أخبار عاجلة

ما هو مفهومنا للتّربية على المواطنيّة، وعلى المواطنيّة الرّقميّة؟

بوابة التربية: كتبت د. ندى عويجان:

1-     المواطنيّة ليست كلاماً رنّاناً في المناسبات أو موضة تترافق مع المؤتمرات.

إنّها تنشئة تنمو مع الٳنسان، في العائلة، في المدرسة، في الجامعة، في المجتمع. إنّها التزامٌ راسخٌ، ثابت ومتينٌ بالقيم الوطنيّة. إنّها وعي يتنامى باستمرار، ويتحوّل إلى إدراك، وفلسفة حياة، وثقافة جامعة، وتعاقد إجتماعي. فننظر إلى المواطن كعضو فاعل في الجّماعة الوطنيّة وفي الكيان السّياسي، وشريك أساسي في القرار الوطني.

2- أما التّربية على المواطنيّة، فهي جبهة الدّفاع الأولى عن لبنانَ الوطن.

وهي مجموعة متجانسة ومتناسقة من المفاهيم، والمصطلحات والأفعال والسّلوكيّات والمهارات والمواقف والإستعدادات. ترتكز على الكفايات المستعرضة (competences transversales) في المناهج الوطنيّة، وعلى إتاحة الفرص التّعليميّة المتكافئة للجميع، وعلى التّنمية المتوازنة لشخصيّة الفرد وقدراته المتنوّعة، كما وتأمين انغراسه في أصالة هويتّه الوطنيّة، والاعتزاز والمحافظة على الرّموز الوطنيّة والموارد الطّبيعيّة وبيئية الوطن الصّحيّة.

3- وتعتبر منظومة المناهج الرّافعة الأساسيّة لتحديد ملامح المتعلّم المُواطن،

وتحقيق الوحدة السّياسيّة والوحدة الوطنيّة في المجتمع.  حيث تسعى إلى تعزيز المواقف المتعلّقة بالدّفاع عن الوطن، ومقاومة كلّ أنواع الإعتداء على كرامته وسيادته، فكرياً وثقافياً وأخلاقياً وإنسانياً وإجتماعياً ودبلوماسياً وعسكرياً. وتسعى المناهج التّعليميّة أيضا، إلى تفعيل الكفايات المتعلّقة بالإبداع، والذّكاء الإنفعالي، فتوجّه طاقات التّلامذة إلى الحوار وحل المشاكل والتّفاعل الإيجابي مع الآخرين، سيّما في القضايا والشّؤون الوطنيّة، وذلك من خلال المواد التّعليميّة، والأنشطة الصّفيّة واللاصفيّة، وطرائق ووسائل وأنواع التّعليم والتّعلّم وأسس التّقويم المتنوّعة، مع إدخال عناصر التّطوّر التّربوي العلمي والتّقني والتّكنولوجي.

4- ويتضاعف من خلال المدرسة وآداء المعلّم، الوعي للواجبات وللمسؤولياّت الوطنيّة، والسعي إلى بذل كل الجهود واستثمار كل ما هو متوفّر، لتحقيق نمو وتطوير الوطن.

إذ يعتبر المعلّم القدوة والمثال، والمحرّك الأساسي في عمليّة التّعليم والتّعلّم.

وتعتبر المدرسة، الجهاز الدّاعم لتثبيت قيم المواطنيّة بالقول والفعل، وبإيجاب احترام القوانين والأنظمة، وترسيخ الإنتماء الوطني عند جميع التّلامذة. فتتبلور في البيئة المدرسّية القيم الوطنيّة، كالإلتزام والإحترام والإنضباط والمبادرة والتّعاون والتّشارك والإبتكار والتّحليل والجرأة والمساءلة والمحاسبة وغيرها… فتكون المدرسة بذلك، الإمتداد الطّبيعي، والصّورة الحيّة للمجتمع. فهي تتضمّن نظام كامل ومتكامل يَعكس الأطر العامّة للحياة الإجتماعيّة.

خاصّة، اذا توفّرت للتّلامذة، أفضل الظّروف والمقوّمات لإنمائهم إنماءاً شاملاً ومتكاملاً ومتوازناً، من النّاحية الجسديّة والعاطفيّة والإجتماعيّة والإنسانيّة والوجدانيّة والذّهنيّة والثّقافيّة، لتجعل منهم مواطنين فاعلين ومتفاعلين، مع بيئتهم الإجتماعيّة والماديّة؛ وإذا تواكبت مع تطوير مهني مستدام للمعلّم، ومع إنسجام في الخطاب مع الأهل… الأمور التي تسمح ببروز النّخب الوطنيّة والسّياسيّة، وبتكوين شعور الإنتماء والولاء للوطن، وبتعزيز التمسّك والإفتخار بالهويّة الوطنيّة.

5- أمّا المواطنيّة الرقميّة، فهو تعبير عالمي يقع تحت مظّلة الإنفتاح والعولمة،

ويقصد من خلاله ربط المواطن بالرقمنة/الرّقميّة المحليّة والعالميّة في حياته العامّة والخاصّة. كون الرّقميّة والممارسات الرّقميّة أصبحت تطوقنا من كل جانب، وفرضت مفردات وتعابير جديدة باتت مألوفة على لغتنا وتعليمنا وعملنا وحياتنا. لذلك نجد من الأفضل التكلّم عن الرّقميّة في مفاصل حياة المواطن، في البيت في المدرسة في الجامعة في مكان العمل، في الحياة الشّخصيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة وغيرها. واستعمال مصطلح “الثّقافة الرّقميّة” أو “التّربية على الرقميّة”، كالتّربية على المواطنيّة، لنقصد التّربية على الكفايات الرّقميّة المنوي إكسابها للمتعلّم وغير المتعلّم مهما بلغ عمرهم.

6- نحن مدعوّون جميعاً، أفراداً ومؤسّسات، من خلال خبراتنا ومسؤوليّاتنا،

إلى تزويد أولادنا بالمعارف الأساسية والضّروريّة عن الرّقميّة، وإلى إكسابهم المهارات الرّقميّة المطلوبة، وإلى توجيههم لاتّخاذ المواقف السّليمة والمسؤولة في حياتهم. من خلال وعي كامل وإفهام وإدراك لخطورة الإنزلاق نحو التّعلّق بالرّقميّة والعالم الإفتراضي، وإهمال كل جوانب الحياة الحقيقيّة، سيّما، العلاقات الإجتماعية، والأنشطة الرياضيّة، والثّقافيّة، وغيرها.

لذلك، لا بد من الاستفادة من الرّقميّة لتحفيذ المتعلّم وتسريع وتسهيل بناء المعرفة، وتوفير المعلومات في كل وقت، وتعزيز تكافؤ الفرص، وتأمين الفردنة في التّعليم والتّعلّم  المتمايز، وتوفير بيانات المعلومات الضّخمة، وتطوير التّعليم والتعلّم الإلكتروني على أنواعه وأشكاله، الذّاتي والحضوري والإفتراضي المتزامن والغير متزامن، والعمل ضمن مجموعات وغيرهم… وتأمين مستلزماته،

واعتماد المقاربات والطرائق المعاصِرة في الأنشطة الصّفيّة واللاصفيّة، والمشاريع البحثيّة، والمختبرات والصفوف التّكنولوجيّة الذّكيّة، وأساليب التّعلّم التّكييفي المتعدد السرعات، والتّعلّم المتمايز وغيرِها… فنفتح بالتّالي، الباب للإبتكار والإبداع والتّفكير النّاقد، ونرسّخ السّلوكيات الرّقميّة السّليمة، ونعمل على التّكامل مع التّعليم المهني والتّعليم العالي وحاجات سوق العمل المحلّي والعالمي.

7- و”حتى المواطنيّة ما تبقى مصطلح”…!

– لا بد  من السّعي إلى المواطنيّة الفاعلة، من خلال عمليّة تربويّة شاملة ومستدامة، تعمل على وحدة المجتمع وتطوّره ورفع شأنه. كونها السّبيل الوحيد لتحقيق أهداف التّنمية المستدامة والنّهوض بالوطن. فيكون المواطن حينها، عضو فاعل ومنفتح وتشاركي في الجماعة الوطنيّة، وفي الكيان السّياسيّ، وفي القرار الوطنيّ، يسهم في التّطوير الحاصل وفي صنع مستقبل الوطن والأمة.

– ولا بد من إصلاح تربوي شامل، أشبه بثورة تربويّة متكاملة تتماشى مع الواقع الجّديد، ومع سوق العمل المتجدد، ومع الانفتاح والعولمة. منظومة تربويّة معاصرة، تتمتع بالمرونة والحداثة، وتعيد إنتاج وتركيب وتخطيط منظومة تربويّة جديدة، مع فلسفتها وغاياتها ورؤيتها ورسالتها وأهدافها وكل مكوّناتها ومواردها البشريّة والتّكنولوجيّة والماديّة، وتسعى إلى إدخال البرمجيّات وتكنولوجيا المعلومات والكفايات الرّقميّة إلى جميع مكوّنات مناهجنا الوطنيّة، لتسخير التّطوّر التكنولوجي في تبسيط التّعليم والتّعلّم وتسهيل الحياة؛ للوصول إلى جيل سعيد، يسعى إلى التّعلّم مدى الحياة، ويتمتّع بالحرّيّة المسؤولة وبالإنفتاح على العالم وعلى المهارات الحديثة، ومتمسّك بهويّته وأصالته الوطنيّة.

– ولا بد أيضاً، من تشريعات جديدة تتماشى مع التّطوّر الحاصل، من إستصدار للقوانين وللمراسيم التّطبيقية، إلى تطوير الأنظمة الرّقابيّة اللازمة لتحقيق العدالة والمساواة وبناء دولة الحق الدّاعمة لدولة القانون.

في النهاية، إنّ المواطنيّة، هذه العلاقة الوجدانيّة والقانونيّة والتّفاعليّة بين المواطن والوطن، تجاوزت مفهوم الجّنسيّة بالولادة وبالإكتساب، وأخذت عمقها من خلال بُعد الإنتماء، وبُعد المسؤوليّة الإجتماعيّة، والبُعد الحقوقي والقانوني والبُعد الأخلاقي. “فلا وطن من دون مواطن، ولا مواطن من دون وطن”! وإلا الفوضى ثم الفوضى، والضّياع والّاإنتماء…

*كانت هذه كلمة د. عويجان في افتتاح اليوم الثاني لمؤتمر تربوي افتراضي بعنوان “تحديات المناهج الدراسية في لبنان: التّربية المواطنيّة والعصر الرقمي”، السبت في 26 شباط 2022 ونشرت من قبل المؤتمر في ١٣ آب ٢٠٢٢….

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

الحلبي استقبل وفدا من علما الشعب والبياضة عارضا مطالب اساتذة وطلاب المنطقة الحدودية

بوابة التربية: إستقبل وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال الدكتور عباس الحلبي الطالبين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *