بوابة التربية- نادين خزعل:
وسط أجواء استثنائية، انطلقت اليوم في ضاحية بيروت الجنوبية فعاليات الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة، في يوم امتزجت فيه إرادة الطلاب بالأمل، وتحليق الطائرات المعادية الإسرائيلية بالسماء، في مشهد يلخص واقع الصمود في وجه التحديات الأمنية والنفسية.
فمنذ ساعات الصباح الأولى، خيّم صوت المسيّرات المعادية فوق مراكز الامتحانات، التي تقع في أحياء لا تزال تحيط بها مشاهد الدمار جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير. ورغم ذلك، كانت القاعات تنبض بالحياة والهدوء والتركيز، وعبّر معظم الطلاب عن ارتياحهم لمستوى الأسئلة التي وصفوها بـ”السلسة والمتوقعة”، مؤكدين أنها جاءت من صلب المنهج الدراسي، وسط إشراف تربوي وتنظيم لوجستي محكم، وغياب تام لأي خروقات تُذكر مع التذمر من توزيع طلاب المدرسة الواحدة على عدة مراكز بعيدة نسبيًا عن النطاق الجغرافي القريب للمدرسة.
على باب أحد المراكز، لم يكن المشهد أقلّ تعبيرًا. جلست أم علي، والدة إحدى الطالبات، تحت الشمس ساعات طويلة، تنتظر ابنتها بفارغ الصبر. قالت بصوت مرتجف:
“ابنتي تعاني من فوبيا بسبب صوت المسيّرات… لا أستطيع أن أتركها وحدها. كان يمكنني أن أنتظرها في المنزل، لكن قلبي لا يطاوعني. هي تكتب الآن، وأنا أصلي لها ولجميع أولادنا.”
في زاوية أخرى، وقف أبو حسن، رجل خمسيني، بهدوء وقوّة نادرة. حين سألناه عن ابنه، أجاب: “اليوم، ولدي يقدّم الامتحانات. استشهد ثلاثة من أولادي وزوجتي في العدوان الأخير… لكنني أصرّ أن يبقى من بقي واقفاً. ابني يكتب اليوم اسمه على لائحة الأمل، ونجاحه هو سلاحنا في وجه هذا العدو.”
داخل القاعات، كان التلامذة يحاولون التركيز وسط التوتر الأمني الخارجي.
حسين خرج باكرًا من المركز: “لم أعد أستطيع التركيز بسبب أزيز المسيرة. كنا نتمنى أن يقوم أحد من وزارة التربية بزيارتنا، ليلامسوا هواجسنا ونأمل أن يُسمع صوتنا.”
اذًا، هكذا بدأت الامتحانات الرسمية في الضاحية الجنوبية، لا كاختبار أكاديمي فحسب، بل كملحمة يومية من الصبر والإرادة. تحت أزيز الطائرات وأمام الركام، يثبت الطلاب والأهالي كما إدارات المدارس والأساتذة، أنهم أبناء هذه الأرض، وأنّهم لن يكتبوا في دفاترهم سوى النجاح، رغم كل شيء.