا إدارات وجدت فيها فرصة للتخلص من معلمي هذه الحقول، لجهة الوفر المالي، واستغلال ما تبقى من الوقت المتاح في تعليم المواد العلميّة، التي تتصور أنّها المهمة فقط، مع توسيع رقعة التسطيح في النظرة إلى المجتمع بكل مكوناته وعناصره، ما جعل إقصاءها سيفًا مسلطًا على رقاب معلمي ومعلمات هذه الحقول، في موارد عيشهم ورزقهم، والاستغناء عنهم، كذريعة للتوقف عن تدريس هذه المواد، أو على الأقل، وضع بدائل لهم من معلمي مواد أخرى، لاعتقادهم سهولة تعليم هذه الحقول ممّن توفر، ما يفاقم الأزمة، ويزيد من تعقيداتها، عدا النظرة الدونيّة لهم من قبل بعض من يرى أنّ التعليم هو مواد علميّة ليس إلّا، دون الالتفات إلى ما تحمله الحقول الإنسانيّة والاجتماعيّة من محمولات القيم والتربية.

وعليه إذا ما أقدمنا على إقصائها هذا العام، فيعني ذلك إخلالًا في التوازن ما بين التربية والتعليم، وإقصاء أحد أهم مكونات الشخصيّة الإنسانيّة للطالب، ولا يتوقف الأمر على مجرد الإقصاء وحسب مع ما يعني هذا من انعكاسات على مستقبل هذه الأجيال، والنفور من هذه الحقول في صفوف ما قبل الشهادات، وكذلك في الجامعات، حيث تزرع المبررات لإلغائها نهائيّا أو على الأقل تهميشها، إلى حدود الاستقالة منها، في مراحل التعليم المختلفة، سواء في مراحل ما قبل الجامعي، أو معه، في الوقت الذي تسعى فيه الأمم العظيمة، وتلك الدول المتقدمة تكنولوجيًّا، إلى تعزيز هذه المواد وتنمية مواردها، نراها تبني ركائز هويتها وترسم مقومات وجودها في تعزيز هذه الحقول… إيمانًا منها أنّها تشكل الركيزة الأساس في صياغة شخصيّة المتعلم، لجهة قدرتها أو من يحمل خلفيتها الإمساك بنواصي السلطة والقرار ومحركات السياسات وراسميها في بلدانهم.

وما ينبغي الإلفات إليه هو أنّ مجرد التفكير أو الهمس بجعلها اختياريّة في الامتحان الرسمي، معناه أننا نقوم بعمليّة توهين لهذه الحقول، ونزرع الشك في جدواها وأهميتها، حتى لو أبقينا عليها في الامتحانات الرسميّة، فكيف سيكون الحال إذا ما حصل إقصاءها؟

في حال حصل الإقصاء لهذه المواد، من خلال رميها في خانة الاختيار، نكون قد أحدثنا خللًا في ما بين هدفيّات التربية والتعليم، وأفرغنا بذلك هدفيّة مسمى وزارة التربية والتعليم العالي من وظيفتها التربويّة، في إقصاء التربية والاقتصار على التعليم دون سواه.

ولأهميّة الحقول الإنسانيّة والاجتماعيّة في رسم شخصيّة المتعلم، ومن ورائه المجتمع، ندعو إلى تعزيز ثقافتها، في المناهج، ورفد محتواها بموضوعات مستجدة، تسهم في صياغة شخصيّة أصيلة منتجة للمعرفة، توظف فيها مولدات التفكير، ومناهجها المختلفة، وطرائقها المُحفزة على الإبداع، فضلًا عن جعلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تلامس حياته اليوميّة، (مع العلم أنّها بصيغتها الحاليّة تلامس في العديد من مواضيعها الحياة اليوميّة)، على أن تتركز عمليّة التعزيز والتطوير، هذه، على قواعد ارتكاز ثلاثة: التوازن والتكامل بين الحقول المعرفيّة والعلميّة، كما هو التوازن والتكامل ما بين الأبعاد الماديّة والنفسيّة، وتغذيتها بديناميّات الطّاقة اللّازمة.

ونظرًا لما نعيشه من أوضاع صعبة، نأمل من الحريصين على موقع التربية في التعليم، أن تسير الأمور في سياقها الطبيعي، في التوازن بين التعليم والتربية، مشفوعًا في الأيام القادمة بخطة تطويريّة للمناهج… وعليه نقترح، لو حصل التقليص في المواد العلميّة، أن يتساوق مع تقليص مماثل لهذه الحقول، باعتبار أنّ الوضع الذي تعيشه الحقول العلميّة ينسحب أيضًا على الحقول الإنسانيّة والاجتماعيّة ومكونات منظوماتها، وذلك انطلاقًا وغاية، من شعارنا الموسوم “وبالتربيّة والتعليم نبني معًا”.

  • باحث في القضايا الفكريّة والتربويّة والتاريخيّة

                                                                                                                      

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

طلاب الشهادتين المتوسطة والثانوية في صور طالبوا بإنصافهم في الامتحانات الرسمية

أرشيف بوابة التربية بوابة التربية: نفذ طلاب الشهادة المتوسطة والثانوية العامة في ثانوية العباسية الرسمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *