ضمن التحضيرات لمشروع البصرة عاصمة الثقافة العربية 2018 شارك الدكتور محمد حسني الحاج عميد معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وأمين عام اتحاد كليات الفنون العربية والمعمار حبيب صادق أستاذ في الجامعة اللبنانية ورئيس مؤسسة الجادرجي من اجل العمارة والمجتمع، بورشة ثقافية ومجموعة من اللقاءات التحضيرية يومي 19 و20 آذار 2017 بدعوة من جامعة البصرة.
بتاريخ 19 آذار عقدت ورشة ثقافية في جامعة البصرة ضمن التحضيرات لفعاليات البصرة عاصمة الثقافة العربية 2018 وبحضور الدكتور ثامر احمد حمدان رئيس جامعة البصرة أقامت لجنة الثقافة والفنون في جامعة البصرة ورشة بعنوان (الثقافة والفنون بوابات لارتقاء المدن) بحضور عدد من ممثلين الجهات الحكومية والنقابية في المدينة وشخصيات ثقافية وفنية بارزة والوفد اللبناني.
افتتح الورشة الدكتور ساجد النور مساعد رئيس الجامعة والمشرف على الدورة وقال: “في ظل السعي الجاد لرجالات البصرة من العلماء والمفكرين والشعراء والفنانين لجعل مدينتهم عاصمة للثقافة العربية تقيم جامعة البصرة هذه الورشة لكي تحدد الأطر والمؤشرات التي ترسم معالم المسار المستقبلي للنشاط الثقافي”. وأضاف النور: “أن مشروع البصرة عاصمة الثقافة العربية سيكشف الإرث التاريخي لهذه المدينة في كافة المجالات ليمتد العطاء بتتويج مدينتنا البصرة عاصمة للثقافة العربية”. وتحدث الدكتور محمد الحاج عن “أهمية ربط التراث المديني بالنشاطات الإنسانية وإخراجه من الدائرة المقفلة ليتصل بالنسيج الاجتماعي الذي يحتضنه ويتفاعل معه باستمرار، فبدلاَ من أن يبقى التراث مادة جامدة ينبغي النظر إليه كعنصر فاعل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ينمو ويتطور بتجدد علاقته بالحاضر، ويعطي بدوره للحاضر أبعاداَ تاريخيةَ يحييه من جديد. فقد أصبح التراث جزءاَ مكوناَ من حياة المجتمعات العصرية، وهو يؤلف عنصراَ أساسياَ لتعميق التلاحم الاجتماعي وتكوين الشخصية الوطنية بأبعادها الثقافية والرمزية. بهذا المعنى يمكن القول إن المجتمع في كل مرحلة من مراحل تطوره ينتج علاقة جديدة بإرثه التاريخي، والفني المعاصر، فالعلاقة بالتراث دينامية ـ تواصلية، وفي هذا السياق يعتبر اختيار البصرة عاصمة للثقافة العربية فرصة حقيقية لإحداث دينامية تفاعلية على مستوى التحديث وتفعيل دور الجامعة والمؤسسات الثقافية في الحيز المديني. واكد المعمار حبيب صادق “إنه بإمكان البصرة إنتاج تجربة جدية تكون نموذج على مستوى العراق بفضل التنوع الثقافي الذي تمتلكه المدينة”. وأضاف صادق “إن اللقاء في هذه الورشة هو تسوية لتتيح فرصة حقيقية للبدء بإنتاج خصوصية مكانية وزمانية لمدينة البصرة ليس فقط على مستوى العراق بل على مستوى العالم العربي”. وتم خلال فعاليات الورشة من عرض مقترح برنامج أولي حول البصرة عاصمة الثقافة العربية 2018 وتخلل الورشة نقاش مفتوح عرضت فيه العديد من الرؤى والمقترحات التي تصب في بلورة نجاح هذا الحدث التاريخي المهم.
وبتاريخ 20 آذار عقدت ندوة حول الوعي المديني والبعد الاجتماعي للعمارة، تحدث خلالها الدكتور محمد الحاج عن إن العولمة ربطت تدويل الاقتصاد بتدويل الثقافة، وما يحدث بالفعل هو أن العالم يزداد تشرذماَ بازدياد توحيده، ومع تعمق التدويل الاقتصادي تتشرذم البنى السياسية. وتظهر تجلياتها في التفكّك الحاصل ما بين الأعراف السائدة وقوة منطق الاستهلاك المستشري في عاديات حيواتنا.
