Breaking News

الجامعة اللبنانية ركيزة لا هامش

جانب من أعتصام اساتذة الجامعة اللبنانية في رياض الصلح (ارشيف- بوابة التربية)

بوابة التربية- كتب الدكتور جعفر عبد الخالق:

منذ فترة نقرأ ما تكتب في السياسة والاجتماع والاقتصاد بعض الأقلام بحرفية عالية جداً، حتى ولو كنا لا نوافق بعض الآراء والميول سياسياً، ولكننا نحترم عمق التحاليل والثقافة الواسعة، والتعابير اللغوية، والصور الأدبية التي تستخدم، فنستمتع احيانا كثيرة حتى بالقراءة، ونكتسب افادة.

ولكن عندما نقرأ آراء البعض  أحياناً، ومنها السلبية حول الجامعة اللبنانية، واضراباتها (أو حتى إحتجاجات كل اللبنانيين) ، وأخذ الطلاب رهائن من قبل أساتذتها (أو المواطنين)، فنتعجب بالسطحية السلبية التي يقودها البعض لمهاجمة الجامعة إداريا واكاديميا، والأساتذة ورابطتهم، وأبنية ومجمعات وتجهيزات ووووو.

بالحقيقة، انا شخصيا لم اتوقع ذلك من هكذا أقلام فعلا نحترمها.

ولكنني، بالرغم من مواكبتي لمسيرة الجامعة اللبنانية لفترة ٣٧ عاما خلت، كأستاذ في الاقتصاد وإدارة الاعمال، وباحثا دؤوبا، وسلوك درب النضال المستمر مع الزملاء بإعادة إحياء الهيئة النقابية منذ بداية التسعينات، ولم ينقطع ولا لحظة برابطة أساتذتها، ومحاولاتنا دائما لإعادة إحياء “الاتحاد الوطني لطلابها” (وللاسف لم نوفق ابداً بسبب الطائفية المقيتة). ولأن التجربة طويلة وكبيرة تتسع لمؤلف، سأكتب الآن فقط ما يلي:

أولاً) الجامعة اللبنانية لم تتأسس، ولم تستمر لولا نضال أساتذتها وطلابها.

ثانياً) منذ ٢٥ عاما، وللأسف، أدخلت الجامعة ضمن محاصصة المراكز الاولى في البلد (شبيهة بالوزارات).

ثالثاً) وبناءً عليه، لم يتم أي إنجاز علمي فيها كان أو مادي، إلا بنضال أساتذتها: بعض المباني الجامعية الحديثة ومنهم مجمع رفيق الحريري بالحدث، وتأسيس كليات جديدة،  ومراكز أبحاث ومعاهد دكتوراه، ومختبرات تعتبر الأنجح حتى في الشرق الاوسط، وإعتماد وتطبيق أنظمة ال LMD الأكاديمية ومحاكاة المعايير الأوروبية، ومجلس جامعة، ومجالس أكاديمية والقانون ٦٦ ووووو. (هذا اكاديمي غير مادي).

رابعاً) أما مادياً، تم إقرار سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة ورفع الدرجات منذ ١٩٩٧، وأصبح الأستاذ (منذ ذاك التاريخ) بمستوى يوازي المتوسط حتى الافضل في الشرق الاوسط، وإنشاء صندوق التعاضد، ورفع مستوى تعويض الخدمات والأبحاث.

خامساً) بالرغم من وضعها بصلب خريطة المحاصصة السياسية الطائفية، وفرض هيمنة السلطة الطائفية وأطرافها عليها، كما على كل مؤسسات البلد، رفعت اختصاصات وخبرات ونضال اساتذتها وطلابها منسوب مستواها العلمي الأكاديمي والبحثي، إلى المستوى الأعلى في لبنان بين كل الجامعات، وإلى درجات متقدمة ضمن ترتيبات التصنيف العربي والدولي.

سادسا)  بالرغم من كل تلك المعوقات، وتحقيق تلك الإنجازات، فقد تم ذلك بأقل كلفة من موازنات الدولة على الطالب، مقارنة مع الجامعات الخاصة في لبنان والعالم العربي والشرق الأوسط والعالم. إذ ان الطالب في الجامعة اللبنانية يكلف بالمتوسط ثلاثة الاف دولار سنويا، اي اقل بأربعة مرات من المتوسط العالمي، ومرتين على الاقل بالمتوسط عن الجامعات الخاصة برمتها في لبنان (تحتسب بقسمة متوسط موازنة الجامعة على متوسط عدد طلابها خلال الفترة، قبل بدء ازمة الانهيار الاقتصادي منذ عامين وسعر الدولار 1500 ل.ل).

سابعاً) إن ما يحدث اليوم ليس طبيعيا وغير مقبول بالخالص، إذ أن الدولار تفلت صعوداً منذ بداية 2020 نحو ٣٣ الف ل.ل لبنانية، ثم عاد إلى متوسط ٢٢ الف ل.ل، أي إرتفع 15 ضعفاً، وموازنة الجامعة في العام 2022 تبقى كما هي بمستوى عام 2019. فهل يعقل ذلك أن تتدنى كلفة الطالب من 3000 دولار إلى 200 دولار بالسنة؟؟؟ هذا تدمير الغائي ممنهج للجامعة الوطنية ومناهجها وأكاديميتها، وأساتذتها وموظفيها وطلابها، وصناديق تعاضد أساتذتها وموظفيها، وإنجازاتها ومختبراتها وابنيتها ووووو.

ثامناً) من الطبيعي أن تعاني الجامعة اللبنانية كما كل مؤسسات الوطن وشعبه من الإنهيار الكارثي. ولكن أن تضع بعض الأقلام جم الغضب والملامة على الاساتذة وتحركهم واضرابهم، وكأنهم يحتجزون “الطلاب رهائن” في جعبتهم، فهذا بالفعل تجني غير موفق ابدا (بدل صب الغضب على السلطة وأطرافها وفسادها وإستلشاقها وقدحها وذمها). هل يعلم حاملي هكذا أفكار أنه في كل الحالات: الطالب والموظف والاستاذ لم يعد قادرا للوصول إلى جامعته لأكثر من يوم اسبوعيا (كما كل موظفي وإداريي الدولة وأساتذة وطلاب وموظفي المدارس)؟ والتعويض بالتعليم عن بعد يصطدم بعدم وجود لا الانترنت ولا الكهرباء (لا الدولة ولا المولدات) خلال النهار بعموم لبنان، وإن وجدت مساءً، فلا طاقة لأحد بتحمل كلفتها. إذن بجميع الحالات البلد مشلول بكل مكوناته ومؤسساته، فكيف بجامعته اللبنانية.

تاسعاً) تاريخياً، وبوجود الدولة الطائفية غير العادلة، فإن ضمانة العاملين فيها وبمؤسساتها هي أدواتهم وروابطهم النقابية ووحدتهم فقط لا غير، مهما كانت هيئاتها جداً ناشطة أم متوسطة أو هامدة. وبالرغم من أن الدولة تحاول فرض التسلط والهيمنة والتشرذم منذ نهاية التسعينات على الاتحاد العمالي العام، والاتحادات العمالية، والروابط التربوية…  تبقى وحدة الموظفين العاملين  والمتقاعدين في القطاع العام، والأساتذة التربويين والجامعيين، ونقابات المهن الحرة، هم الطليعة الواعدة لأي آمال بالتغيير، لأنهم إنحدرو إلى الدرك الأدنى. وبتجارب كل دول العالم، تعتبر الطبقة الوسطى هي الأداة الاساسية المحركة لعجلة التغيير في المجتمعات البشرية.

عاشراً) إننا نشد على أيادي جميع اصحاب الأقلام الاعلامية الحرة  في البلد، بعدم الإنسياق وراء المتضررين من سياسات السلطات اللامبالية،  وفي حالات الإضراب أو التظاهر أو الاعتصام، أو أي من أشكال التعبير، التوجه نحو عدم الإيقاع  بين موظفي القطاع العام  ومصالح الناس، بين الاساتذة والطلاب، بين أي جمهور أو فئة من المحتجين أو المنتفضين في الشوارع، وكأنها تخريب للمصالح العامة والخاصة وتمس أمن المواطن العام.

وفي الختام، الإدراك العام ثقافة تراكمية، ورؤية المصالح الشاملة بوضوح دليل رقي الوعي، أما التشرذم العابر والممنهج، وطغيان المصالح الفئوية الطائفية والمناطقية الضيقة، هي سمات التخلف الهدام.

فلبنان اليوم، بكل شعبه وشعابه ومؤسساته، وطوائفه وفئاته، أمام مفترق طرق خطير وحاسم: إما التوحد برؤية المصالح الوطنية والشعبية والسيادية العليا لا غير، بتجاوز التجاذبات السلطوية والحزبية الطائفية والفئوية… وإما الإصطدام، ليس فقط بقعر جحيم الإنهيار، وإنما بزوال الوطن الكيان.

About tarbiagate

Check Also

مدارس المبرّات تُطلق فعاليات أسبوع المطالعة الخامس عشر

بوابة التربية:  افتتحت مدارس المبرّات أسبوع المطالعة الخامس عشر تحت عنوان “نقرأ ونتحدى في رحاب …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *