أخبار عاجلة

  معايير ونظم الجودة الشاملة في التعليم الجامعي

q-e

 

بوابة التربية

بقلم البرفسور علي منيمنة *

 

 

شهدت معظم دول العالم نمواً سكانياً كبيراً، وخاصة الدول التي تسمى الدول النامية، في اقل من نصف قرن، كما شهدت هذه الدول الكثير من المتغيرات والتحولات في أغلبية المجالات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والتكنلوجيا …

برزت لدى هذه الدول الحاجة لإستحداث جامعات جديدة تابعة للدولة كما سمحت هذه الدول لإنشاء الجامعات الخاصة تكون أحيناً ملكاً لجمعيات أو مؤسسات تعليمية او لأشخاص يملكون المال اللازم .

ومع تقدم السنوات برزت الحاجة للجامعات لإعتماد التقييم لمناهجها وبرامجها وإرتباطهم بحاجات سوق العمل والبحث العلمي وكفاءة خريجيها  لتلبية هذه الحاجات، نظراً للدور الذي ينتظر أن يؤديه خريجوا التعليم الجامعي في التنمية الشاملة للمجتمع. أما الهدف الأخر من هذا التقييم هو إبراز الجامعة بإنها مؤسسة جامعية ذات مستوى لكسب ثقة المجتمع المدني بها من منطق أن الجيد هو ما يقدم بشكل سليم وكافِ الرسالة  والأهداف التي أنشأت من أجلها مما قد يساهم في إزدياد عدد طلابها وإمكانية أن تجد موارد مالية من خلال برامج الأبحاث المحلية والعالمية حتى لو كانت تابعة للدولة. في أغلب الأحيان تنفق هذه الأموال لشراء الأجهزة للمختبرات التعليمية أو للمختبرات البحثية الذي أصبحت مكلفة جداً، وتبرز صعوبة أخرى هي صيانة هذه الأجهزة بسبب قلة الكوادر البشرية المتخصصة، ومنح للطلاب المتفوقيين للدراسات العليا (ماستر وتحضير دكتوراه).

الآسئلة المطروحة هي: كيف ومن المخول في عملية التقييم ؟ ماهي معايير التقييم ؟ هل تكتفي الجامعة بالتقييم الذاتي (الداخلي)  للمنهاج والبرامج  والأبحاث العلمية فقط ؟

من خلال هذه الأسئلة برزت : الجودة الشاملة للجامعات

وقد أضيف لما سبق  التقييم الدوري للهيئة التعليمية (التعليمي والبحث العلمي)، القوانين والأنظمة ومرونتها مع الحداثة والتغيير ،الهيكلية الأكاديمية التنظمية وإستقلاليتها ،كيفية إختيار هيئة التدريس، المختبرات التعلمية والبحثية ، عدد الأبحاث وقيمة المجلات التي تنشر هذه الأبحاث ،الإتفقيات المعقودة، عدد الهيئة التعليمية بالنسبة لعدد الطلاب، قاعات التدريس، المباني الجامعية،المكتبات، التقييم التربوي  للطلاب ، تنظيم المؤتمرات العلمية ، المساحات الخضراء وملاعب الرياضية والنشاطات الرياضية . العمل الإداري وماهو عدد الإداريين وكفاءتهم وتقييمهم دورياً، عمل دورات تدريبية لهم، إستخدام التقنيات الحديثة..الخ ذهبت الأمور مع الجامعات والباحثين لإطلاق  فكرتين  متممتين لبعضهم البعض التقييم الذاتي الدوري تقوم به الجامعة وتقييم خارجي تقوم به مؤسسات عالمية. وعرف في مابعد :   معايير ونظم  الجودة الشاملة للجامعات.

 تعد إدارة الجودة الشاملة للجامعات من أهم المفاهيم الحديثة.

أمام هذه المعطيات وجدت الجامعات في أغلبية الدولة الكبرى والنامية صعوبة كبيرة في التعاطي مع هذه المعايير للجودة الشاملة لأسباب إدارية والكلفة المالية الباهظة أحياناً وخاصة في التقييم الخارجي.

حتى الجامعات أو المؤسسات التي رغبت القيام بالتقييم الخارجي واجهت موعقات إدارية ومالية وأكاديمية لأنه لا يوجد إلا جامعات قليلة في بعض الدول ألتي لديها الإمكانيات ألتي تلبي جزاً كبيراً من معايير الجودة الشاملة المذكورة أعلاه.

نرى في بعض الدول الكبرى جامعات تملك مباني جميلة، ولكن لا تملك المساحات الخضراء أو الملاعب أو ليس لديها المختبرات البحثية في كل المجالات العلمية .

مما أضطر على، سبيل المثال، أغلب الجامعات الفرنسية في مدينة واحدة أو مدن قريبة من بعضها إلى الإندماج في جامعة واحدة، وأبعد من ذلك إستحدثوا برامج ماستر موزعة بين عدة جامعات، وبرامج ماستر باللغة الإنكليزية لجذب الطلاب الأجانب أو لحاجة سوق العمل . كل ذلك لتلبي معايير ونظم الجودة الشاملة وكسب الثقة المجتمع المدني والدولة وأن تصنف من بين الجامعات ذات المستوى.

أما على صعيد الدول الأوربية الغير أنكلوساكسونية فقد إتفق وزراء التعليم العالي في مدينة بولونيا الإيطالية عام 1999 إلى توحيد هيكلية التعليم الجامعي بحيث يصبح من ثلاث حلقات فقط وهي :     ليسانس ، ماستر و دكتوراة  والذي عرف لاحقاً بـ (ل م د) وذلك بغية المقاربة لهيكلية التعليم الجامعي في الدول الأنكلوساكسونية ( الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا،…..) , مما سوف يسهل الحراك الأكاديمي المشترك بين جامعات هذه الدول وهناك فكرة لإستحداث دكتوراة أوروبية مشتركة ، هذا كله من أجل تلبية معايير الجودة الشاملة.

أما بالنسبة للدول النامية فيمكن توزيعها بين الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية كالمعادن والبترول وغيرهما مما مكنهم من إنشاء جامعات تملك المباني الحديثة والمختبرات التعليمية والبحثية مجهزة بإحدث الأجهزة ولكنها لا تملك الكوادر البشرية الكفؤه من الهيئة التعليمية والكادر الإداري مما إضطر هذه الجامعات للإستعانة بكوادر بشرية متخصصة أجنبية. هذا الوضع يجعل هذه الجامعات في وضعية حرجة بالنسبة لتطبيق معايير الجودة الشاملة .

أما الدول النامية الفقيرة في الموارد الطبيعية  فحدث ولا حرج فهذا الفقر ينعكس على جامعاتها في كل المعايير . وتستهل هذه الجامعات إستحداث كليات العلوم الإنسانية التي لاتتطلب المال الكثير لأنه لا وجود للمختبرات المكلفة تجهيذا” والمتطلبة لكوادر بشرية متخصصة . وهذا ينعكس على العدد الكبير من الخريجين من العلوم الإنسانية حيث لا عمل لهم في سوق العمل وتتفاقم البطالة بين الشباب مما يضطر البعض منهم للمخاطرة بأرواحهم للهجرة نحو الدول الغنية للعمل في أي نوع من العمل . والمصيبة الأكبر أن بعض من هذه الدول ترسل بعض من  طلابها المتفوقيين لمتابعة الدراسة في المجال العلمي في الدول الغنية ولكن للأسف أغلبهم يبقى في بلاد الإغتراب ولايعودون إلى وطنهم لتعزيز قدراته العلمية. طبعا” نستنتج أن هذه الجامعات هي خارج المنافسة والتقييم ولا ينطبق عليهم معايير ونظم الجودة الشاملة .

في بعض الدول الشاسعة المساحة وصعوبة انشاء جامعات في الأرياف لجأت إلي التعليم عن بعد بواسطة التقنيات الحديثة فلا يمكن التكهن في الوقت الحاضر ماهو المردود على المجتمعات من هذا التكوين .

بالنسبة للتعليم الجامعي الخاص منه ذات المستوى الجيد ومنه للأسف تجاري .

وقد قامت بعض الجامعات المتقدمة في معايير ونظم الجودة الشاملة الى عرض موادها الدراسية عبر الأنترنت ، مقابل مردود مالي ، ولكنها غير قابلة  للمعادلة في بعض الدول ..

أسمح لنفسي، كعميد سابق لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية ، بالتكلم عن الجامعة اللبنانية حيث لديها هيئة تعليمية في أغلبيتها ذات مستوى أكاديمي (تعليمي وأبحاث علمية) في جميع كلياتها , والكادر البشري الإداري يجب معالجته وأكتفي بهذا القول. أما المباني منها الممتاز مجمع الشيخ رفيق الحريري في الحدث ومجمع الشيخ بيار أمين الجميل بالفنارولكن يجدر الإشارة إلى أن  بعض الفروع الأولى والثانية ينقصها البناء الجامعي  لإنها لاتتواجد ضمن المجمعان المذكورا ن سابقا” . الفروع الثالثة للجامعة اللبنانية في شمال لبنان هي بإنتظار الإنتهاء من أعمال البناء والتجهيزات في  مجمع المون ميشال في الشمال ، في الجنوب المباني حسب الكليات ولكن يجب التفكير جيدا” بمجمع جامعي ، أما لفروع البقاع فهي بحاجة ماسة إلى مجمع لكل الفروع المجودة في البقاع .

ولكن الجامعة اللبنانية لديها تجهيزات حديثة للمختبرات التعليمية والبحثية وخاصة المعهد العالي للدكتوراة للعلوم والتكنلوجيا في مراكزه الثلاث : الحدث ، الفنار وطرابلس.

كما أننا نشير إلى كفاءة الكثيرمن طلابها في سوق العمل وإلبحث العلمي في لبنان والخارج .

لكن الجامعة مازالت وللأسف  تعمل بالقانون التأسيسي 75والذي وضع أيام الرئيس فؤاد شهاب عام 1967أي منذ نصف قرن ومما زاد في الطين بلة إقرار القانون 66 الذي أقر سنة 2009 (هذا رأي)

رغم كل ذلك يمكن القول بأن الجامعة اللبنانية خارج معايير ونظم الجودة الشامل.

سوف نورد في دارستنا الأليات المتعبة للتقييم في كثير من الجامعات في العالم .

تخضع الجامعات في الدول ألتي فيها عدة جامعات إلى التقييم من قبل هيئة على صعيد الدولة ألتي تعطي موافقتها للجامعة بناء” على ملف تكون الجامعة قد أرسلته الى الهيئة مسبقا” قبل تطبيقة . وهذا يسمى التقييم الذاتي  (أي ضمن الدولة) .

في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد مجلس الأعتماد في التعليم العالي أو وزارة التعليم ، كما أنه يوجد العديد من الهيئات ألتي تقوم بعمليات التقييم لضمان الجودة. لقد اختصرنا كثيرا” عملية التقييم في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لتشعب الموضوع بين تقييم فيدرالي وتقييم حسب كل ولاية وتقييم داخلي للجامعة كما يوجد تقييم من خلال هيئة تجمع عدة جامعات وووو……..إلخ.

أما في لبنان الجامعات الخاصة تخضع لموافقة وزارة التربية والتعليم العالي من خلال المجلس للتعليم العالي وذلك بغية استحداث منهاج دراسي جديد . أما بالنسبة لإنشاء جامعة جديدة فيجب أخذ موافقة المجلس للتعليم العالي والإستحصال على مرسوم إنشاء من مجلس الوزراء. وقد صدر حديثا” قانون ينظم عمل الجامعات الخاصة .

أما بالنسبة للجامعة اللبنانية فلها إستقلاليتها وتراقب من خلال رئيسها ومجلس الجامعة ولكن لايمنع من تأليف لجان للتقييم ترفع مقرراتها الى رئيس الجامعة (تقييم ذاتي أو بلأحرى داخلي) ولكننا نشير انه يوجد هامش للتقييم من الخارج وذلك من خلال عميد الوحدة وموافقة رئيس الجامعة حيث يرسل ملف الوحدة للتقييم إلى هيئة دولية لها إحترامها وقدرتها ولكن يوجد عائق وهي الكلفة المالية !!!!!!!!!!! وهذا مايسمى بالتقييم الخارجي ولكنه ينحصر في أغلبية الملفات بالمناهج والبرامج وتجهيزات المختبرات التعليمية والبحثية ومواضيع الأبحاث العلمية والإتفقات المعقودة مع الجامعات خارج لبنان ولكنه لايدخل في البنية الإدارية ولا القوانين والأنظمة والمباني وووو … يعني أنه تقييم مجتزأ أو مبتور

تلجأ الجامعات في لبنان ذات نظام  فرنسي الى التقييم الخارجي الى الهيئة في فرنسا ألتي تقييم الجامعات  الفرنسية طبعا” أعطيت الجامعات اللبنانية كمثال ولكن كثيرا” من الجامعات في الدول ذات طابع فرنسي تلجأ لهذه الهيئة للتقييم الخارجي .

يوجد أيضا” هيئة تصنيف إسبانية  تسمى (بيومتركس) تعمل عل تصنيف الجامعات الإسبانية         (تقييم ذاتي) والجامعات من خارج إسبانيا (تقييم خارجي) . يرتكز تقييم هذه الهيئة للجامعات على عدد الأبحاث العلمية وقيمتها البحثية والمجلات العلمية العالمية المحكمة ألتي نشرت فيها الأبحاث وعلى الموقع الإلكتروني للجامعة من حيث إحتوائه من معلومات وهندسة الموقع والسهولة للإستخدامه.

أهم تقييم عالمي للجامعات هو تقييم جامعة تشنغهاي حيث يقييم 500 جامعة من العالم سنويا” بناءْ لملف ترسله هذه الجامعات . بدأ هذا التقييم منذ العام 2003 وهو يزداد أهمية عاما” بعد عام ومعايير هذا التقييم هي : عدد أعضاء هيئة التدريس الحائزين على جائزة نوبل أو جوائز التخصصية الأخرى لأنه لا توجد جائزة نوبل لبعض الإختصصات العلمية (الرياضيات مثلا”)، عدد الأبحاث المنشورة في المجلات المعترف بها دوليا” ( متخصصة ، عالمية ، ومحكمة ) وخصوصا” نايتشر وساينس، وعدد المرات ألتي يتم فيها الإشارة المرجعية للأبحاث في المجلات العلمية العالمية المحكمة . عدد الباحثين المعروفين بأدائهم المميز . المستوى الأكاديمي للجامعة بالنسبة لحجمها . نسنتج بأن تقييم جامعة تشنغهاي ليس شاملا” فهو يرتكز في معاييره على الأبحاث العلمية .

لا أخفي في دراستي بأن تقييم جامعة تشنغهاي أثار بلبلة مما اضطر بعض الجامعات إلى الإندماج لتوحيد جهودها في البحث العلمي دون التقييم التعليمي للهيئة التدريس والتواصل مع الطلاب وإذا كان سوق العمل بحاجة لتكوينه العلمي، فلم تأخذ بها الجامعات إلا في السنوات الأخيرة .

أختم دراستي هذه بأن  على أهل أي جامعة السهر على تأمين الجزء الكبير من معايير ونظم الجودة الشاملة ويتم تنفيذها رغم الكلفة المالية ومراقبة ماتحقق خوفا” من الإنهيار. لأن المنافسة شديدة بين الجامعات من أجل  من أجل البقاء.

ولكننا نشير إلى أن ثقافة ضمان الجودة الشاملة ومراقبتها لا ينحصر فقط في الجامعات والتعليم الجامعي وانما يشمل كل القطعات الصناعية ، الزراعية ، البيئة ، التنوع البيلوجي  ، الهواء ، والماء….. إلخ.

بشكل أوضح ثقافة ضمان جودة الحياة ومراقبتها على كوكبنا .       

نود بأن نشير إلا أن بعض الباحثين في مجال الجودة وتاريخ نشأتها أوغلوا بالعودة إلى العصور القديمة وأكتشفوا أن  في شريعة حمورابي (منذ أكثر من 3000 عام وحمورابي هو سادس ملك لملكة بابل ) جاء فيها عن جودة العمل ما يلي :

الزم التاجر أن يقدم سلعة جيدة (الجودة) وإلا عليه أن يتلافى النقص الحاصل فيها ويصلح عيوبها .

إذا كان بناء” قد بنى بيتا” لرجل لم يحسن عمله بحيث إنهار البيت الذي بناه وسبب موت صاحبه فسوف يقتل البناء (العقاب القانوني لعدم الإلتزام بجودة العمل) .

                                                                             

*  العميد السابق لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية   

 

 

عن mcg

شاهد أيضاً

“المجلس الأرثوذكسي” طالب بتعديل مذكرة وزارة التربية عن عطلة الفصح

بوابة التربية: رفض “المجلس الوطني الأرثوذكسي اللبناني” في بيان، مذكرة وزارة التربية المتعلقة بعطلة الفصح …