أخبار عاجلة

الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية تعلق على وثيقة وزارة التربية: تطوير المناهج، مسؤولية مجتمعية

بوابة التربية: علقت مجموعة من الأكاديميين في الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، على الوثيقة التي صدرت عن وزارة التربية والتعليم العالي بعنوان الإطار الوطني لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعي، ومؤرخة في نيسان 2022. وجاء في التعليق:

يمر لبنان بأزمة خانقة، غير مسبوقة، سياسية الطابع انسحبت على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ولم تتمكن الحكومة من إنتاج خطة تعافي اقتصادي، ولا توجد أي إشارات حول وضع حد للفساد الذي كان السبب في الانهيار. وكانت المدارس والجامعات، الحكومية والخاصة، ضحية هذا السياق الموغل في التدهور.

في هذا السياق الانهياري تحديدا، تعمل وزارة التربية على وضع خطة لمناهج جديدة للتعليم العام. وهو أمر فيه غرابة. ربما يعتقد المنخرطون في هذا المشروع أن بناء المناهج هو مشروع هندسي-ورقي، وليس مشروعا مجتمعيا. وربما يعتقدون أنه يكفي وجود التمويل لكي تسير الأمور على أحسن حال. ونحن نعرف اليوم جيدا ماذا حل بالأموال التي توافرت لحل مشاكل الكهرباء والنفايات وغيرها الكثير في ظل السياق المعروف.

سنضع جانبا احتمال “تطوير المناهج” من أجل الإنفاق، ونتوقف فقط عند المقاربة الهندسية-الورقية. وثيقة “الإطار الوطني لمنهاج التعليم العام” تجسد تماما هذه المقاربة. فهي تتكلم عن المتعلم الفرد، وما يجب أن يكتسب من مهارات ومعارف وقيم، من جهة، وعن مبادئ التطوير وعناصر المنهج من جهة ثانية. لا شيء في الوثيقة يدل على السياق الاجتماعي لبناء المنهج، كمنهج لبناني وكجزء من مشروع وطني أكبر للتغيير.

ثمة ثلاث مجموعات من القضايا تسوّغ مساءلة هذا الإطار لكشف هزاله ورسم معالم إطار مختلف.

  1. قضايا المجتمع اللبناني والمنهج

في العام 1997 شُكلت لجان وجرت محاولات متعددة لوضع منهج جديد لمادة التاريخ. وانتهت كل هذه المحاولات إلى وضع نواتجها على الرف. في هذا الوقت بقيت المدارس تعلم مادة التاريخ في كتب مدرسية تعود الى منهج العام 1971. إحدى تفسيرات ما حصل، هي قيام هذا التأليف على مقاربة الحصص. أي أن المنتدبين من قبل الأحزاب الحاكمة في لجان المناهج يختلفون على لائحة الأبطال والأشرار أو لائحة الأحداث المجيدة والأحداث المشينة في الماضي، الخ. إذا صح هذا التفسير لن يكون ممكنا اليوم تأليف منهج تاريخ ما دام النزاع قائما ويشتد وطيسه حول توزيع الحصص بين الأحزاب الحاكمة. وبفرض أنه تم الاتفاق على توزيعها في لحظة معينة، فان تعليم التاريخ سوف يتحول إلى رواية منمّطة مسقطة على الماضي، بدل أن يكون الهدف منه تعليم التفكير التاريخي.

بخلاف منهج التاريخ وُضع منهج جديد لمادة “التربية الوطنية والتنشئة المدنية” وصدر كتاب مدرسي موحّد فيه. عند التطبيق، ظهرت مشكلتان تشكلان وجهين للقضية نفسها: أولا: نصوص الدروس مكتوبة بلغة مجردة متجاهلة للوقائع الاجتماعية فكان الطلبة يضطرون الى حفظ نصوص الكتاب غيبا من أجل الامتحانات المدرسية والرسمية. ثانيا: إن “توحيد” الكتاب لم يؤد الى “توحيد” اللبنانيين، ولا الى تكوين أجيال “مدنية”.

لكن الأكثر أهمية من فشل المشروعين أن الجماعات السياسية في لبنان تفاعلت مع منهجي التاريخ والتنشئة المدنية عن طريق إقامة مناهج غير رسمية في المدارس. وهذا يتمثل في سرديات خاصة بهذه الجماعات تظهر في المدارس عن طريق النصوص والشعارات والصور المعلقة على جدران المباني وفي القاعات والملاعب والأروقة والصفوف. كما تظهر في خطابات المعلمين والمديرين وفي الطقوس والأنشطة اللامنهجية والاحتفالات. وكلها تشكل مساحات وفرصا للتنشئة على الهويات السياسية، جنبا الى جنب مع المنهج “الموحد” أو “الرسمي”.

في هذا الوقت زاد تطبيق مناهج العام1997 التفاوت الاجتماعي بين المدارس، وخاصة بين المدارس الرسمية وشريحة عريضة من المدارس الخاصة. وتَمثّل ذلك في اللامساواة في تطبيق التربية الناشطة والتكنولوجيا وفي تعلم اللغات والعلوم والمواد الفنية، وغيرها. ثم انكشف هذا التفاوت بقوة مع جائحة كورونا.

لا شيء في الوثيقة التي بين أيدينا يذكر هذه الأمور، مع أن اسمها “الإطار الوطني لمنهاج التعليم”. ولا شيء طبعا فيها يجيب عن أسئلة كبرى من نوع: هل يستمر النظام التربوي في لبنان بالعمل على الطريقة نفسها؟ هل يستمر في إنتاج خريجين من أجل التصدير وتفريغ لبنان من شبابه وطاقاته الإنتاجية والإبداعية؟

  1. قضايا إدارة الشأن التربوي

خسائر التعلّم

كان من المفترض بحسب منهاج العام 1997 أن يتعلم الطلبة مدة 170 يوما في السنة. انخفض العدد إلى 130 يوما ثم الى 72 يوما. بالمقابل كانت وزارة التربية والتعليم العالي تتخذ قرارات متتابعة في تعليق عدد من المواد الدراسية، لا سيما الرياضة والفنون أو ما سمته “المواد الإجرائية” وهي تسمية غير ملائمة أصلا. كما قامت بتخفيض نطاق منهاج كل مادة على حدة لكي تتناسب مع تقليص أيام التعليم.

في هذا الوقت أجريت اختبارات “تيمس” و”بيزا” الدولية أكثر من مرة. وكانت النتائج تظهر تراجع مستوى لبنان تباعا. وقد بيّنت نتائج بيزا للعام 2015 أن 2% فقط من الطلبة في عمر 15 وصلوا الى المستويين 5 و6 في الرياضيات وأن 1% فقط وصلوا إلى هذين المستويين في القراءة والعلوم. وفي آخر جولة من هذه الاختبارات كان لبنان الأخير بين الدول العربية. لم تنشر وزارة التربية يوما أي تقرير يشخّص هذا التراجع ويحدد العوامل المؤثرة وصولا الى التدابير التي يجب اتخاذها من أجل معالجة هذا التدهور في مستوى تحصيل الطلبة.

مع الوصول الى العام 2020 وما بعده، أي مع جائحة كورونا، تفاقمت خسائر التعلّم وزاد التفاوت بين المدارس، وتقلص عدد أيام الدراسة الى ما دون الربع في السنتين الأخيرتين في عدد كبير من المدارس. هنا أيضا لم يصدر عن وزارة التربية تقرير يحتسب حجم الخسائر التعليمية وتوزيعها بحسب المرحلة الدراسية ونوع التعليم وغيرها من العوامل التربوية. وهي لم تطلب مثلا من المدارس أن تجري اختبارات دخول للعام الدراسي 2021-2022 لتحديد مدى التراجع في مستوى الطلبة، وتبني عليه برنامجا ما لتعويض ما خسروه.  أجيال من الطلبة لحقها الضرر الفادح في تعلمها وهناك من “يطوّر المناهج” وكأن سقطت منه بعض الأوراق سهوا في تصميم مناهج العام 1997.

خسائر الهيئة التعليمية

اعتمدت الوزارة منذ العام 2000 طريقة تخريبية في تعيين المعلمين. تقوم هذه الطريقة على الدخول إلى هذه المهنة في المدارس الرسمية عن طريق التعاقد بالساعة، أي عبر قنوات النفوذ السياسي، بغض النظر عن اختصاصهم والحاجة إليهم. ثم، بعد تراكم أعداد المعلمين المتعاقدين يندفع هؤلاء للتحرك من أجل إدخالهم في الملاك، فتجري تحت ضغوط التحركات مباراة محصورة بهم، ثم يُرسل الناجحون بالمئات الى كلية التربية أو دور المعلمين لمتابعة دورات تدريب تسمى دورات “إعداد”. وفي مرحلة لاحقة ضاقت الموارد وتضاربت المصالح السياسية بين أهل الحكم، فتراكمت أعداد المتعاقدين بالساعة وأصبحوا يشكلون الأكثرية الساحقة (80%). ومع تدهور الأحوال الاقتصادية اشتد الخناق على هؤلاء، وأصبحوا في وضعيات مُذلة لهم اقتصاديا. المهم أن النتيجة النهائية لهذه السياسة هي تراكم الخسائر في الهيئة التعليمية، أي تراكم ضعف أداء المعلمين، بسبب قلة مواردهم وقلة قدراتهم. وقد ترافق ذلك مع تكليف مديري المدارس على قاعدة الحصص السياسية نفسها، ما أطاح بمفهوم المساءلة.

هؤلاء المديرون والمعلمون هم الذين سيكلّفون بتطبيق المناهج في السياق الحالي الذي نعرفه. وبحسب المقاربة الهندسية-الورقية سوف يتم “تدريب” هؤلاء التربويين على المنهاج الجديد. هذا ما حصل سابقا مع منهاج العام1997، ونحن نعرف بأي عجالة تمّ ذلك التدريب، ونعرف مقاربة “الوصفة” الجاهزة التي استُعملت. علما أن الظروف كانت أفضل بكثير من اليوم. هي مقاربة هندسية-ورقية متسقة مع نفسها: نصمم منزلا ولا يعنينا من سيسكنه.

  1. قضايا سيرورة بناء المناهج

إن أسوأ المناهج هي التي تنادي بالتربية الناشطة والتفكير النقدي والوحدة الوطنية، وهي توضع إداريا بطريقة بيروقراطية وتطبق في المدارس عن طريق تلقين اليقين. مناهجنا الحالية هي من هذا النوع، والطريقة التي يدار بها مشروع التطوير الجديد هي من هذا النوع أيضا.

بدلا من المقاربة الهندسية-الورقية يقترح كاتبو هذه الورقة اعتماد الفلسفة البنائية الاجتماعية. أي بناء عمليات بناء المناهج وتطبيقها استنادا إلى سيرورة تقوم على المشاركة والتفاعل والتفاوض بين جميع المعنيين بالتعليم، مؤسسات وأفراد، في الصف والمدرسة والوزارة وخارجها.  مقاربة تقوم على اعتبار المعلمين والمديرين فاعلين تربويين، الآن ولاحقا، في بناء المناهج كما في تطبيقها، لا مجرد متلقين. مقاربة تعيد النظر في أساليب التدريب والتعيين.

يجب أن ينطلق بناء المناهج من خلال ورشة تطرح فيها الأسئلة الكبرى حول القضايا ذات العلاقة وحول الخيارات الممكنة والمطلوبة. وتستخرج من هذه الورشة خلاصات وتوجهات، تُعرض وتناقش في ورش إضافية. ومنها يستخرج الإطار الوطني للمناهج.

التفاعل لا يُنادى به بل يُمارس، في بناء المناهج وفي تطبيقها في المدرسة وفي الصفوف. أما العمل في غرف مقفلة عن طريق الخبراء الذي تجري معهم عقود لقاء بدلات تدفعها منظمة دولية، فهو عمل هندسي-ورقي بامتياز وليس عملا مجتمعيا، تشاركيا.

إننا نتحمل جميعا المسؤولية الأخلاقية في بناء منهج جديد ومتجدد متسق مع طموحاتنا كلبنانيين، مع الاعتراف بالواقع الأليم، ومعرفة الخسائر وطبيعتها، من أجل تجاوز ما نحن فيه والمشاركة قي بناء أفق تربوي جديد.

الموقعون:

عدنان الأمين، سوزان عبد الرضا، باسل عكر، جنان كرامة شيا، هنادي ميرزا، عمر القيسي، منيفة عساف، بولا أبي طايع، سارة سلوم، سهام حرب (الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية).

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

اعتداء وسرقة في مبنى للجامعة اللبنانية في البقاع

بوابة التربية: اقدم مجهولون على اقتحام مبنى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية -الفرع الرابع في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *