الأحد , سبتمبر 14 2025

التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في بيئات الأزمات

 

كتبت تهاني عبد ربه العثامنة*:

يُعتبر التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية (Strategic Human Resource Planning) من الركائز الأساسية التي تضمن استمرارية أي منظمة وتحقيقها لأهدافها. لكن في بيئات الأزمات، تكتسب هذه العملية أهمية قصوى، حيث تصبح قدرة المنظمة على الصمود والبقاء مرتبطة بمرونة قواها العاملة. يمثل قطاع غزة نموذجًا فريدًا لتلك البيئات، التي تفرض تحديات مضاعفة بسبب الحصار المستمر وعدم الاستقرار السياسي. يهدف هذا المقال إلى تحليل كيفية تكييف المنظمات في غزة لاستراتيجياتها في إدارة الموارد البشرية للتغلب على هذه التحديات، وكيف تتحول إدارة الأفراد من مجرد وظيفة إدارية إلى أداة أساسية للصمود والتكيف.

التخطيط للموارد البشرية في بيئات الأزمات

يختلف التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في بيئات الأزمات بشكل جذري عن الأساليب المتبعة في البيئات المستقرة. فبدلًا من التركيز على الخطط طويلة المدى، يصبح محور الاهتمام هو المرونة الاستراتيجية (Strategic Resilience)، وهي القدرة على التكيف والتعافي السريع من الصدمات. في هذا السياق، يتجاوز دور إدارة الموارد البشرية التوظيف والتدريب ليشمل بناء ثقافة الصمود، وإدارة الأزمات النفسية، والحفاظ على الكفاءات في أصعب الظروف. يُنظر إلى الموظفين في هذه الحالة على أنهم شركاء في عملية الصمود، لا مجرد موارد.

التحديات في قطاع غزة

تفرض الظروف الاستثنائية في قطاع غزة تحديات فريدة على أي عملية تخطيط، أبرزها:

       عدم الاستقرار السياسي والأمني: يجعل من الصعب وضع خطط طويلة الأجل، ويفرض الحاجة إلى خطط طوارئ مستمرة.

       الحصار الاقتصادي: يؤدي إلى نقص حاد في الموارد المالية، مما يحد من القدرة على التوظيف، وتوفير التدريب، ودفع رواتب مجزية.

       هجرة الكفاءات: يواجه القطاع نزيفًا مستمرًا لأفضل العقول والأيدي العاملة الماهرة التي تبحث عن فرص أفضل في الخارج.

       التأثيرات النفسية: الأزمات المتكررة تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الموظفين، مما يتطلب استراتيجيات دعم نفسي إضافية.

       نقص الخدمات الأساسية: مثل الكهرباء والإنترنت، وهو ما يعيق العمليات اليومية ويؤثر على التواصل والإنتاجية.

استراتيجيات التكيف والحلول المبتكرة

في مواجهة هذه التحديات، طورت المنظمات في غزة استراتيجيات إبداعية للتكيف.

       التخطيط المرن وقصير المدى: بدلًا من الخطط الخمسية التقليدية، تعتمد المنظمات على خطط سنوية أو حتى ربع سنوية يمكن تعديلها بمرونة حسب الظروف.

       تنمية القدرات الداخلية: نظرًا لصعوبة التوظيف الخارجي والاحتفاظ بالمواهب، يتم التركيز على تدريب الموظفين الحاليين على مهارات متعددة، مما يعزز من قدرتهم على أداء مهام مختلفة والاستجابة للتغيرات.

       الاعتماد على التكنولوجيا: يتم استغلال التكنولوجيا لتمكين العمل عن بُعد، وتوفير التدريب عبر الإنترنت، والحفاظ على التواصل بين الفرق، مما يضمن استمرارية العمل حتى في أصعب الظروف.

       بناء ثقافة الصمود والدعم المتبادل: تعزز المنظمات بيئة عمل داعمة، حيث يتم تبادل الخبرات والدعم النفسي بين الموظفين، وهذا يعزز الانتماء للمنظمة ويقلل من معدل دوران الموظفين.

       التوظيف على أساس الكفاءة: يتم التركيز على اختيار الأفراد القادرين على التكيف والصمود، بدلًا من التركيز على المؤهلات التقليدية فقط.

الخاتمة والتوصيات

يُظهر واقع قطاع غزة أن التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية ليس مجرد وظيفة إدارية، بل هو أداة حيوية للصمود. فالمنظمات التي نجحت في مواجهة الأزمات هي تلك التي تبنت استراتيجيات مرنة ومبتكرة. نوصي بأن يركز الباحثون في المستقبل على دراسات الحالة التفصيلية للمنظمات الناجحة في غزة، وأن يتم إدراج إدارة الموارد البشرية في الأزمات ضمن المناهج الأكاديمية. في نهاية المطاف، الاستثمار في العنصر البشري هو الاستثمار الأهم لضمان استمرارية أي منظمة، خاصة في البيئات المليئة بالتحديات.

 

*طالبة ماجستير في الجامعة الإسلامية مهتمة ب قضايا التخطيط الاستراتيجي

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

التحليل البيئي: مدخل لفهم بيئة الأعمال وصياغة الاستراتيجيات

  كتبت سهيلة خالد يحيى أبو زايد*: في عالم يتسم بالتغير السريع والتنافسية العالية، أصبح …