أخبار عاجلة

ما هو السر وراء تربع السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا في المراكز الأولى بجودة التعليم؟

بوابة التربية: احتلت السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا الأربع مراتب الأولى بشكل مستمر في أفضل 12 دولة من حيث جودة التعليم في السنوات الأخيرة. على الرغم من أن تلك الدول تشكل 0.3٪ فقط من سكان العالم، إلا أنها تساهم بقدر كبير في المجالات الإبداعية والابتكارية والتكنولوجية.

يطرح ذلك سؤال مهم حول المعايير التي يعتمد عليها التعليم في الدول الإسكندنافية. قد يعتقد البعض أن الإجابة تتمثل في المعايير العالية والمناهج الدراسية الصارمة وساعات الدراسة الطويلة والتمويل غير المحدود والتكنولوجيا المتطورة. والحقيقة أن تلك المعايير قد ساهمت -بشكل قليل- في نجاحها، يكمن سحر نظام التعليم الإسكندنافي بالكامل؛ في الطريقة التي يبنون بها العلاقات داخل مدارسهم. لكن قبل الحديث عن المكونات التي يقوم عليها التعليم في الدول الإسكندنافية، يجب التعرف على المفهوم الذي يقوم عليه النظام التعليمي في تلك البلد.. أي “Bildung”.

يقوم نظام التعليم الإسكندنافي على جعل التعلّم مدى الحياة جزءًا مِن النسيج الطبيعي للمجتمع، إنهم ينظرون إلى التعليم بشكل مختلف عما ننظر إليه نحن. استخدم التعليم الإسكندنافي الكلمة الألمانية “Bildung” التي توصف نهجهم التعليمي، وهي كلمة لا يوجد لها مقابل في اللغة الإنكليزية أو العربية. وبشكل عام تعني “Bildung” التحول الأخلاقي والعاطفي والفكري والمدني للشخص.

ففي حين ينظر معظمنا إلى التعليم على أنه نقل لمجموعة من المهارات المتخصصة، مثل هل يستطيع الطالب القراءة، وحل المسائل الرياضية، وتلاوة حقائق علم الأحياء. تم تصميم “Bildung” لتغيير الطريقة التي يرى بها الطلاب العالم، إذ تم تصميمه لمساعدتهم على فهم الأنظمة المعقدة ورؤية العلاقات بين الأشياء؛ بين الذات والمجتمع، بين مجتمع العلاقات في الأسرة والمدينة. أي أن “Bildung” هي الطريقة التي ينضح بها الفرد ويتحمل مسئولية شخصيّة أكبر من أي وقت مضى تجاه العائلة والأصدقاء والمواطنين والمجتمع والإنسانية وعالمنا والتراث العالمي لجنسنا البشري، مع التمتع بحريات شخصية وأخلاقية ووجودية أكبر من أي وقت مضى.

خمس مكونات تجعل نظام التعليم الإسكندنافي من الأفضل عالمياً وهي:

الاستعداد الذاتي للابتكار

لا يتضمن النظام الدراسي في الدول الإسكندنافية أي تقييمات أو امتحانات مركزية رسمية  حتى سن 16. كما لا يوجد قياس أو تقييم للأطفال في السنوات الست الأولى من التعليم. هذه بعض السمات المميزة لنظام تعليمي يفتخر بالاستقلالية والثقة.

من جهة أخرى، يقضي المعلم العادي في فنلندا 4 ساعات فقط يوميًا في الفصل الدراسي بينما يتم تخصيص الساعات الأخرى لصقل مهاراته. وعلى الرغم من وجود منهج دراسي يتبعه المعلمون الاسكندنافيون، فقد تم إعداده كأدلة استرشادية مفيدة، بدلاً من كونها الميزة الرئيسية. يخلق هذا ثقافة تتمحور حول النمو بدلاً من القياس. حيث لا يتم تقييم المعلمين بناءً على إنجازهم في المناهج الدراسية، بدلاً من ذلك يكون الدور الرئيسي للقيادات المدرسية هو توفير الظروف التي تسمح للمعلمين بالازدهار.

كما يتم تزويد الطلاب أيضًا بهذا المستوى من الاستقلالية. على سبيل المثال، بعد وصول أحد أطفال الروضة متأخرا إلى المدرسة مرتديًا أحذية الثلج وسترة أسفلها، يخبره المعلم ببساطة “أنت تعرف ماذا تفعل”، وفي غضون خمس دقائق، يخرج الطفل من معدات التزلج على الجليد ويجلس ويستعد للدراسة. يتم بناء هذا النوع من الاستقلالية من خلال الثقة!

المساواة

يكون الطلاب في المدارس الاسكندنافية أحراراً في مخاطبة معلميهم بالأسماء الأولى ويُنظر إليهم على أنهم متساوون في شراكة التعليم. إنها طريقة لتطوير جو تعليمي ودي يكون التعلّم فيه تجربة مشتركة. على سبيل المثال، يقضي المعلمون الدنماركيون الأسبوع الأول بأكمله من الدراسة في بناء علاقات مع الطلاب من خلال الألعاب والأنشطة، ويعرف ذلك بـ “hygge” وهي كلمة دنماركية تُترجم بشكل فضفاض إلى “وقت لطيف ومريح”.

