أخبار عاجلة

تريدون وطنا حصنوا الجامعة اللبنانية وأعيدوا استقلاليتها، الخروج من جهنم يحتاج مبادرات

بوابة التربية: كتب العميد البروفسور جان داود: بات في خانة اليقين شكي المبرّر في صدقية علاقة أغلب أصحاب القرار في لبنان بالجامعة اللبنانية. وعوضا عن تفرّغها التام وانشغالها بصنع المستقبل والانصراف إلى الأبحاث ووضع الخطط والتطوير والارتقاء، نجد أساتذتها وطلابها وموظفيها ومدربيها مكرهين على الإضرابات من وقت لآخر حماية لهذا الصرح وتعزيزا لوجوده. ورغم مآسي الجحيم نرى جامعتنا اليوم منارة صامدة، وأؤكد بعين القلب والعقل أن أساتذتها يعملون وبمسؤولية عالية كما هم دائما، هذا هو حال كلية الطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان والزراعة، كليات كابر أهلها على الوجع وقدّموا العمل قابلين التضحيات، والكليات الأخرى بنوايا مماثلة وعزم مماثل عادت إلى التدريس. ومما لا شك فيه أن رئيس الجامعة (بسام بدران) لعب ويلعب دورا بمنتهى الحكمة والتميز بما يبلور بعض سمات روح القيادة النبيلة لديه، هو الذي دخل إلى الرئاسة وسط موج عاتٍ من المطالب المحقة في زمن صعب، وعنوان حركته يبقى: حماية الجامعة وطالباتها وطلابها وأساتذتها وموظفيها ومدربيها. ولكن، كيف ستُقابل إيجابية الرئيس والأساتذة والمعنيين ووقفة وزير التربية (عباس الحلبي) الراقية مع أحقية المطالب من قبل أهل القرار.

يجب أن يعي أصحاب القرار أنّ حسن النوايا لدى أهل الجامعة نابع عن حس المسؤولية وليس إيمانا بمصداقية من في جحور لدغتهم مرّة ومرّتين ومرّات. وكي لا يكون هناك لدغة إضافيّة من جحر مموّه، يحتاج الأمر إلى مبادرة غير تقليدية. لا يجوز أن يترك من استوفى شروط الملاك خارجه، ولا من استوفي شروط التفرغ خارجه، ولا أن تبقى الرواتب وبدلات الساعة على ما هي. ولا يجوز أن يبقى التسويف على ما هو، فتفهّم الأساتذة لهذا التسويف لا يعني أن اللعبة غير مكشوفة. أحسموا أمركم: تريدون وطنا أحموا الجامعة، وتريدون جامعة أنصفوا أساتذتها وموظفيها ومدربيها وأعيدوا لها استقلاليتها الكاملة وقرارها بموجب القوانين.  وإن كنتم لا تريدون الجامعة قولوها بصراحة وارحلوا. وإن كنتم عاجزين قولوها بصراحة وارحلوا. وإن كنتم تريدون فأثبتوا صفاء النية. وللمتسترين بفكرة أن البنك الدولي لا يريد إدخال المتفرغين إلى الملاك، ويطلب وقف التوظيف، نقول: لا يمكن ألا يكون البنك الدولي على علم بخطة النهوض والتنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة تحت مسمّى “أجندة 2030″، ولا يمكن أن يتجاهل البنك الدولي أن للجامعة اللبنانية دورا أساسيا في تحقيق كل الإنجازات المنشودة من أجندة 2030، فالجامعة اللبنانية تكافح الفقر عبر التعليم الجيد، هي التي خرّجت ما يقارب الربع مليون مواطن بنّاء، ومكافحة الفقر والتعليم الجيد هدفان من أهداف الأجندة المذكورة. والجامعة اللبنانية عبر خريجيها تقضي على الجوع باستحقاق هؤلاء الخريجين أفضل فرص العمل اللائق، والقضاء على الجوع والعمل اللائق هدفان أيضا من أجندة عشرين ثلاثين. والجامعة اللبنانية أهمّ مختبر في لبنان لإحقاق السلام والعدل والتوازن بين الجنسين، والتنمية المستدامة، وهي تدرّب وتخرّج القادرين على السهر على التنمية المستدامة وتأمين الطاقة النظيفة،  وإحقاق السلام والعدل والمساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة من أهداف أجندة الأمم المتحدة. وكلّ هذه المسائل غيض من فيض، من إنجازات الجامعة وأهميتها في تحقيق أجندة 2030 التنموية ومنجزاتها في صلب أجندة عشرين ثلاثين لا بل إنّنا فيها سبّاقون إلى رسم وتحقيق مثل تلك الأهداف. على البنك الدولي إذن أن يعرف أن الجامعة اللبنانية هي ركن أساس إلى جانب الجيش والقضاء والمدرسة الرسمية في حماية الوطن وبناء المستقبل. لا يمكن برأيي بعد اليوم التستر خلف رغبات البنك الدولي واعتبارها عقبة في إدخال الأساتذة إلى الملاك أو تفريغ المتعاقدين. لا أعتقد أن البنك الدولي سيسير ضد مقررات الأمم المتحدة وخططها للنهوض بالتعليم الجيد. والجامعة اللبنانية تقدم أفضل تعليم. ورغم الحذر الكبير والشك المشروع في  بعض خطط من هم وراء  البنك الدولي (بعد قراءة كتاب “مذكرات قاتل اقتصادي”)، أقول وبصوت مرتفع: لا يقنعنّنا أو يحاولنّ أحد أن يقنعنا بأن البنك الدولي هو من لا يريد إدخال المتفرغين إلى الملاك والمتعاقدين إلى التفرغ، وبأنّه لا يريد جامعة وطنية. البنك الدولي يعرف من دون شك أهمية التعليم الرسمي. ولديه من الأمثلة ما يكفي في مدارس وجامعات أوروبا (على الأقل التجربة الفرنسية والألمانية حيث التعليم الخاص ملاذ الحالات الخاصة). ومخطط جهنم ضد الجامعة اللبنانية ومن يريد إقفالها أو تركها تموت مع المدرسة الرسمية هو مخطط مستغلّين وأصحاب مصالح وهو مغالاة من جماعة  الأوليغارشية وشركائهم. إنّه مصلحة الراغبين في الخصخصة النفعية والسلبية. وأخشى أن الهامسين في أذن البنك الدولي بضرورة خصخصة القطاع العام هم أنفسهم من أطاحوا بالودائع والعملة الوطنية وبالأدمغة المغادرة، وهم طامحون من دون شك إلى الإطاحة بالمدرسة والجامعة وكلّ مقومات العيش بكرامة في نظام ديمقراطي منصف. مما لا شك فيه أن للبنك الدولي خططه ومشاريعه وما هو بمؤسسة خيرية، ولكنّ هناك من هو أسوأ من البنك الدولي وله مصلحة في خصخصة القطاع العام، والقضاء على الجامعة، ويستخدم صور “الحصان المجنح” و”الغول” و”الثور” و”وحش البحيرة” أو “راجح” في لعبة وضع اليد على القطاع العام. وهذا “الأسوأ” هو  برأيي من يرفض إدخال  الأساتذة المتفرغين إلى الملاك، ويعرقل إدخال الأساتذة المتعاقدين المستوفي الشروط إلى التفرغ والأمران  ضرورة والتزام بالقوانين. لم التسويف، وإرضاء لمن؟ ألا يبدو أنه خدمة لمن يريد شباب لبنان في جامعات الطوائف. وخدمة لمن يريد أن يشتري الأرض لأن من الأهل من يبيع أرضا ومنزلا ليدفع الأقساط وينتهي أولاده شابات وشبانا إلى مغادرة البلاد بقلوب مليئة بحب الأرض والأهل والوطن إنّما غاضبة من مستغليه ومحتقرة لهم.  

