بوابة التربية: نظمت جمعية المبرّات الخيرية اليوم الرئيسي للمؤتمر التربوي الرابع والثلاثين “التوازن بين الريادة في التربية والتعليم وإدارة الأزمات” الذي انعقد في قاعة السيدة الزهراء بمجمع الإمامين الحسنين في حارة حريك، برعاية وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي، وحضور المدير العام للمبرّات الدكتور محمد باقر فضل الله، إلى جانب نخبة من مديري المؤسسات التربوية، والفعاليات الحزبية، والنقابية، والثقافية، والدينية، ومديري مؤسسات جمعية المبرّات الخيرية، ومديري الدوائر والأقسام واللجان في الإدارة العامة للجمعية، وحشد كبير من التربويين.
وزيرة التربية
قدّمت فعاليات المؤتمر مديرة ثانوية الكوثر الاستاذة رنا قبيسي، أعقب ذلك مقتطفات مصوّرة للمؤسس المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله بعنوان: ” طاقاتنا تكليف لا تشريف”.
بعد ذلك، ألقت وزيرة التربية الدكتورة ريما كرامي كلمة استهلتها بالحديث عن مسيرتها المهنية مع المبرّات فقالت: “حين أستعيد محطات مسيرتي المهنية، تقف أمامي جمعية المبرّات كعلامة فارقة. فمن خلالها ومعها، تعلمت كأكاديمية وباحثة، كيف يمكن للبحث أن يتحول من مجرد إنتاج معرفي جامد إلى أداة فعّالة للتطوير. كما أدركت كيف يمكن للعلم أن يتجذر في القيم، ويتفاعل مع نسيج الثقافة الروحية والمجتمعية، ليصبح نوراً يضيء الطريق وقوة دافعة نحو البناء.”
وأضافت:” من واجبي اليوم، كمهنية تربوية ووزيرة للتربية والتعليم العالي في لبنان، أن أقف وقفة محبة وإجلال لذكرى تربوية مميزة أثرت بعمق في مساري المهني، وهي المرحومة الحاجة رنا إسماعيل (نائب المدير العام للتربية والتعليم في المبرّات سابقاً) التي منحتني الثقة بقدراتي وألهمت شغفي بالتطوير والتحسين.”
ورأت: “إن عنوان المؤتمر يختصر جوهر تجربة المبرّات. وقد أثبتت هذه المؤسسات أن الريادة ممكنة حتى في أحلك الظروف، وأن الإدارة الحكيمة ليست مجرد تسيير يومي، بل هي قدرة استراتيجية على حماية الرسالة وتعزيزها”.
وأشارت كرامي إلى أن: “قوة المبرّات تكمن في أنها تستلهم رؤيتها من فكر العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، الذي رسّخ مبدأ أن التربية رسالة تبني الإنسان في عقله وروحه معاً، وأنّ العلم نور إذا ارتبط بالقيم، وقوة إذا ارتبط بالرحمة، مشددا على أهمية مسؤولية الفكر لدى الإنسان”.
وختمت: “أدعو المبرّات بأن تتمسك دائماً باتخاذ القرارات التربوية التطويرية الجريئة التي تستجيب للسياق بكل متغيراته، وهذا ما كانت تقوم به دائماً دون التفريط بثبات القيم التي قامت عليها. وأن تفسح المجال بشكل خاص لطلابها ليكونوا شركاء فاعلين في مسيرة التجدد والإصلاح. فمواصلة المبرّات لمسيرتها التربوية والرعائية التطويرية هي زخر لهذا الوطن ودافع لنهضته وإصلاح قطاعه التربوي.”
مدير عام المبرّات
ثم ألقى مدير عام المبرّات الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة قال فيها “إن مؤتمرنا يشكل محطة أساسية تحتاجها المرحلة، خاصة في ظل تحديات الأزمات المتتالية، للحفاظ على الإرث الريادي والمكتسبات التي تحققت في مسار مؤسسات المبرّات. حيث لا يزال التساؤل الجوهري للمؤسسات التربوية، ومنها المبرّات، حول كيفية التوفيق بين المرونة والتكيف من جهة، وبين الحفاظ على الهوية والريادة كمقومات أصيلة في مسار هذه المؤسسات من جهة أخرى.”
وتابع: “تعدّدت مجالات الرعاية في المبرّات تبعاً لحاجات مجتمع تعرضت بعض بيئاته للتهميش والإقصاء، وخاصة المعوقين والمسنّين. فكانت مؤسسة الهادي التي تميزت وطنياً وإقليمياً، وعلى مدى أربعة عقود من الزمن، ببرامجها وتنمية مواهب المستفيدين من خدماتها، ما يقارب سبعمائة من ذوي الحاجات الخاصة (مكفوفين، صم، توحد، إعاقات لغوية..). وبهذا تجاوزت المؤسسة أزمات إنسانية في زمن الأزمات. فيما كانت ريادة دار الأمان في رعاية المسنّين، حيث لم تتخل عن رعايتهم حتى في أصعب ظروف الحرب مكانياً وزمانياً.”
وأشار إلى: “أنّ مسيرة المبرّات التربوية جاءت انعكاساً لرؤية متقدمة في فهم دور المدرسة كمؤسسة إنمائية تُعنى ببناء الإنسان علماً وقيماً ومهارة”. لافتاً إلى أنّ “الريادة شكلت سمة ملازمة لنهجها التعليمي، وتجلت في اعتمادها المبكر لمقاربات تربوية سبقت واقعها المحلي، ورسخت أنماطاً تعليمية باتت اليوم جزءاً من الطموح الوطني للتربية.”
وعن المناهج الجديدة والشراكة مع المركز التربوي قال:”لعب المركز التربوي للبحوث والإنماء ومدارس المبرّات دوراً بارزاً وفعالاً في الشراكة، حيث أسهمت المبرّات من خلال تنسيق هيئة التخطيط والخبراء ضمن لجان إعداد الأوراق المساندة، فضلاً عن مساهمة خبرائنا المباشرة في صوغ مصفوفة المدى والتتابع لمختلف المواد. ونحن اليوم نتطلع إلى تعاون وثيق بين وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء، من أجل استكمال المرحلة الثالثة، وإصدار مصفوفة المدى والتتابع في أقرب وقت ممكن”.
وأضاف: “بعد ما يقارب ثلاث سنوات من الترقب لصدور المناهج الجديدة، أصبح هذا التأخير يفرض علينا تحديات كبيرة في اتخاذ القرارات الأساسية المتعلقة بتحديث مناهجنا الداخلية أو الشروع في تأليف كتب جديدة. يعود السبب الرئيسي لهذا التحدي إلى ضبابية في تحديد خطة زمنية للإنجاز، فضلاً عن عدم وضوح تفاصيل المرحلة الانتقالية، وما إذا كان سيتم إصدار كتب جديدة استناداً إلى المصفوفة المقترحة”.
وقال: “إن هذا الوضع لا يؤثر على مدارسنا فحسب، بل نحمل همه لامتداد تأثيره على المدارس الرسمية، خصوصاً فيما يتعلق بالسلّم التعليمي ومقترح المرحلة الثانوية الواردة في ورقة السلّم، وتحديداً من حيث المواد الاختيارية والمستويات المتعددة للمادة الواحدة.”
ودعا إلى “التخطيط الاستباقي وليس الانتظار لحدوث الأزمة، وأن يتم إعطاء الأولوية لتعليم الأساسيات، على أن يتم تركيز جهود استعادة التعليم على المحتوى الأساسي المفقود، مع أولوية للمهارات والمعارف الأساسية اللازمة للتقدم” مشيرا إلى أنّ “المبرّات على استعداد للمساهمة في عملية التطبيق التجريبي للمناهج من خلال وضع إمكانياتنا البشرية لتأمين تغذية راجعة حول تطبيق هذه المناهج، كما المساهمة في أي عملية تدريب أو تمكين للتربويين من خلال خطة التطوير المهني.”
