أخبار عاجلة

مشكلة جامعتنا تكمن في سلب استقلالية قرارها

بوابة التربية: بقلم العميد د. *كميل حبيب:

في حياة كل منّا محطات…. ما إن نصل الى محطة حتى نكون مودّعيها. وفي كل محطة أناس ساعدونا، وأناس علّمونا، حتى اذا ما أدركنا قمة تراءت لنا قمم اخرى.

لقد ضمني هذا الصرح الشامخ في جو مفعم بالعطاء والرغبة الأكيدة في الانجاز، تمييزاً وتمايزاً. هي التي زرعت في نفوسنا البذار الصالح، وغرست في داخلنا قيم الحق والخير والجمال.

هي للعلم سدرته، وللمعرفة حاضنتها، وللحياة لمستها الساحرة.

هي حب مبرأ من الشوائب.

هي اكسير هذا الوطن، وسر وحدة شعبه، وايقونة رقي شبابه.

من كفاف يومها تصنع مستقبل الاجيال، وتقاوم المرض بقوة الايمان، وتداوي الألم بجرعات اليقين.

نحن فيها أبناء كلمة سواء، ناموسنا في الحياة، وأسلوبنا في التفاعل.

هي الجيش الثاني، ونحن والجيش صنوان في الهدف والإنتماء.

هي مسؤولة عن وأد الفتن، وحماية الوطن، وبناء دولة مدنية حديثة.

هي تبحث عن وطن يمشي الحب في طرقاته، ويجول الفرح في ساحاته. وطن ينقل الشباب من حب الخصومة دفاعاً عن القبيلة، الى امتشاق اليراع دفاعاً عن الحرية والسيادة.

إنها جامعة الوطن، وليس لنا من مشكلة مع الوطن.

أنها ابنة الدولة، ونحن نُدرِس القانون ونحترم القانون.

مشكلة جامعتنا انها ليست ابنة طائفة او مذهب او حزب او منظومة

مشكلة جامعتنا انها تتسع لكل الناس، ولكن ليس لكل طموح فئوي.

مشكلة جامعتنا تكمن في سلب استقلالية قرارها في تفريغ اساتذتها، وانتخاب عمدائها، وتشكيل مجلسها. وعلى الرغم من قدراتها المتواضعة على تنظيف ذاتها بحركة دائمة كأمواج البحر، تبقى المجارير السياسية عائقاً امام تقدمها. صفوة القول انه لو قدر لهذه الجامعة ان تصبح جامعة منتجة لأمكنها التحرر من براثن نظام المحاصصة الطائفية. نعم، ان الجامعة اللبنانية قادرة على النهوض بدور ايجابي لمصلحة تطوّر المجتمع اللبناني اذا ما توفرت لها الاستقلالية المرتجاة.

في 15 ايار 2023 أكون قد بلغت السن القانونية للتقاعد بعد ان خدمت الجامعة مدة تسع وعشرون سنة وتسعة اشهر بالتمام والكمال. وطيلة هذه الفترة عملت اولاً كأستاذ، ومن ثمّ كعميد لكليتي العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال (2005- 2013)، ولكلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية (2013-2023). وها انذا اليوم أحمل ملفاتي وذكريات جميلة عائد الى عائلتي الصغيرة بكل ما فيها من دفء وحب وحنان.

تعاونت مع ستة رؤوساء للجامعة، بدءاً بالدكتور اسعد دياب(رحمه الله)، والرؤوساء ابراهيم القبيسي، زهير شكر، عدنان السيّد حسين، فؤاد ايوب، وبسام بدران؛ ولكل واحد منهم شذرات من ذهب في قلبي، لإسهاماته في نهضة الجامعة اللبنانية. واسمحوا لي ان استمطر شآبيب الرحمة على روح من سبقونا من الزملاء الى الحياة الابدية؛ عنيت: د. علي ابي حيدر، ود. صالح طليس، والرئيس د. سامي منصور، والرئيس د. محمد المجذوب.

طبعاً ليس بالأمر السهل ان تكون عميداً لكلية الحقوق. فهذه المسؤولية الهامة جداً على الصعيدين الوطني والحقوقي تحتاج الى رؤية، وثبات وشجاعة: رؤية في التطوير، وثبات في النهج، وشجاعة في مواجهة الدخلاء والمغرضين من حملة الأقلام المأجورة. وإلا، فالفشل يعني بأنك لم تحافظ على ما ورثته من بيروت كأم الشرائع.

كلية الحقوق بيئة ورسالة، وحصن للحرية الفكرية، وللكرامة الانسانية، وموطن للخلق والابداع، ومشعل معرفة في ركب الحضارة الانسانية. وعلى الرغم من كل التجني، فنحن لا ندخل في منافسة  مع احد لأننا الأوائل في معهد الدروس القضائية، والمعهد الدبلوماسي، ومجلس الخدمة المدنية، وفي نقابتي المحامين. وهذا لا يعود لكثرة اعدادنا، بل يعود الفضل في ذلك لإدارة حكيمة، واساتذة اجلاء، وطلاب نجباء. وها هي كلية الحقوق ترفل بأجمل اثوابها، مرفوعة الرأس ناصعة الجبين، لم يدخل الشيب بشعرها سيدة في وطن، يطفح قلبها حباً وسلاماً.

إن ما تمّ انجازه طيلة العشر سنوات الماضية لم يكن نتيجة مجهود فردي. لقد كانت العمادة محاطة بكوكبة من الاساتذة المجلين الذين كان لهم اسهامات مضيئة على دروب العلم والمعرفة.

  1. اقرينا النظام الداخلي
  2. اطلقنا المناهج الجديدة
  3. وضعنا التوصيف الموحّد للمقررات
  4. اصدرنا مجلة الحقوق والعلوم السياسية
  5. انشئنا عدد من الماسترات المهنية لوصل الطلاب بسوق العمل، وهي:

أ‌-       القانون العام.

ب‌-  التخطيط والادارة.

ت‌-  المنظمات الدولية.

ث‌-  العقد.

ج‌-    المهن القانونية والدبلوماسية.

ح‌-    المنازعات والتحكيم والطرق البديلة في حل النزاعات.

خ‌-    أسسنا ماستر الدراسات الصينية.

  1. أطلقنا برنامج العيادات القانونية.
  2. أسسنا ماستر الحوكمة وحقوق الانسان بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي (DEMOS)
  3. تم تطوير مركز المعلوماتية القانونية حتى استحق تسمية (Legiliban)
  4. أنشأت الكلية لجنة الاستشارات القانونية والادارية لتقديم الاستشارة لمؤسسات القطاع العام.
  5. أسسنا مركز التعاون الاكاديم البحثي.
  6. أنشأنا الموقع الالكتروني البحثي الذي احتل الصدارة بعدد زواره ويضم نحو خمسة الآف عمل بحثي.

في مجال التعاون مع الجيش اللبناني:

  1. ساهمت الكلية في تطوير مناهج الكلية الحربية، وأنشئنا اجازة في العلوم السياسية.
  2. أطلقنا ماستر في الدراسات الاستراتيجية.
  3. اطلقنا ماستر العلوم العسكرية بالتعاون مع كلية فؤاد شهاب للقيادة والاركان.
  4. يتابع اساتذتنا القاء المحاضرات في كل الفروع التابعة لمعهد التعليم في الجيش.

فيما يخص اتفاقيات التعاون:

  1. عززنا التعاون مع الجامعات الفرنسية، وخاصة مع جامعة Rennes 1 والتي أثمرت منح جامعية لطلابنا.
  2. وقعّنا اتفافية تعاون مع المديرية العامة للأمن العام.
  3. وقعّنا اتفاقيات تعاون مع نقابتي المحامين في بيروت والشمال.
  4. وقعّنا اتفاقية تعاون مع جامعة LAU.
  5. وقعّنا اتفاقية تعاون مع المعهد الوطني للإدارة.

أنشطة اخرى ومتفرقات:

  1. نظمّنا مؤتمرات وأقمنا ندوات عديدة في كافة مجالات الحقوق والعلوم السياسية.
  2. يشارك طلابنا سنوياً في مسابقة المحاكم الصورية.
  3. نظمّنا دورات تدريبية مجانية لدعم طلابنا ومساعدتهم الدخول الى المعهد الدبلوماسي.
  4. حقّق طلابنا الفوز من خلال مشاركتهم في مسابقتي السفير فؤاد الترك والمفكر سليمان تقي الدين.
  5. أطلقنا اسم كمال جنبلاط على القاعة الكبرى في كلية الحقوق.
  6. شاركنا في احياء ذكرى المجزرة الآرمنية.
  7. شاركنا في اعمال المؤتمر الدائم للحوار العربي- الايراني.
  8. شاركنا في اقامة مؤتمرين حول استراتيجية طريق الحرير والحزام الاقتصادي.
  9. أقمنا احتفالات تكريميية لكل من دولة الرئيس نبيه برّي وسيادة العماد جوزف عون قائد الجيش و د. عفيف ضاهر.

أمامكم يعجز اليراع عن الكتابة، فالحروف لا يمكنها اختصار المعاني. لكن في القلب احساس عظيم وشعور كبير، كيف لا وانتم من رسم، وفي وقت قصير، واحة تردادها طيور الشوق، وتفوح منها أزهار المحبة وشلالات العطاء. يا حافر الصخر صموداً واحلاماً، ويا سالك المعرفة دروباً: نجاحك من مثابرتك ، تفوقك من اصرارك، وتميزك من علمك.

يحدوني الوفاء والبر والعرفان، بحق الزمالة والتراتبية، ان أتوجه اليكم بالكلمات التالية: جميعنا يحبكم ويحترمكم ويقدّر انجازتكم. معكم تلتقي الوداعة واللطف والمعشر الرقيق والاحساس المرهف.

أنتم الشفافية الصارمة، والوزنات النادرة، والعطاء السخي. لكم منّي وقفة مجد وانحناءة احترام.

وانني اتمنى عليكم، يا حضرة الرئيس، مساعدة العميد العتيد على انجاز ما يلي:

  1. اقرار ماستر بحثي في العلوم الدبلوماسية وباللغتين الفرنسية والانكليزية.
  2. اقرار المركز الجامعي للوساطة والتحكيم.
  3. إنشاء ماستر مهني في التحقيق الجنائي بالتعاون مع كلية العلوم والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي.

أردت كلمتي ان تكون مفعمة برقة الشعور ومنارة البيان، ورسالة رصانة وادب. فهذه المناسبة الاخيرة التي اعتلي خلالها هذا المنبر المشرّف، ولكنني أعدكم بأنني لن أرمي القلم، ولن أجافي الحرية، ولن اتخلى عن مبادئي. موقعي السليم سيبقى في الجامعة اللبنانية التي شكّلت جزءاً من نضالي الوطني. فما من قمقم يمنع شجر الارز من النمو، وما من حقد يمكنه  اعتقال الاحلام.

لقد خسرت لحظات من الهناء لأربح عمراً من التجارب؛ ذقت من العمر افراحه، وبلوات احزانه واسلمت امري في الحالتين لرب العالمين. فلا النميمة اخرجتني من جادة الصواب، ولا الحزن عطّل عليّ ثواب الصابرين. وبقيت لا استغرب ان وجدت بعض الشر في المكان الذي غرست فيه الخير. فهناك اراضي لا تصلح للزراعة.

واذا كان من مندوحة شخصية لي اقول: إن عمري من عمر كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية؛ والتي تأسست بموجب المرسوم رقم 476 تاريخ 24 كانون الثاني 1959. افتخر ان ابنائي تخرجوا من الجامعة اللبنانية. والفضل في ذلك يعود الى سيدة فاضلة كريمة، وشجاعة. هي الاب والام، وهي السند ومستشاري الاول. الى زوجتي الحبيبة ام جاد ميرفت حبيب، كل الحب والاحترام والتقدير وهي التي ربّت وعلّمت واحبّت. فلا تحسبيني متلبّد المشاعر، احساسي بداخلي، احساس الف شاعر.

تحية حب الى ابنائي جاد ومجد وساسيليا.

وتحية تقدير الى كل من واكب مسيرتي العلمية في كندا من عائلة حبيب الكريمة.

وتحية اشتياق الى روح والديّ حبيب وسيسيليا.

ويقضي الوفاء ان أتوجه بالشكر والامتنان الى فريق العمل الذي واكبني في العمادة، واللواتي قاسينا الأمرين في الفترة الأخيرة، وبقينا نعمل سويّاً كعائلة واحدة: السيدة آمنه الحاج، والسيدة سميرا يونس، والسيدة جورجيت منصور.

وفي هذه اللحظة التي أسلّم فيها الشعلة  الى العميد العتيد، أدعوه الى استذكار الفلاح الذي يضع يده على المحراث وينظر الى الامام. فلا جزاء يرتجى، ولا مشكوراً، يبتغى. فقليلاً ترونني، وقليلاً لا ترونني لأن ساحة نضال اخرى تنتظرني؛ يحدوني ايمان عميق بأن هذه الجامعة هي ملح لبناننا الحبيب.

عاشت الجامعة اللبنانية

عاشت كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية  وليحيا لبنان

*عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية السابق

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

شهادة الماجيستير للمحافظ الترك مع تقدير جيد جدا

بوابة التربية: نالت محافظ النبطية الدكتورة هويدا الترك شهادة الماجيستير من كلية الحقوق في الجامعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *