أخبار عاجلة

لو كنتُ رئيسًا للجامعة اللبنانيَّة أو عميدًا أو مديرًا

بوابة التربية- كتب د. أمين الياس أستاذ متعاقد في الجامعة اللبنانيَّة:

يصيبني الذهول، لا بل تعتريني حالة من عدم التصديق، عندما أتأمّل في كيفيَّة تعاطي رئيس الجامعة اللبنانيَّة والعمداء والمدراء في مسألة إدارة الجامعة اللبنانيَّة.

إذ تنهال علينا كلّ يوم التعاميم والقرارات وتواريخ الامتحانات وتسليم الأسئلة والتقويم وطلبات توقيع البيانات من أجل “قبض المال الوفير” المتأتي من عقود المصالحة “الما-بعد حقوق إنسانيَّة”، والمساعدات العظيمة والوافرة التي تغدقها رئاسة الجامعة على الأساتذة غير المضربين وتحرمها عن أولئك المشاكسين المضربين.

للوهلة الأولى يصيبك الإعجاب بقدرة هذه الإدارة على الإنفصام التام عن الحالة اللبنانية بشكل عام وحالة الانهيار المضطرد الذي يصيب الجامعة الوطنيَّة. قرارات ورقية، وكأن كلّ شيء يسير على ما يرام. ولكن بحسب المثل اللبناني الذي يقول “يللي بيعرف بيعرف، ويللي ما بيعرف بيقول كفّ عدس”.

أيعقل أنهم لا يدرون أنَّ الأستاذ الجامعي بات في حالة بائسة، ينتظر فتات مساعدات تُعطى إليه مقابل إشهاره الطاعة لأولياء الأمر وكأننا عدنا لعصر الأباطرة الذين كانوا يسمحون للناس بالعيش شرط إشهارهم الطاعة للإمبراطور. أيعقل أنهم لا يدركون أنّهم بتدجينهم الأستاذ الجامعي إنّما يقتلون روحه وبالتالي روح الجامعة، بما يستتبع عملية القتل هذه من تدمير لأجيال تُرَبَّى على الخنوع والتدجين والخضوع لأولياء الأمر بدل بناء جيل واع لحقوقه ومتمرّس بممارسه حرياته التي هي في أساس كلّ نهضة وكل تقدّم وكلّ تجدّد.

بعض عرض واقع الحال هذا، أتساءل لو كنتُ رئيسًا للجامعة ماذا كنتُ لأفعل في خضم هذه الأزمة الأخلاقية التي تضرب وطننا وجامعتنا؟ الأمر الأول الذي يخطر ببالي، هو إعلاني كرئيس، استقلالي عن كل الأحزاب، وانتمائي إلى حزب واحد هو “الجامعة اللبنانية” بكل أطيافها، من أساتذة وطلاب وموظفين ومدربين وغيرهم. ومن ثمّ كنتُ لأصارح أهل الجامعة والرأي العام اللبناني بواقع الجامعة اللبنانيَّة بكل تفاصيله، والمباشرة بورش عمل تجمع كلّ أهل الجامعة، وكلّ المهتمين بهذه الجامعة، أكانوا أطرافًا داخليين أو خارجيين، من أجل العمل على إنهاض الجامعة، التي هي الأمل الوحيد بمستقبل واعد لنا، ومن ثم وضع خطط العمل وطرائق التطبيق واستعراض الإمكانيات المتاحة وتلك الواجب تأمينها من أجل تجديد الجامعة اللبنانية بكوادرها ومناهجها وعقودها وطرق العمل فيها. كنتُ لأزور جامعات العالم قاطبة من أجل تعلّم كيفية إدارة جامعة منتجة علميًا وفكريًا وثقافيًا، وبالتالي قادرة على أن تلعب دورها كمنصة لبناء المستقبل اللبناني الإنساني الواعد. كنتُ لأقول أنني لن أكون استمرارية للنهج الذي سبقني، نهج خدمة الأحزاب في الجامعة، وأعلن أنني لن أكون خادمًا إلا لجامعتي ولأهل جامعتي الصادقين والمناضلين من أجل قضيتها وكرامتها واستقلالها المالي والإداري والأكاديمي. كنتُ لأعلن أنني سأحاول أن أكون نقطة تحوّل في مسار هذه الجامعة لأجل أن تكون جامعة للمواطنة، وللإنسان، وللعلم، وللفكر، وللثقافة. كنتُ لأعلن جامعتي خطّ دفاع أولي عن الإنسان في لبنان، ولذلك لا سبيل لتقديم التنازلات إلا لخدمة هذه القضية. وإنْ عمدت المنظومة المافيويَّة إلى اضطهادي ومنعي من العمل وخدمة الجامعة، فإنّني سأخرج إلى العلن وأصارح كل لبناني بما تقوم به هذه المنظومة بحق الجامعة اللبنانيّة، وسأحضّر مضبطة كاملة بكلّ ما مورس كيديَّة بحق الجامعة واستقلاليتها ونوعيتها ومستقبلها، وسأترك هذه المضبطة بيد كل لبناني وللتاريخ، وأذهب إلى منزلي مرتاح الضمير أنني حاولتُ إنقاذ شيء من مستقبل جامعتي ووطني.

أمّا لو كنتُ عميدًا، لما قبلت للحظة أنْ يتم معاملة الأساتذة في كليتي بطرق الترهيب أو الترغيب، ترهيب بفقدان الساعات والأنصبة والعقود، وترغيب بمساعدات، هي أقرب للفتات منها لكرامة الأستاذ الجامعي. لكنتُ رفضت العمل في الظروف التي تمّ وضع الجامعة اللبنانية فيها، وقلتُ أنني لن أسيّر مرفقًا من المفترض به أن يكون مكانًا للتعليم النوعي وبناء الإنسان بطريقة “الكيفما كان”، وطريقة “هات إيدك ولحقني”. ولكنتُ رفضتُ التمييز بين الأساتذة عندي، هذا المضرب وذلك غير المُضرب، هذا المتفرّغ وذلك المتعاقد، وأعلنتُ أنّ لا تعليم من دون أجر، ولا إجبار على العمل من دون مردود مقبول يليق بالأستاذ الجامعي، وأنّ عهد عقد المصالحة انتهى ويجب استبداله بعقود قانونية تراعي مبدأ حقوق الإنسان. وكنتُ رفضت أن يتمّ تجويع الأستاذ بفرض ساعات عمل عليه من دون أي أجر، بما يتناقض وكل قوانين العمل في العالم. وأيضًا، كنتُ رفضتُ أن يستحصل الطلاب على تعليم متدني النوعية، وبالتالي حصولهم على شهادات من دون جدارة ولا جديَّة. فمعيار الشهادة والعلم النوعي ليس الامتحان والمسابقة، بل العمل اليومي المشترك ما بين الطالب والأستاذ بهدف بناء المعرفة عند كلامها وتطوير هذه المعرفة. هل هذا ما يحصل اليوم في الجامعة اللبنانية؟ أم أنّ التعليم الحاصل إنّما هو عبارة عن ساعات يتمّ تعبئتها على الأوراق، وعبارة عن امتحانات شكليّة، وتواريخ ورقيّة، و”تفقيص” شهادات لمن يستحق ولمن لا يستحق. كلّ ذلك بحجّة “حرام الطلاب”، وضرورة “إنهاء الفصل”، و”إنقاذ العام الأكاديمي”. انقلبت المعايير والقيم، وصارت الوسيلة هي الهدف، في حين أنّ الفصل والعام الأكاديميّين إنّما هما وسائل لبناء الإنسان، الذي هو الطالب والأستاذ على السواء. فضحّينا بالطالب، وبالأستاذ، وبالتعليم النوعي وهم الغاية والقيمة الأسمى من أجل إنقاذ العام الأكاديمي الذي هو ليس إلّا وسيلة وأداة. هنا المسؤوليّة الضميريّة والأخلاقيّة على كلّ عميد في كيفيّة تسييره لكليّته كيفما كان. في حين كان المطلوب رفض العمل في ظل هذه الظروف ورفع الصوت أمام المعنيّين، وإجبارهم على تأمين مقوّمات التعليم النوعي، حتى ولو أدى الأمر إلى استقالة العمداء.

أمّا لو كنتُ مديرًا لكنت رفضت أي نوع من أنواع الضغوط المباشرة وغير المباشرة على أساتذتي، ولكنتُ رفضت أي ابتزاز لهم أو تمييز فيما بينهم. وكنتُ لأقول لعميدي ولرئيس جامعتي أنني متضامن مع أساتذتي، ورافض لإعطاء طلابي تعليم متدني النوعية. وأنني سأعتكف عن العمل لحين تأمين الشروط كافة لتسيير العمل بشكل طبيعي ونوعي في كليتي وفرعي.

تخيّلوا لوهلة، لو وقف كلّ العمداء وكلّ مدراء الجامعة اللبنانية، وأعلنوا اعتكافهم عن القيام بمهامهم على طريقة “الكيفما كان”، وكانوا صوتًا واحدًا إلى جانب الأساتذة المتعاقدين المضربين يطالبون بكرامة الأستاذ، وأهمية نوعيَّة التعليم في الجامعة اللبنانيَّة، وحق الطلاب في الحصول على تعليم متكامل الأوصاف ووفق المعايير العلميَّة والأكاديميَّة العالميَّة، ماذا كان ليحصل؟

تخيّلوا لو أنَّ أهل الجامعة اللبنانيَّة، رفضوا أنْ يكونوا خاضعين لمن تسبّب بمصيبة لبنان الحاليَّة، وقالوا “لا”: لن نخضع من الآن فصاعدًا لسلطة وصاية الفساد، ولن نقبل أنْ يتم التضحية بمستقبل أجيالنا وبالتالي مستقبل لبنان، ولن نقبل بالمساومة على كرامة الأستاذ الجامعي وحقوقه.

تخيَّلوا أنه لو توجّهنا لطلابنا، بدل إغراقهم بالتدريس الأونلاين المتدني النوعية والكيفما كان، وقلنا لهم أنّ الأهم ليس العام الأكاديمي بل نوعيَّة تعليمكم ومستوى شهاداتكم، ومستقبلكم أنتم ومن سيأتي من بعدكم، ودعوناهم ليكونوا إلى جانبنا في الإضراب والاعتصام والانتفاض ضد الفساد وتدمير الوطن أخلاقيًا واقتصاديًا وماليًا ونقديًا وإنسانيًا.

لعمري إنّ النضال من أجل هكذا قضية لهو أرفع وأنبل وأشرف من كلّ المقامات والمراكز والشهادات.

آه لو كنتُ رئيسًا، أو عميدًا، أو مديرًا…..

 

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

متقاعدو القطاع العام يرفضون تكليف أي شركة أجنبيّة بوضع سلسلة جديدة للرواتب

بوابة التربية: أعلن المجلس التنسيقيّ لمتقاعدي القطاع العام رفضه تكليف أيّ جهة أو شركة أجنبيّة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *