بوابة التربية: زار وفد من نقابة المعلمين في المدارس الخاصة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في القصر الجمهوري، والقى النقيب نعمه محفوض كلمة، أمام رئيس الجمهورية، طالب فيها، بدعمِ المعلّمين في جميع القطاعاتِ الرسميّةِ والخاصّة، وبإعادةِ الأموالِ من المصارفِ إلى صندوقِ التّعويضات، وإصدارِ مرسومِ مجلسِ إدارتِه الجديد، وإيجادِ حلٍّ جذريٍّ لرواتبِ الأساتذةِ المتقاعِدين، ثمّ العمل بعدَها على إقرارِ سلسلةِ رتبٍ ورواتب، وجاء في كلمة محفوض:
كلمة النقيب نعمه محفوض
فخامة الرئيس،
نأتي إليكم اليومَ باسمِ نقابة المعلّمين في لبنان، لنهنِئَ أنفسَنا بانتخابِكم على رأسِ الجمهوريّة اللبنانيّة، بعد نجاحِكم في قيادةِ الجيش، بتخطّي جميعِ الأزماتِ التي عصفَتْ بالوطنِ في السنواتِ الخمسِ الماضية، وهي السنواتُ الأصعب في تاريخِ لبنانَ المعاصر.
وللمرّةِ الأولى، منذُ الطائف، يأتي خِطابُ القسمِ على قدْرِ الآمالِ والطموحات، والأهمّ أنّكم الرئيسُ الأوّل الذي يذكرُ التربيةَ في هذا الخِطاب، متعهِّدًا منذ اللحظةِ الأولى بالاستثمارِ في العلمِ ثم العلمِ ثم العلم، وفي المدرسةِ الرسميّةِ والجامعةِ اللبنانيّة، وفي الحفاظِ على التّعليمِ الخاصّ وحريّتِه. وهذه نقطةٌ مركزيّةٌ استمعَ إليها اللبنانيون باهتمامٍ بالغ!
قبل الغوصِ في الكلامِ على هذه النقطةِ بالتحديد، يهمُّنا كمواطنين أولا أن نعلنَ أمامَكم أنّنا ننتظرُ من الدولةِ ومؤسّسِاتها في عهدِكم، أن تستعيدَ هيبتَها الكاملة، عبرَ جميعِ الأجهزةِ الرسميّة، بدءًا بالقضاءِ النزيهِ والفاعل، وهو عصبُ الدولةِ وقوّتُها، فلا يبقى قانونٌ من دون مراسيمِه التطبيقيّة، ولا يبقى قانونٌ ولا مراسيمُ من دون تطبيق، والأهمّ ألا يبقى مخالفٌ أو مرتكب من دونِ حساب، وأن نخرجَ من دائرةِ المحاصصةِ والمحسوبيّاتِ، بالفعلِ لا بالقول، وأن يتوحَّدَ الجميعُ حولَ الدستور، باحترامٍ كاملٍ لبنودِهِ، وبنزاهةٍ فعليّة، وأن يحصلَ المواطنُ على حقوقِهِ بالقانون، من دون أن يشعرَ بالظلمِ والذلِّ والمهانة! وللأمانة فخامة الرئيس، كلّ هذا لم يكن مطبّقًا وكنّا نشعرُ بظلمٍ كبير!! وبمعنى أدقّ كنا نشعر أننا في ملكيّةٍ خاصّةٍ لبعض الأحزابِ والنافذين و”المنتفخين قوّةً”، ومن دونِ أيّ احترامٍ لحقوقِ المواطن ورأيِهِ وعلى المستويات كافة!!! وهذا ما نأملُ أن يتوقّفَ في عهدِكم وأن تبسطَ الدولةُ قوّتَها وهيبتَها على كاملِ ترابِ الوطن وبقوّةِ الدستورِ والقانون، لكي يلمسَ الجيلُ الجديد ويقتنعَ أنّ مستقبلَهُ آمنٌ في هذا الوطن، وأنّ ما ينشأ عليه في المدرسةِ من قيمٍ ومبادئ، سيجدُهُ في الواقع بالممارسةِ والتّطبيق!!!
أما في الشؤونِ التربويّةِ والنقابيّة، فتعلمون كما يعلمُ الجميع، حجمَ التضحياتِ المعيشيّةِ والنفسيّةِ التي قدَّمَها المعلّمُ منذ نهايةِ عام 2019، وعلى نحوٍ مرهِقٍ ومؤلِمٍ وموجِعٍ، ومع ذلك، كان همُّهُ الأوّل والأخير تأمينَ التّعليمِ لطلابِه في المدرسة الخاصّة. لقد كنّا نئنُّ بصمتٍ فخامةَ الرئيس، لكنْ بكرامة، لأنّنا كنّا نعلمُ أنّ المسؤوليّةَ الملقاةَ على عاتقِنا في خدمةِ الوطنِ وطلابِهِ كبيرةٌ جدًا، ولا يمكنُ أن نتراجعَ قيدَ أنملةِ عن تأمينِها والالتزامِ بها، لأنّ ذلك كان سيعني سقوطَ المدماكِ الأخيرِ في لبنان، ونعني به مدماكَ التربيةِ والتعليم.
فصبَرنا وتخطّينا الصعوباتِ بإيمانٍ كبير، سواءٌ في زمنِ كورونا عبرَ التعليمِ من بعد، أو في زمنِ الكارثةِ الكبرى بعدَ انفجارِ الرابع من آب، أو في زمنِ العدوانِ الإسرائيلي الأخير وغير المسبوق في وحشيّتِهِ على لبنان، والذي خسرْنا من جرّائِهِ زميلاتٍ وزملاءَ أعزاء نرفعُهُم اليومَ شهداءَ على مذبحِ الوطن. والأهمّ أنّنا خضْنا هذه الكوارثَ وسْطَ انهيارٍ ماليٍّ لم يوفّر رواتبَنا التي أصبحتْ في الحضيض، ولا تعويضاتِنا، ولا أموالَنا في صندوقِ التعويضات، والتي تبخّرتْ في حساباتِ المصارف، ولا رواتبَ الأساتذةِ الذين كان يُفترَضُ أن يستفيدوا من معاشاتِهم التقاعديّةِ بعد أربعينَ سنةً في هذه الرسالة، فإذا بها تتحوّلُ إلى رواتبَ شبهِ مجانيّةٍ لا تليقُ بالوطن ولا بمسؤوليه.
فخامةَ الرئيس،
نحن في بدايةِ عهدٍ جديدٍ نريدُ له جميعًا أن يكونَ عهدًا ناجحًا، يعيدُ إلى المواطن ثقتَهُ بهذا الوطن، وهذا لا يتحقّقُ إلا من خلالِ الاهتمامِ بقطاعِ التربيةِ والتعليم، والانطلاقةُ برأينا تكونُ، أولا في التربيةِ، بإطلاقِ خطةٍ جِديّةٍ لتغييرِ المناهجِ التعليميّة، والاهتمامِ بالشهادةِ الرسميّةِ في المرحلتَين المتوسّطة والثانويّة مع التركيزِ على عدمِ إلغاءِ الشهادةِ المتوسّطةِ من دونِ إيجادِ بدائلَ جِديّةٍ في التقييم، وألا يتحوّلَ الاستثناءُ هذا العام إلى قاعدة، إلى جانبِ مواكبةِ عصرِ التكنولوجيا والذكاءِ الاصطناعيّ، وثانيًا في الناحية المعيشيّة، بدعمِ المعلّمين في جميع القطاعاتِ الرسميّةِ والخاصّة من خلالِ إعادةِ الاعتبارِ إلى رواتِبِهم العام المقبل على نحوٍ كاملٍ، وبقيمتِها الفعليّة، كما وبإعادةِ الأموالِ من المصارفِ إلى صندوقِ التّعويضات، وإصدارِ مرسومِ مجلسِ إدارتِه الجديد، بالإضافةِ إلى إيجادِ حلٍّ جذريٍّ لرواتبِ الأساتذةِ المتقاعِدين، ثمّ العمل بعدَها على إقرارِ سلسلةِ رتبٍ ورواتب تتماشى مع مؤشّراتِ التضخّمِ والمتغيّراتِ الاقتصاديّةِ والماليّة، ونحن من جهتِنا جاهزون لخوضِ غمارِ النّضالِ إلى جانبِكم، من أجلِ تحقيقِ هذه الأهداف، وبما يعطي المعلّمَ الأملَ بمستقبلٍ أفضل، يخرجُ فيه الوطنُ إلى برِّ الأمان.
معكم سنعيدُ الاعتبارَ إلى هذه المهنةِ الرسالة. معكم نستطيعُ أن نعيدَ لبنانَ إلى عصرِهِ الذهبيّ، منارةً حقيقيّةً للتربيةِ والتعليمِ في هذا الشرق.