كتبت ولاء جميل سعيد قشطة*
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، وتزايد الاهتمام بتجويد مخرجات التعليم، برزت مفاهيم جديدة تهدف إلى تحسين مستوى الأداء التعليمي، ومن أهمها مفهوم الجودة الشاملة والاعتماد المدرسي. إن المؤسسات التعليمية لم تعد تُقاس بكثرة عدد طلابها أو اتساع مبانيها فحسب، بل بجودة التعليم الذي تقدمه، ومدى التزامها بالمعايير التربوية والمهنية المعترف بها. ويأتي هذا المقال ليسلط الضوء على مفهومي الجودة والاعتماد في التعليم المدرسي، ويوضح أهميتهما، وتطبيقاتهما، والتحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية في هذا المجال، مع تقديم مقترحات عملية لتحسين الأداء وضمان الجودة.
أولاً: مفهوم الجودة في التعليم
الجودة في التعليم تعني تحقيق الأهداف التعليمية بكفاءة وفاعلية، وتلبية توقعات المستفيدين، سواء كانوا طلابًا، أولياء أمور، أو جهات إشرافية. وتُعرف بأنها: “الوفاء بمتطلبات المتعلمين والمجتمع، وتحقيق نتائج تعليمية تتماشى مع المعايير العالمية والمحلية”.
ولا تقتصر الجودة على المحتوى الأكاديمي، بل تشمل كافة عناصر المنظومة التعليمية، مثل البيئة المدرسية، كفاءة المعلمين، نوعية الوسائل التعليمية، وأساليب التقييم. ومن مبادئ الجودة في التعليم:
- التركيز على المتعلم: بجعل احتياجاته محورًا للعملية التعليمية.
- التحسين المستمر: من خلال المراجعة الدائمة للأداء.
- العمل الجماعي: بمشاركة جميع أفراد المدرسة.
- الاعتماد على البيانات: لاتخاذ قرارات تربوية دقيقة.
ثانياً: الاعتماد المدرسي
الاعتماد المدرسي هو عملية تقييم خارجي تجريها جهة مختصة ومحايدة، تهدف إلى التأكد من استيفاء المدرسة لمجموعة من المعايير التربوية والإدارية المحددة مسبقًا. ويمثل الاعتماد شهادة رسمية بجودة المؤسسة التعليمية، ويسهم في رفع مكانتها وثقة المجتمع بها.
تنبع أهمية الاعتماد من كونه يضع المدرسة على طريق التحسين المستمر، ويحفزها على الالتزام بالمعايير، ويوفر تغذية راجعة موضوعية تسهم في التطوير. كما أنه يعزز المساءلة ويجعل الإدارة التعليمية أكثر شفافية.
من أشهر الجهات التي تمنح الاعتماد التربوي حول العالم:
- الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة في فلسطين.
- هيئة ضمان الجودة البريطانية (Ofsted).
- هيئة AdvancED الأمريكية.
ثالثاً: معايير الاعتماد المدرسي
تختلف المعايير من جهة لأخرى، لكنها تشترك في محاور أساسية تشمل:
- الرؤية والرسالة والقيم: وضوحها وواقعيتها.
- الحوكمة والإدارة: كفاءة القيادة المدرسية وقدرتها على اتخاذ القرار.
- المعلمون والتطوير المهني: مدى توفر المعلمين المؤهلين وتدريبهم المستمر.
- المنهاج وأساليب التعليم: حداثته وتنوع أساليب تقديمه.
- البيئة المدرسية: توفر بيئة آمنة ومحفزة للتعلم.
- التقويم والتحسين المستمر: وجود نظام متابعة وتقييم دوري.
- علاقة المدرسة بالمجتمع المحلي: مدى إشراك أولياء الأمور في العملية التربوية.
رابعاً: أهمية تطبيق الجودة والاعتماد في التعليم المدرسي
- تحسين التحصيل الأكاديمي: حيث تؤدي الجودة إلى رفع كفاءة التعليم.
- رفع كفاءة المعلمين: من خلال التدريب والدعم المستمر.
- تحسين بيئة التعلم: مما يزيد من دافعية الطلبة وانتمائهم للمدرسة.
- تعزيز ثقة أولياء الأمور: بما تقدمه المدرسة من تعليم فعّال.
- تسهيل فرص التطوير المستقبلي: بفضل توفر بيانات دقيقة عن الأداء.
خامساً: واقع الجودة والاعتماد في فلسطين
تسعى وزارة التربية والتعليم في فلسطين، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة، إلى نشر ثقافة الجودة في المدارس الحكومية والخاصة. وقد تم إعداد دليل معايير الجودة التربوية، وتدريب العديد من الكوادر التربوية على مفاهيم الجودة.
ورغم التحديات، مثل قلة الإمكانات وضعف البنية التحتية في بعض المدارس، إلا أن هناك نماذج ناجحة استطاعت أن تطبق الجودة وتحصل على الاعتماد، مما شكل حافزًا لباقي المؤسسات للاقتداء بها.
سادساً: التحديات التي تواجه الجودة والاعتماد
- ضعف ثقافة الجودة لدى بعض العاملين في الميدان التربوي.
- نقص التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية والتجهيزات.
- ضعف التقييم الذاتي المؤسسي وعدم توظيف نتائجه بشكل فعّال.
- محدودية مشاركة أولياء الأمور في صنع القرار المدرسي.
- عدم استقرار السياسات التعليمية بسبب الأوضاع السياسية.
سابعاً: مقترحات لتعزيز الجودة والاعتماد
- نشر الوعي بثقافة الجودة من خلال الورش واللقاءات التربوية.
- ربط الترقيات والتعيينات بمعايير الجودة.
- توفير الدعم الفني والإداري للمدارس أثناء استعدادها للاعتماد.
- تعزيز دور المجتمع المحلي في دعم المدارس ماديًا ومعنويًا.
- تحفيز المدارس المتميزة بمكافآت معنوية أو مادية.
الخاتمة
إن تطبيق الجودة والاعتماد المدرسي هو خطوة ضرورية لإصلاح التعليم وتطويره. فبناء مجتمع المعرفة لا يتحقق إلا من خلال مدارس ذات جودة عالية، قادرة على تأهيل جيل مبدع، واعٍ، ومنتج. ويتطلب ذلك تعاونًا صادقًا بين جميع مكونات المجتمع التربوي، بدءًا من الوزارة، وانتهاءً بالمعلم داخل الصف، مرورًا بالإدارة المدرسية والمجتمع المحلي. فالجودة ليست هدفًا يُحقَق لمرة واحدة، بل هي رحلة مستمرة نحو التميز.
*طالبة ماجستير