الخميس , أكتوبر 16 2025

التخطيط الاستراتيجي للتعليم في حالات الطوارئ

 

إعداد الباحثة: اكتمال عبد الكريم أبو سنيمة*:

يُعدّ التعليم في حالات الطوارئ (UNICEF. (2023).) شريان حياة حيويًا للأطفال والشباب المتضررين من الأزمات والصراعات والكوارث الطبيعية. لا يقتصر دور التعليم على توفير فرص التعلم فحسب، بل يمتد ليشمل توفير بيئة حماية آمنة، ودعم نفسي اجتماعي، وإكساب المهارات اللازمة للبقاء وإعادة بناء المجتمعات. يمثل التخطيط الاستراتيجي الفعال ركيزة أساسية لضمان استمرارية وجودة التعليم خلال هذه الأوقات الصعبة وما بعدها.

و يمثل التعليم أحد الأعمدة الأساسية لبناء المجتمعات وصناعة مستقبلها، غير أنّه في مناطق الصراع والأزمات – مثل قطاع غزة – يواجه تحديات غير مسبوقة تؤثر على استمراريته وجودته. وفي ظل الحروب المتكررة، والحصار المستمر، والانتهاكات التي يتعرض لها القطاع التعليمي، برزت الحاجة الماسة إلى التخطيط الاستراتيجي للتعليم بوصفه آلية منهجية للتعامل مع الأزمات، وضمان استمرارية العملية التعليمية، والحفاظ على حق الأطفال والشباب في التعلم.

أولاً: مفهوم التخطيط الاستراتيجي للتعليم .

التخطيط الاستراتيجي للتعليم في الأزمات يعني وضع خطط طويلة المدى تستند إلى تحليل عميق للواقع التعليمي، والبيئة الداخلية والخارجية، مع مراعاة التغيرات الطارئة التي قد تفرضها الأزمات الإنسانية أو الحروب. إنه عملية تهدف إلى ضمان بقاء التعليم متاحاً ومتاحاً بجودة مقبولة، رغم الظروف القاسية، من خلال تحديد الأهداف الاستراتيجية، ووضع بدائل مرنة، وتخصيص الموارد بشكل فعّال.

ثانياً: واقع التعليم في غزة وقت الأزمات

يعاني قطاع التعليم في غزة من آثار الأزمات المتكررة، ومن أبرز التحديات التي تواجه التعليم:

  1. تدمير البنية التحتية: استهداف المدارس والجامعات بشكل مباشر، أو تضررها نتيجة القصف، مما يحرم آلاف الطلبة من أماكن الدراسة.
  2. الاكتظاظ المدرسي: نتيجة تدمير المباني التعليمية، يضطر الطلبة إلى الدراسة في مدارس بديلة بنظام الفترتين أو الثلاث فترات.
  3. النزوح واللجوء الداخلي: يتحول كثير من المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين، مما يؤدي إلى تعطل العملية التعليمية.
  4. ضعف الإمكانيات التكنولوجية: صعوبة التحول للتعليم الإلكتروني بسبب انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت، ما يعيق استمرارية التعليم عن بعد.
  5. الأزمات النفسية: يعاني الطلبة والمعلمون من صدمات نفسية نتيجة الحرب، ما ينعكس سلباً على التحصيل الدراسي والأداء التعليمي.
  6. نقص الكوادر والموارد: توقف الرواتب أحياناً، ونقص في الأدوات والمستلزمات المدرسية.

ثالثاً: أهمية التخطيط الاستراتيجي للتعليم في غزة .

تتجلى أهمية التخطيط الاستراتيجي في الأزمات من خلال:

ضمان استمرارية التعليم حتى في أحلك الظروف، كحق أساسي من حقوق الإنسان.

تحديد الأولويات في ظل محدودية الموارد، والتركيز على القضايا العاجلة مثل إصلاح المدارس المدمرة أو تقديم الدعم النفسي للطلبة.

تعزيز الصمود المجتمعي، حيث يمثل التعليم أداة لمواجهة محاولات طمس الهوية وتجهيل الأجيال.

توفير بدائل تعليمية مبتكرة كالمدارس المؤقتة، والتعليم الإلكتروني، والدروس المصورة.

المساهمة في إعادة الإعمار، فالتعليم هو استثمار في رأس المال البشري القادر على إعادة بناء المجتمع.

رابعاً: ركائز التخطيط الاستراتيجي للتعليم في وقت الأزمات

لضمان فعالية التخطيط الاستراتيجي للتعليم في غزة، يجب أن يقوم على مجموعة من الركائز:

  1. تشخيص الواقع: تحليل الوضع التعليمي من حيث عدد المدارس المتضررة، أعداد الطلبة النازحين، الإمكانيات المتاحة، واحتياجات الكوادر التعليمية.
  2. تحديد الرؤية والأهداف: وضع رؤية تعليمية واضحة تراعي استمرار العملية التعليمية، وصياغة أهداف قابلة للقياس مثل “إعادة تأهيل 50% من المدارس المتضررة خلال عام”.
  3. المرونة والبدائل: إعداد خطط بديلة لمواجهة أي تطورات طارئة، مثل إنشاء صفوف دراسية متنقلة أو استئجار مبانٍ بديلة .
  4. استخدام التكنولوجيا: تطوير منصات تعليمية رقمية تتناسب مع محدودية الإنترنت والكهرباء، مثل المواد التعليمية المخزّنة مسبقاً على الأجهزة المحمولة. (وزارة التربية والتعليم العالي – فلسطين. (2022).
  5. الشراكات المجتمعية والدولية: التعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي والمنظمات الدولية لضمان التمويل والدعم الفني.
  6. الدعم النفسي والتربوي: إدماج برامج الدعم النفسي والاجتماعي ضمن الخطة التعليمية، لمساعدة الطلبة على تجاوز آثار الصدمات.

خامساً: استراتيجيات مقترحة للتعليم في غزة خلال الأزمات .

  1. التعليم في الطوارئ: اعتماد مناهج تعليمية مختصرة تركز على الأساسيات، مع استخدام أماكن بديلة كالمساجد والمراكز المجتمعية.
  2. المدارس المؤقتة: إنشاء خيام أو وحدات صفية متنقلة مجهزة بمقاعد ووسائل تعليمية أساسية.
  3. التعليم الإلكتروني والهجين: تطوير منصات محلية تعمل بمواد تعليمية يمكن تنزيلها واستخدامها دون إنترنت مستمر.
  4. التعليم عبر الإعلام: بث دروس تعليمية عبر الإذاعة أو التلفزيون، لضمان وصول المعرفة لأكبر عدد من الطلبة
  5. تأهيل المعلمين: تدريب المعلمين على استراتيجيات التعليم في الطوارئ، واستخدام الوسائل البسيطة للتدريس.
  6. المشاركة المجتمعية: إشراك أولياء الأمور والمتطوعين في العملية التعليمية لتخفيف الضغط عن المؤسسات الرسمية.

سادساً: التحديات التي تواجه التخطيط الاستراتيجي

ضعف التمويل الدولي وعدم انتظام الدعم المخصص للتعليم.

القيود اللوجستية الناتجة عن الحصار، مثل صعوبة إدخال مواد البناء أو الوسائل التعليمية.

الظروف السياسية المتغيرة، والتي قد تعرقل تنفيذ الخطط طويلة الأمد.

العجز النفسي والاجتماعي الناتج عن طول فترة الأزمات وتأثيرها على الطلبة والمعلمين. (أبو دقة، ر. 2021).

سابعاً: التوصيات المستقبلية

  1. إقرار خطة وطنية موحدة للتعليم في الأزمات يشترك في إعدادها جميع الفاعلين.
  2. تخصيص صندوق للطوارئ التعليمية لتوفير الموارد بسرعة في حال اندلاع أي أزمة.
  3. تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية مثل اليونيسف والأونروا لضمان استدامة التعليم.
  4. تطوير البنية التكنولوجية بما يمكّن من التعليم الإلكتروني الفعّال.
  5. دمج برامج الدعم النفسي ضمن المناهج والأنشطة الصفية.
  6. تأهيل جيل جديد من المعلمين يمتلك مهارات إدارة التعليم في الظروف الطارئة.

 

خاتمة

إن التخطيط الاستراتيجي للتعليم في وقت الأزمات في غزة ليس رفاهية، بل ضرورة ملحة لضمان حق الأجيال في التعلم، والحفاظ على هويتهم الوطنية والثقافية. فالتعليم يشكل خط الدفاع الأول أمام محاولات التجهيل والإقصاء، ويُعزز قدرة المجتمع على الصمود وإعادة البناء. ورغم التحديات الهائلة، إلا أن وجود رؤية استراتيجية واضحة، ومرونة في التطبيق، وتعاون محلي ودولي، يمكن أن يضمن استمرارية العملية التعليمية، ويحافظ على أمل الأجيال الناشئة في مستقبل أفضل.

المراجع

أبو دقة، ر. (2021). التعليم في قطاع غزة بين التحديات والفرص. غزة: مركز مسارات للدراسات.

الحجار، م. (2022). “التخطيط الاستراتيجي للتعليم في الأزمات الإنسانية: دراسة حالة غزة”. المجلة الفلسطينية للتنمية التربوية، 15(2)، ص. 55–72.

وزارة التربية والتعليم العالي – فلسطين. (2022). الخطة الوطنية للتعليم في حالات الطوارئ. رام الله: وزارة التربية والتعليم العالي.

UNICEF. (2023). Education in Emergencies in the State of Palestine. United Nations Children’s Fund. Available at: https://www.unicef.org [Accessed 4 October 2025].

 

* الجامعة الإسلامية

 

عن tarbiagate

شاهد أيضاً

نموذج تحليل البيئة الداخلية والخارجية (SWOT) واستخدامه في الإدارة التربوية

    كتبت أمل اياد عايش*: تسعى المؤسسات التربوية في العصر الحديث إلى التميز وتحقيق …