أما التحجج بأن هناك هنات في الجامعة اللبنانية، فتلك ذريعة واهية. نعم هناك هنات، ولكنها شهادة على أن هناك عمل كثير وجدير بالتقدير. وهناك هنات في مجالسها النقابية والتمثيلية من دون شك، ولكنها الهنات التي نتعلم منها باستمرار ونبني ونطور. وما مصدر تلك الهنات إلا السياسات والاستغلال وممارسات قلة تكون مدسوسة إن وجدت، بهدف تفشيل الجامعة على صورة فشلهم، مصدر تلك الهنات عندما توجد، هو الإهمال المدفوع برغبة كامنة في التخلص من جامعة ارتقت بصمت بلبنان مجتمعيا واقتصاديا ومعرفيا.  الجامعة الناهضة بالوطن مستهدفة، وهي اليوم في قمة الاستهداف. ورئيسها ومجلس حوكمتها وأساتذتها يناضلون ويسعون ولن نسمح بالنيل منها، وستكون عصية على تكسير مجاذيفها. حصانة الأوطان إنسان وقيم، والجامعة اللبنانية تبني هذا الإنسان وتسعى إلى تعزيز القيم. الجامعة ليست فقط المبنى، ولا المناهج المتطلعة والرائية، ولا المشاريع البحثية والأبحاث والإنتاج المعرفي وحده. الجامعة إنسان يقوم بكل ذلك، وهذا الإنسان هو أولا الأستاذ فيها إلى جانب الموظف في تعاون مع مجلس حوكمة ورئيس هو رئيس ثقة وواعد. دائما هوجم رؤساء الجامعة اللبنانية والهجومات سياسية، ودائما هوجمت الجامعة والهجومات سياسية. والمهاجمون ليسوا من طرف سياسي واحد ومن هوجموا ليسوا دائما من طرف واحد. لكن المستهدف من كل ذلك لم يكن برأيي أي من الأشخاص  بمقدار ما هي الجامعة مستهدفة.

ليعلم الهامسون في أذن البنك الدولي والمعرقلين للاحتياجات الملحّة للجامعة اللبنانية: إنّ إدخال متفرغيها إلى الملاك ليس ترفا لهم، إنّه أمان وظيفي يثبّت المناخ النفسي الإيجابي للتفرغ، ويؤمّن لخزينة الدولة مداخيل إضافية. ولينقل الهامسون في أذن البنك الدولي إليه أن معاشات التقاعد تُسدّد من المحسومات التقاعدية التي أودعها الأساتذة خزينة الدولة، واستثمرتها وتستثمرها لسنوات، وندر المتقاعد الذي يستوفي ما أودع في صندوق الدولة من محسومات تقاعدية. وفي هذا الزمن الصعب، لم يعد الملاك اليوم ولا الراتب يشكّل مادة تحفيز للبقاء في الجامعة، فالتقطوا الفرصة والأساتذة يطلبون الدخول إلى الملاك ولبّوا الاستحقاق. لم يعد راتب التفرغ نفسه يكفي ليعيل الأستاذ الجامعي في الحدود الدنيا، فالتقطوا الفرصة وأدخلوهم إلى التفرغ. لم يعد بدل ساعة التعليم يكفي المتعاقدين كبدل مواصلات فالتقطوا الفرصة أن هناك متعاقدين يطلبون رفعا للبدلات ويقبلون بمثلها. وإنّي أضع  مطالبات الأساتذة في خانة الموقف الوطني، الهادف إلى حماية الجامعة عبر سلوك المسار القانوني الذي يقول بتفرغهم، وبإدخالهم إلى الملاك وفق معايير استوفوها.

كممثل للحكومة في مجلس الجامعة (في تعيينات 2014)، أنصح، وبالصدق الذي عرفتني به زميلاتي وزملائي، بالذهاب إلى تدابير استثنائية، فيكون موقف طليعي  لوزير التربية: اتخاذ قرار بإدخال المتفرغين إلى الملاك، والمتعاقدين المستوفين الشروط إلى التفرغ، وتعديل الرواتب بما يسمح بالأمان الاجتماعي وتأمين المناخ النفسي والاجتماعي لتفرّغ حقيقي، فيكون هذا القرار نافذا من تاريخ توقيع الوزير، على أن تصادق عليه الحكومة في أول اجتماع لها، وليترافق هذا القرار بآخر: إعادة الاستقلالية الكاملة للجامعة عبر مجلسها. قرار الجامعة برئيسها ومجلسها يجب أن يحترم. والقرار أنتج لوائح مستوفية الشروط للدخول إلى الملاك، وأسماء مستوفية الشروط للتفرغ. والجامعة هي أفضل من يرسم الدرب إلى مستقبلها وقد اتخذت قراراتها. يكفي تجاهلا. أساتذة الجامعة اللبنانية ينتمون إليها، وهي قضيتهم. والانتماء مدفوع بالإيمان بالطبع. ولكن الإيمان الذي لا يقابل بتقدير وباعتراف وبتبنٍّ حقيقي وكامل للمنتمي وبتعزيز له ككائن سيدفع إلى الشك بأن هناك رافضين لإيمانه ولا يريدون اعترافا به، أو أن هناك خبث واستغلال وسعي إلى استغلاله وهدر عمره في خدمة منافقين في سلطة ما. قابلوا إيمان هؤلاء الأساتذة وأهل الجامعة باعتراف بهم، ولا تتركوا قادة هذا الصرح في مهب العواصف. أطلقوا يدهم. واجعلوا أمر الدخول إلى الملاك والتفرغ وتحقيق مطالب الموظفين والمدربين في عهدة رئيس الجامعة ومجلسها بمثابة القرار النافذ. وللأهمية، ولأنّ الجامعة اللبنانية طريق لبنان إلى خلاصه وتثبيت دوره في خدمة بيئته العربية وخدمة العالم عبر خريجي جامعته والقيم التي تبنيها. وبناة هذه الجامعة وحماتها أمسا وغدا هم أساتذتها وطلابها وكل عامل فيها، أنهي بالتكرار المفيد: إنّ قرارا طليعيا لوزير التربية بإدخال المتفرغين إلى الملاك والمستحقين من المتعاقدين إلى التفرّغ يكون نافذا من تاريخه أو يتم توقيعه بآلية خاصة لا تحتاج إلى اجتماع مجلس الوزراء هو حل في خدمة الجامعة والوطن. إنّ المصلحة العامة ومصلحة الوطن تقضي بذلك.

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

اعتداء وسرقة في مبنى للجامعة اللبنانية في البقاع

بوابة التربية: اقدم مجهولون على اقتحام مبنى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية -الفرع الرابع في …