وتطرق إلى “الإنجازات التي حصلت عليها المبرّات في موضوع بناء المهارات”، فقال: “في إنجاز جديد يُضاف إلى سجلّها الريادي، حصلت جمعية المبرّات الخيرية على اعتماد Impact Level 4 من قبل Skills Builder Partnership، وذلك ضمن مشاركتها في برنامج Global Impact Fellowship العالمي. ويُعد هذا الاعتماد تتويجاً لجهود الجمعية في تنمية المهارات الأساسية لدى الأفراد والمجتمعات، وتعزيز أثر برامجها التربوية والاجتماعية المستدامة”.
واشار في ختام كلمته إلى نتاجات جامعة العلوم والآداب اللبنانية قائلاً: “تسعى الجامعة إلى إنتاج المعرفة من خلال زيادة وتيرة إنتاجها البحثي، الذي لامس الـ 70 بحثاً علمياً رغم عمرها الفتيّ، بعضها منشور في أرقى المجلات العلمية العالمية.
العلّامة فضل الله
أعقب كلمة مدير عام المبرّات فقرة فنية من تقديم كورال المبرّات بعنوان “أرض المستقبل موعدنا”.
بعد ذلك، ندوة أدارها مدير ثانوية الإمام الحسن الأستاذ فايز جلول، وتحدث فيها كل من الدكتورة نانسي الموسوي (كلية التّربية – الجامعة اللبنانية) حول “التّوازن بين التربيّة والتّعليم في زمن الأزمات”، والأستاذ مروان ترزي (مدير وحدة الرؤى التنموية والحلول الإبداعية في مركز التعليم المستمر جامعة بيرزيت) حول “الذكاء الاصطناعي وأزمات التّعليم: بين وعود الرّيادة ومخاطر الانهيار التربوي”، والمهندس عبد المجيد حدّاد (الشريك الإداري في مجموعة الإدارة المستدامة SMG الرائدة في مجال التقييم والاعتماد وتعزيز الاستدامة) حول: “القيادة في زمن الأزمات: استمراريّة الأعمال ضرورة استراتيجيّة لمستقبل تعليمي مرن”.
واختتم اليوم الرئيسي للمؤتمر بكلمة لرئيس جمعية المبرّات العلّامة السيد علي فضل الله، قال فيها:
“يأتي هذا المؤتمر في أصعب الظروف التي نعيشها على الصعيد الأمني بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، والمعاناة التي نشهدها على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، والانقسام السياسي الحاد الذي بات يهدد وحدة هذا البلد واستقراره وقوته.”
واضاف:” تكمن أهمية هذا المؤتمر وما قد يُفضي إليه من نتائج، في كونه يسعى إلى دراسة الطرق الكفيلة بمنع هذه الظروف الصعبة – وهذه الأزمات التي لا نزال في قلبها – من أن تعيق المؤسسات عن أداء دورها، أو تقف عائقاً أمام بلوغها التوازن المطلوب بين الريادة في التربية والتعليم وإدارة الأزمات.”
وشدّد: “على ضرورة أن نعدّ المتلقين، سواء كانوا أهلاً أو طلاباً، لكيفية التعامل عند الأزمات. لأن الأهل والطلاب هم شركاء حقيقيون لنا في الأداء التعليمي والتربوي، وينبغي أن نعدّهم ليكونوا قادرين على تحمل أعباء هذه الأزمات والتكيف مع متطلباتها وما يدعو إلى مواجهتها أو التخفيف منها”.
وختم متوجهاً إلى مديري المؤسسات والتربويين والعاملين بالقول: ‘إننا على ثقة بأن الأزمات – مهما اشتدت – لن تضعفكم، بل تحفز قدرتكم على التعلم والنهوض وتحسين الأداء والابتكار، وستثبتون للذين يراهنون على انحسار المؤسسات تحت الضغوط أنها متجذرة فيكم وفي هذا الوطن، وأنكم قادرون- بإيمانكم وشعوركم بالمسؤولية تجاه الأهل والمجتمع، وذلك بالتوكل على الله، وبالأمل الذي تختزنه نفوسكم- على تجاوز كل عقبة.'”