ويستمر “hygge” في الفصل الدراسي حيث يتمتع الطلاب بحرية تصميم وتزيين الفصل وفقًا لتفضيلاتهم. وتأكل المدرسة بأكملها كل يوم معًا في الكافتيريا مما يتيح للطلاب والمعلمين والمسؤولين في المدرسة الالتقاء جميعًا على وجبة غداء مجانية دافئة وصحية، ويكون ذلك وقتًا لبناء علاقات مع مجتمع المدرسة.

كما تتغلغل علاقات المساواة أيضًا في تفاعلات المعلم والمسؤول أيضًا. ومن خلال المساواة في الأجور والإجازات وفرص التطوير المهني، من السهل النظر إلى الزملاء على أنهم حلفاء أكثر من كونهم خصوم، فالعلاقات اجتماعية بسيطة لدرجة أنه عند طلب أحد المعلمين أخذ استراحة للصحة العقلية لرحلة تزلج عبر البلاد لمدة أسبوع على سبيل المثال، يجتمع المعلمون معًا لاعطائه دروسه لحين عودته.

التوازن

تعرف الدول الإسكندنافية قيمة التوازن، فلكل 45 دقيقة من الفصل، هناك استراحة إلزامية مدتها 15 دقيقة. ويأخذ جميع من في المدرسة نفس الاستراحة بغض النظر عن الدور الذي يقومون به. حتى أن المعلم يُمكنه أن يأخذ هذا الوقت لأخذ قيلولة في غرفة الموظفين. وقد أنعكس ذلك على سعادة المعلمين، إلى الحد الذي يُمكِنُنا معه القول أنه لن ترى مدرسًا غير سعيد.

بينما في معظم الأنظمة التعليمية الأخرى الأكثر صرامة، يُعادل التعلم بعدد الدقائق المخصصة في الجدول الزمني، فإن مفهوم “الدقائق الضائعة” غير موجود في الدول الإسكندنافية. بدلاً من ذلك، توازن المدارس بين دقائق التدريس الأكاديمي والدقائق التي يتم إنفاقها على نمو الطفل بالكامل. ويتعرف المعلمون على كل طالب من طلابهم من خلال الزيارات المنزلية والدروس الاستشارية والتجمعات الاجتماعية المجتمعية.

الانتماء

يقوم نظام التعليم في الدول الإسكندنافية على فكرة خلق شعور في ذهن الطالب بدوائر أوسع من الانتماء؛ من العائلة إلى مدينة إلى دولة والحرص على تحمل المسؤولية المشتركة عن الكل. كما عمل معلمو البلاد بجد لتطوير الوعي الداخلي للطالب، وهذا يعني أنهم ساعدوا الطلاب على رؤية القوى التي تتأرجح دائمًا داخل الذات في المشاعر والرغبة الشديدة والجروح والرغبات. فإذا كان بإمكانك رؤية تلك القوى وتفاعلها، كما لو كان من الخارج، يمكنك أن تكون سيدها وليس عبدًا لها.

عادةً ما يطيع الطفل الصغير السلطة بشكل أعمى؛ الأم والأب والمعلم. ولكن مع المرور بمراحل النمو والتغيرات المحيطة، يحتاج الفرد إلى رؤية نفسه والعالم من خلال عدسات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وهو ما يقدمه التعليم الإسكندنافي، من خلال مساعدة الطفل على استيعاب معايير المجموعة والتوافق معها، ثم يتعلم كيفية إنشاء معاييرها الخاصة بناءً على قيمها الخاصة، وبالتالي يتعلم التبادلية والتفكير الشامل.

المسؤولية المشتركة

يبدو أن تلك قوة النظام التعليمي كان لها تأثير دائم على الثقافة الاسكندنافية. سواء في ستوكهولم أو مينيابوليس، يميل الاسكندنافيون إلى المزاح حول الطريقة التي يزعجهم بها إحساسهم بالمسؤولية دائمًا. لديهم أدنى معدلات الفساد في العالم، لديهم شعور مميز بالعلاقة بين الحرية الشخصية والمسؤولية المجتمعية، والثقة الاجتماعية العالية التي تنتج عندما يكون الأفراد مسؤولين بشكل عفوي عن بعضهم البعض في التفاعلات اليومية للحياة.

من جهة أخرى، تقوم المدارس الشعبية -وهي المدارس التي يذهب إليها معظم المواطنين- بتقديم نظام تعليمي يناسب الجميع. حيث أنه إذا ذهب الأطفال المتميزون إلى أفضل المدارس، فلن يكون هناك الكثير من التبادلية الاجتماعية. إذا لم تغرس هذه المدارس حب الأمة، فلن يكون هناك الكثير من المسؤولية المشتركة.

عندما ننظر إلى نموذج “Bildung” فإننا ندرك أن مشكلة أنظماتنا التعليمية ليست فقط أنها لا تدرب الأشخاص ذوي المهارات الوظيفية المناسبة. بل إنه ليس لدينا نموذج التنمية الصحيح مدى الحياة لغرس نمط الوعي الذي يحتاجه الناس للازدهار في مجتمعات تعددية معقد.

 

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

القراءة بين الواقع والإبداع في كلية الآداب 5

بوابة التربية- كتب د. انور الموسى: نظم الفرع الخامس لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بالتعاون مع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *