كتبت أمال عبد الحكيم النجار*:
أصبح موضوع الجودة في التعليم من المواضيع الأساسية في أي نقاش حول تطوير المدارس، وأنا شخصيًا أرى أن المدرسة لم تعد مكانًا لتلقين المعلومات فقط، بل أصبحت مؤسسة تصنع الإنسان قبل أن تخرّج المتفوقين. الجودة في هذا السياق لا تعني فقط وجود مبانٍ جميلة أو أجهزة حديثة، بل تعني وجود نظام تعليمي متماسك يراعي الفروق الفردية، ويشجّع على التفكير، ويهيئ الطالب لحياة منتجة وفعالة. من خلال دراستي واطلاعي، أؤمن أن الجودة هي الإطار الذي يحوّل التعليم من وظيفة روتينية إلى تجربة إنسانية عميقة.
ما معنى الجودة في المدرسة؟
عندما نتحدث عن الجودة في التعليم، فإننا نقصد وجود معايير واضحة تضمن أن كل ما تقدمه المدرسة يخدم نمو الطالب من جميع الجوانب. يشمل ذلك طريقة التدريس، تفاعل المعلمين، بيئة الصف، دعم الطالب، وتطوير مهاراته الحياتية. من وجهة نظري كطالب، الجودة تظهر حين أشعر أن رأيي مسموع، وأن هناك من يقيّمني بعدل، وأن المناهج تُدرّس بأسلوب يشجع على الفهم لا الحفظ فقط. العلم يقول إن جودة التعليم تُقاس بأثره، وأنا أرى أن الأثر يظهر حين يتغيّر سلوك الطالب إلى الأفضل، لا فقط عندما يحصل على درجات.
الاعتماد المدرسي: ما هو ولماذا هو مهم؟
الاعتماد المدرسي هو اعتراف رسمي بأن المدرسة تلتزم بمعايير جودة معترف بها، ويتم منحه بعد تقييم شامل للمدرسة من جهة محايدة. شخصيًا، أرى أن الاعتماد يشبه شهادة الثقة التي نحصل عليها عندما نبذل جهدًا ونُقيَّم عليه بإنصاف. على المستوى العلمي، الاعتماد يعني أن المدرسة تتبع نظامًا منظمًا وتحاول باستمرار أن تحسّن من أدائها. ومن تجربتي، المدارس التي تدخل في عملية الاعتماد غالبًا تصبح أكثر اهتمامًا بتفاصيل العملية التعليمية، ويشعر الطلاب فيها أن هناك متابعة فعلية وحرص حقيقي على تطويرهم.
كيف ترتبط الجودة بالاعتماد؟
الجودة والاعتماد متلازمان، فلا يمكن أن تحصل مدرسة على اعتماد حقيقي ما لم تكن تطبق الجودة بمفهومها العملي الشامل. كطالب، لاحظت أن بعض المدارس تسعى للحصول على اعتماد شكلي فقط، دون تغيير حقيقي في أدائها، وهذا يجعل الاعتماد بلا معنى. لكن حين تكون الجودة أسلوب حياة داخل المدرسة، فإن الاعتماد يأتي كحصيلة طبيعية. علميًا، الجودة تُعتبر الأساس، والاعتماد هو التتويج الذي يؤكد أن المدرسة تمشي في الاتجاه الصحيح. ومن تجربتي الشخصية، كلما كانت الجودة فعلًا موجودة في تفاصيل اليوم الدراسي، كلما كان الاعتماد انعكاسًا واقعيًا لذلك، وليس مجرد شهادة تُعلّق على الحائط.
كيف نحقق الجودة في المدرسة فعلًا؟
تتحقق الجودة عندما تكون هناك خطة واضحة تُنفذ فعليًا، وليست حبرًا على ورق. المدارس التي تعقد اجتماعات دورية لتقييم أدائها، وتقدّم تدريبات مستمرة للمعلمين، وتفتح المجال للطلاب للمشاركة في الأنشطة والقرارات، هي مدارس تعيش الجودة ولا تدّعيها. أنا كطالب أشعر بالفارق بين مدرسة تنفذ الأمور لأن “الوزارة طلبت”، وبين مدرسة تنفذ لأنها تؤمن فعلاً بأهمية التطوير. من الناحية العلمية، الجودة تعتمد على عناصر مثل التخطيط، التقييم الذاتي، التحسين المستمر، وقياس الأداء. ومن واقع تجربتي، الجودة الحقيقية تظهر عندما تتعامل الإدارة مع المدرسة كمجتمع تعلّمي، لا كمؤسسة تؤدي واجبًا روتينيًا.
ما الذي يجعل الجودة والاعتماد أمرًا حيويًا لمستقبلنا؟
في زمن تتسارع فيه المعرفة وتتغير فيه المهارات المطلوبة لسوق العمل، لا يمكن أن نستمر في التعليم بنفس الأساليب القديمة. الجودة والاعتماد يوفران إطارًا يجعل المدرسة أكثر جاهزية لهذا المستقبل. وأنا أؤمن أن الطالب في بيئة تعليمية جيدة يشعر بثقة أكبر في نفسه، ويصبح أكثر إبداعًا وتعاونًا. الدراسات تقول إن المؤسسات التعليمية التي تطبق الجودة تُخرج طلابًا أكثر قدرة على التفكير النقدي والتواصل. وبصراحة، هذه هي المهارات التي نحتاجها فعلًا في الحياة، وليس فقط الحفظ أو الامتحانات.
ختامًا
الجودة والاعتماد المدرسي ليسا هدفًا نحققه مرة واحدة، بل هما عملية مستمرة تبدأ من داخل المدرسة وتنعكس على المجتمع كله. من وجهة نظري كطالب جامعي، أرى أن بناء ثقافة الجودة يحتاج إلى وعي، التزام، وتعاون بين الجميع: الإدارة، المعلمين، الطلاب، وحتى أولياء الأمور. وإذا أردنا أن ننتقل بتعليمنا من مرحلة التلقين إلى مرحلة التمكين، فإن الجودة والاعتماد هما الطريق الآمن لذلك.
*طالبة ماجستير