كتب- إبراهيم الهوبي* :
يشهد العصر الحالي تحولات سريعة تتطلب إعادة تقييم مستمرة للممارسات التعليمية التقليدية، لا سيما في ظل تنامي الحاجة إلى إعداد متعلمين قادرين على التكيف والابتكار، ولذلك نودي بـ “التعلُّم الممتع” كموجّهٍ تربويٍ يخلق بيئة تعليميةً جديدة مِلؤها الإثارة والتشويق بما يحاكي واقعهم؛ فالطالب لا يُلقَّن بل يجني ثمار المعرفة بيدي مغامر مشغوفٍ بتجارب علمية مرموقة تعلم الطلبة التكيّف والابتكار.
ويعرّف التعلم الممتع بأنه اكتساب التلميذ المعارف والمهارات والاتجاهات بالطرق التي تحقق المتعة والتشويق، والسعادة، وزيادة الدافعية ، ويتسم بفاعلية ومشاركة التلميذ وزيادة انتباهه وتعزيز الجوانب الوجدانية في التعلم مما يؤثر إيجابياً في اكتساب الخبرات وجوانب النمو الوجداني للتلميذ (أبو زيد، 2019، 734)
ينظر للتعلم الممتع على أنه ليس فقط تعلماً بالفكاهة والمرح لكنه أشمل من ذلك ، فهو مبني على أساس أنه لا يوجد شخص سمعي، ولا حركي، ولا بصري بنسبة 100 % ، بل إن الفرد الواحد يجمع بين كل هذه الحواس لكن بدرجات متفاوتة، وكلما كان التعلم مشبعاً لكل تلك الحواس كلما كان أكثر جاذبية وتشويق، وهذا ما أكدته النظرية الترابطية، والنظرية السلوكية، والنظرية البنائية ، فمتعة التعليم لها تأثير إيجابي على مستويات التحفيز والدافعية ، وتحديد ما نتعلمه ومقدار ما نحتفظ به، والتعليم بالمتعة ليس حدثا لمرة واحدة، وإنما يتطلب التكرار ليكون التعلم ذا معنى؛ فإذا كانت الخبرات التعليمية ممتعة، زاد إقبال المتعلمون على تعلمها، ويطمحون في مزيد من هذه الخبرات ؛ وذلك يؤدي إلى تنمية دافعية المتعلم نحو تعلم المواد الدراسية المختلفة في البيئات التعليمية المختلفة . (البركاني ، 2018، 480)
يُعدّ التعلم الممتع أداة تربوية بالغة الأهمية؛ فهو يسهم في تنمية شخصية الفرد وسلوكه من خلال تفاعله مع بيئته المحيطة. ولا يقتصر دوره على ذلك، بل يتجاوزه ليكون وسيلة تعليمية فعالة تعتمد على استخدام مختلف الوسائل الحسية والحركية والبصرية التي تُساعد على ترسيخ المعلومات وتثبيتها. كما أن للتعلم الممتع أبعادًا علاجية؛ فهو قادر على معالجة بعض المشكلات السلوكية التي قد يواجهها التلاميذ، كالانعزال الاجتماعي، عبر توفير بيئة جاذبة للتفاعل. إضافة إلى ما سبق، يُشكل التعلم الممتع أداة تعبيرية تُمكّن الطلاب من التعبير عن آرائهم وانفعالاتهم المختلفة بحرية ضمن البيئة المدرسية. وأخيرًا، يُعدّ التعلم الممتع وسيلة لاكتشاف الميول والقدرات الفردية للطلاب، مما يُسهم في مراعاة الفروق الفردية بينهم
وتجلّى العصر الرقمي متسارع التقدم بأعظم ما صنعته أيدي البشرية “الذكاء الصناعي AI”؛ ففي المجال التعليمي الحديث هذا الذكاء لا يسهّل العملية التعليمية الحديثة فقط بل يتجاوزها إلى تقديم أساليب ووسائل تعليمية بأبهى الحلل؛ بحيث تكون أكثر فاعليةً وتمايزًا في اقتناص الأهداف المخصصة بدهاء؛ كلٌّ بما يناسب قدرته وأداءه وتخصصه؛ وذلك ضمن قالب التعلم الممتع الذي يحفز الدافعية وينمي التجربة المعرفية منطلقًا من التلقين إلى ممتع التعليم، الذي يستقطب أذهان الطلاب إلى بيئة تعليم جذابة خلّاقةٍ بالنمو الإبداعي؛ فكان لدينا التعلم باللعب، والمسابقات، والرسوم، والقصص، والفيديوهات والأنشطة التفاعلية، وغير ذلك الكثير.
طرق التعلم الممتع وأبرز أدوات الذكاء الاصطناعي الداعمة لها
التعلم بالألعاب
يخصص الذكاء الصناعي في طريقة التعلم باللعب مستويات الصعوبة والسهولة، كالتحديات والمكافآت بحسب ما يقدمه المتعلم من أداء، ومن أشهر أدوات الذكاء في هذا المجال : Kahoot, quizalize
التعلم بالقصص
تعدّ أداتا Twine وmagic light من أكثر أدوات الذكاء شهرةً؛ إذ لها القدرة على منح المتعلمين التعلم بقصص شيقة أبطالها شخصيات تتلاءم وخيارات المتعلم
الفيديوهات التفاعلية
للذكاء القدرة على تغيير نمط الفيديوهات الراكدة إلى أخرى تفاعية نشطة كأن يرفق الأسئلة أو يعدد مشاهد متفرعة، ومنه في هذا النوع : أداة Edpuzzle
أنشطة التفاعل
يوفر الذكاء الصناعي أدوات رئيسة مثل CoSpaces Edu تدعم الأنشطة التفاعلية في الواقع المعزز والافتراضي كبيئات المحاكاة الواقعية
الرسوم
يعمل الذكاء الصناعي على تقديم صورة واضحة لمعقدات المفاهيم، عبر توليد الصور والرسوم البيانية والرسوم المتحركة كأدوات Midjourney
المسابقات
إن مبدأ الذكاء الصناعي في تحقيق التكافؤ والعدالة بتوزيع الأسئلة التي تتناسب مع مستويات المتعلمين، يسهم في تعزيز المسابقات وتأكيد الغرض الحقيقي منها، مثلها من الأدوات : Quizizz
وفي الختام، يتضح أن التعلم الممتع ليس مجرد ترفيه إضافي، بل هو حجر الزاوية في بناء تجارب تعليمية فعّالة ومستدامة. إن إضفاء المتعة على عملية التعلم يعزز بشكل كبير قدرة المتعلمين على الاحتفاظ بالمعلومات، ويُنمّي لديهم مهارات التفكير العليا، ويُطلق العنان لإبداعهم. في عصر يتسم بالتشتت وفقدان الاهتمام في البيئات التعليمية التقليدية، يصبح تبني هذا المفهوم ضرورة ملحة. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي (AI) كشريك استراتيجي، فهو لا يقتصر على تلبية هذه الحاجة فحسب، بل يوفر أدوات وتقنيات غير مسبوقة لتحويل التعلم إلى رحلة شخصية، تفاعلية، وغنية بالمتعة، مما يضمن إعداد جيل من المتعلمين أكثر انخراطًا وكفاءة للمستقبل فالأطفال ليسوا أوعية يجب ملؤها، بل نيران يجب إشعالها.
المراجع
أبو زيد، صلاح. (2019). فاعلية استخدام بعض استراتيجيات التعلم الممتع في تدريس الدراسات الاجتماعية لتنمية بعض المفاهيم الجغرافية والحس الفكاهي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية. مجلة دراسات تربوية واجتماعية، 25(مايو)
البركاني، نيفين. (2018). برنامج تدريبي مقترح قائم على استراتيجيات التعلم الممتع لمعلمات الرياضيات بالمرحلة الابتدائية بمدينة مكة المكرمة في ضوء واقع احتياجاتهن التدريبية. مجلة كلية التربية جامعة الأزهر، 2(177)
*طالب ماستر مناهج وطرق تدريس
https://drive.google.com/file/d/1rLwaLl3b61fmLgJlzBTFXUvDgWj3FHey/view?usp=drive_link