كتبت إسراء عامر جبر*:
تعد ثقافة الجودة من المفاهيم المحورية في تطوير المؤسسات التعليمية، حيث أصبحت أداة إستراتيجية لضمان التميز الأكاديمي والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة. إن تبني ثقافة الجودة لا يقتصر على تطبيق معايير ومقاييس معينة، بل يشمل تبني فلسفة مؤسسية تُعزز من الالتزام بالقيم المهنية، والعمل الجماعي، والتحسين المستمر. ومن هنا، تبرز أهمية دراسة ثقافة الجودة كركيزة لتحسين الأداء الأكاديمي وتحقيق التنافسية في مؤسسات التعليم.
أولاً: مفهوم ثقافة الجودة
تشير ثقافة الجودة إلى مجموعة من القيم والمعتقدات والسلوكيات التي تتبناها المؤسسة وتنعكس على ممارسات العاملين فيها بما يخدم تحقيق الجودة الشاملة (Alharbi, 2020). وترتبط هذه الثقافة بالوعي العام بأهمية الجودة والالتزام بها من قبل جميع أفراد المؤسسة، من الإدارة العليا إلى العاملين الميدانيين، بحيث تصبح الجودة جزءاً من التفكير المؤسسي اليومي.
وقد عرّف اليحيى (2019) ثقافة الجودة بأنها “تلك القيم والممارسات التي تُعزز من فاعلية الأداء المؤسسي وتدعم استمرارية التحسين، مما يخلق بيئة تعليمية محفزة على التميز والإبداع”.
ثانياً: خصائص ثقافة الجودة في المؤسسات التعليمية
تتميز ثقافة الجودة بعدة خصائص تجعلها عنصراً أساسياً في بناء مؤسسة تعليمية ناجحة، ومن أبرزها:
- التركيز على الطالب: حيث تُبنى السياسات التعليمية لتلبية احتياجات المتعلمين وضمان تحقيق مخرجات تعليمية عالية الجودة.
- القيادة الداعمة: تلعب القيادة التربوية دوراً محورياً في ترسيخ قيم الجودة وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة (Sallis, 2014).
- الشفافية والمساءلة: تتطلب ثقافة الجودة نظاماً واضحاً للمساءلة والمراجعة الذاتية، مما يسهم في تعزيز الثقة داخل المؤسسة.
- التحسين المستمر: تعتمد ثقافة الجودة على دورة مستمرة من التخطيط، والتنفيذ، والتقويم، والتطوير (Deming Cycle: Plan-Do-Check-Act).
ثالثاً: أهمية ثقافة الجودة في تطوير التعليم
تسهم ثقافة الجودة في إحداث نقلة نوعية في التعليم، حيث تعزز من فاعلية البرامج الأكاديمية، وترتقي بالأداء المؤسسي، وتدعم البحث العلمي. كما تُسهم في خلق بيئة تعليمية محفزة للابتكار وتبادل الخبرات، مما يعزز من مكانة المؤسسة في التصنيفات المحلية والعالمية (Srikanthan & Dalrymple, 2007).
في السياق العربي، تؤكد دراسات مثل دراسة الفهيد (2021) على أن ترسيخ ثقافة الجودة يُعد مدخلاً ضرورياً لتحقيق الاعتماد الأكاديمي وضمان مخرجات تعليمية متوائمة مع سوق العمل.
رابعاً: تحديات تطبيق ثقافة الجودة
رغم أهمية ثقافة الجودة، إلا أن تطبيقها في المؤسسات التعليمية يواجه عدة تحديات، أبرزها:
- المقاومة للتغيير: بعض العاملين قد لا يتقبلون المفاهيم الجديدة للجودة نتيجة ضعف الوعي أو الخوف من المساءلة.
- ضعف التدريب والتأهيل: عدم وجود برامج كافية لتدريب الموظفين على مفاهيم ومهارات الجودة يُضعف من فاعلية تطبيقها.
- غياب الدعم المؤسسي: ضعف الالتزام من قبل الإدارة العليا قد يعيق جهود التحسين والتطوير المستمر.
خامساً: سُبل تعزيز ثقافة الجودة
لتعزيز ثقافة الجودة في المؤسسات التعليمية، يُقترح ما يلي:
- تبني قيادة تحفيزية تشاركية تعزز من روح الانتماء والعمل الجماعي.
- تصميم برامج تدريبية مستمرة تُعزز من وعي العاملين بالجودة ومهاراتهم في تطبيقها.
- ربط الجودة بالتقييم المؤسسي بحيث تصبح جزءاً من الأداء الوظيفي والتقويم الأكاديمي.
- تشجيع الابتكار والممارسات الناجحة من خلال تبادل التجارب وتحفيز روح المبادرة.
خاتمة
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن ثقافة الجودة ليست خياراً بل ضرورة إستراتيجية لمؤسسات التعليم المعاصرة. وإن نجاح أي مؤسسة في تحقيق التميز الأكاديمي وتلبية متطلبات الاعتماد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى تمكنها من ترسيخ ثقافة الجودة كنهج يومي في التفكير والممارسة. ومن هنا، تُعد هذه الثقافة ركيزة رئيسة لتحقيق التحسين المستدام وتعزيز الثقة المجتمعية بمؤسسات التعليم.
* ماجستير أصول التربية
المراجع
- Alharbi, F. (2020). Quality culture in higher education institutions: A conceptual framework and implementation challenges. Journal of Educational Administration, 58(3), 295-312.
- اليحيى، عبد العزيز. (2019). ثقافة الجودة في المؤسسات التعليمية: المفهوم والمكونات. المجلة العربية لضمان جودة التعليم الجامعي، 12(4)، 45-67.
- Sallis, E. (2014). Total Quality Management in Education (3rd ed.). Routledge.
- Srikanthan, G., & Dalrymple, J. (2007). A conceptual overview of a holistic model for quality in higher education. International Journal of Educational Management, 21(3), 173-193.
- الفهيد، سارة. (2021). تحديات تطبيق ثقافة الجودة في الجامعات العربية. المجلة السعودية للتعليم العالي، 9(1)، 88-107.