واعتبر أن التراث ثمرة جهود وتراكم حضاري وتفاعل بين الأجيال والثقافات، فهو ضرورة لمستويات التكون المعاصر للوعي الثقافي والاجتماعي-التربوي إن كان في البيت أو في الحي أو في الشارع والمدرسة والقرية والمدينة والوطن، وهو اليوم يشير إلى نوعية الحياة.
انطلاقا من هذا التعريف ينبغي التطرق إلى الغاية المرجوة منه في الظروف الراهنة في مجمل ميادين الدراسات والأبحاث حول قيمه، انطلاقا من الواجب القانوني والأخلاقي للحضارة الراهنة في حمايته وصونه وإحيائه لتأمين تواصليته مع الأجيال اللاحقة، حيث التواصل التاريخي وما تفرضه من استعمالات له، تشكل إحدى أهم ظواهر التنمية المستدامة والعنصر الأكثر جذبا وفاعلية في إغناء الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب تحديد مسارات حمايته وإبراز قيمه في البرامج والسياسات المجتمعية، لتحقيق عملية دمجه في الهيكليات المؤسساتية القائمة في المجتمع.
وتحدث المعمار حبيب صادق عن الدور الاجتماعي للمعمار، ومسؤوليته في تأمين حقوق الناس من خلال ابتكار فضاءات الحياة من السكن والعمل والرفاه، وفي التعبير عن تطور المجتمع وهويته وأزمنته. خارج ابتذال التأثيرات الشكلية الظاهرية للعمارة، المرتكزة على أولوية تحقيقها لمصالح ريعية مباشرة. واعتبر انه من العقلانية أن يسترشد ويستند إنتاجنا المعماري بشكل أساسي على الأهداف التي من أجلها وجدت حواضرنا، في الماضي والحاضر وذلك لتحقيق وضمان المصالح والحاجات الاجتماعية والاقتصادية للسكان القاطنين فيها، ويستلزم ذلك تحقيق التوازن بين إحياء التاريخي وواقع المجتمع المعاصر. إن تفعيل الدور الريادي للمؤسسات الأكاديمية المعمارية في تحضير الوعي المعماري على مواجهة الأسئلة الخاصة بالحياة المعاصرة والتكامل والتواصل ما بين تراث الماضي وعمارة الراهن في تحقيق حاجات حياتنا الراهنة بحيث يجب أن تستجيب بواقعية لمتطلبات التضامن الاجتماعي، وتساهم في تعزيز انتماء الناس واحترامهم، لما تمثله العمارة من ظاهرة حية مرتبطة بالمجتمعات الإنسانية، فهي تولد وتنضج ومن ثم تهرم، وتحافظ على قيمتها بقدر استمرارها بان تكون مفيدة ، وذات قيمة اجتماعية ، ثقافية ومادية – اقتصادية فهي استثمار يجب استغلال خط حياته بالكامل. وتحدث عن التحديات التي تواجه إنتاجنا المعماري، في هذا الزمن الصعب الذي تمر به أوطاننا العربية، حيث تسود سمة طغيان ثقافة الاستهلاك، ومنطق الربح والاستثمار الريعي، وسيادة اقتصاد الحروب المتنقلة، حيث تهدر المليارات من الدولارات على “صناعة الموت”. وصولاً إلى تدمير البيئة الكارثي وسببه طبيعة الإنتاج والاستهلاك خارج تلبية الحاجات والرغبات الحقيقية للناس. وعرض مجموعة من التجارب في إعادة تأهيل المواقع التاريخية وتجربة إعادة إعمار وسط بنت جبيل التاريخي بعد حرب تموز.
وبمبادرة من رئيس اللجنة التحضيرية في جامعة البصرة الدكتور كريم عبود عقدت أمسية حوارية بحضور نخبة من الشخصيات البصرية ونشطاء مدنيين وأكاديميين ورواد في المسرح ومؤسسات من المجتمع المدني، كان محورها حلم البصرة بالعودة إلى ألقها وأحياء تراثها باعتبارها منبع ومركز إشعاع فكري وثقافي من خلال فرصتها بان تكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2018، وما على المجتمع المدني من دور ومهام للترويج والضغط ورفع الوعي المجتمعي لإبراز مظلومية هذه المدينة والهجمة الكبيرة التي تعرض لها تراثها وارثها الثقافي وكيف يمكن إن يستثمر مشروع عاصمة الثقافة ليحقق إنجازات مدنية وعمرانية وثقافية بدعم إقليمي ودولي من اليونسكو.